الأحد 05/مايو/2024

استمرار التنسيق الأمني يتطلب من السلطة إعادة توصيف نفسها

د. عدنان أبو عامر

في ذروة القطيعة السياسية بين السلطة الفلسطينية و(إسرائيل)، أو هكذا يبدو، تتواصل اللقاءات الأمنية على قدم وساق، رغم أن المستوى الأمني بالعادة يكون تابعا تلقائيا لمن هو أعلى منه في المستوى السياسي، ومن الضرورة بمكان أن يكون التنسيق الأمني أحد ثمار التواصل السياسي، وليس العكس.

لكن الحاصل في الضفة الغربية في الشهور الأخيرة أمر عصي على الاستيعاب والمنطق السياسي، ففي الوقت الذي تجمدت فيه المفاوضات السياسية بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية منذ 2014، لا زالت الحميمية تسود أجواء العلاقة بين الضباط من الجانبين، الفلسطينيين والمحتلين، سواء من خلال تبادل المعلومات الأمنية، أو اللقاءات التنسيقية، أو الاتصالات على المستوى الأعلى بين كبار الضباط.

تجلى هذا التنسيق الأمني سيئ الصيت في الآونة الأخيرة بكشف الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية عن عملية تفجيرية ضد دوريات للجيش الإسرائيلي في بعض مناطق الضفة الغربية، مما لقي ترحيبا إسرائيليا وتغطية إعلامية واسعة لدى الإسرائيليين، لأن هذا الجهد الأمني الفلسطيني صان دماء إسرائيلية، وحمى جنود الاحتلال من موت محقق.

لعل التعاون والتنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية و(إسرائيل) منصوص عليه في اتفاقات أوسلو، ويعدّ نتيجة من نتائج التفاوض السياسي والمباحثات السياسية بينهما، وفي الوقت الذي تتعثر هذه المفاوضات، فمن الطبيعي أن يتزعزع هذا التنسيق، أو على الأقل لا يبقى محتفظا بذات المستوى من التعاون والحرفية، وكأن الأمور في المسار السياسي تسير “عال العال”.

لكن الحاصل اليوم أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية تعمل بمنأى عن تعثر المسار السياسي، وكأنها تقدم خدمات مقاولة أمنية للاحتلال الإسرائيلي، بعيدا عن مرجعيتها السياسية التي دأبت على تقديس التنسيق الأمني، وتعدّه رأس مالها مع الاحتلال، والحبل السري الذي يبقي رأسها فوق الماء، رغم أن بإمكانها أن تجمده لبعض الوقت لإشعار الاحتلال بالخطر الذي قد يتهدده في الضفة الغربية.

خطورة التنسيق الأمني الذي تقوم به أجهزة أمن السلطة الفلسطينية في هذه الأيام أنه يجعلها تتماهى مع مصالح الاحتلال، بمعنى أكثر وضوحا فإنها لا تلاحق المقاومة في الضفة، ولا تسلم كوادرها للاحتلال، ولا تتبادل المعلومات الأمنية مع الشاباك، فقط خدمة له، بل إن الخطورة هنا أنها ترى نفسها والاحتلال في مسار واحد ضد المقاومة، وهذا لعمري تطور خطير في عملية غسيل الدماغ الجارية على قدم وساق.

أخيرا.. أفهم أنه قد تكون هناك تباينات في الرأي بين فتح وحماس، والسلطة الفلسطينية وباقي الفصائل، لكن الاختلاف والتباين شيء، والملاحقة بهدف الاستئصال والاقتلاع شيء آخر، فهل باتت السلطة وأجهزتها الأمنية ذراعا أمنيا كاملا لـ(إسرائيل)، رغم وجود بعض الوزارات والهيكليات الحكومية التي تغطي سوأتها؟

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات