السبت 27/أبريل/2024

فلسطين في خطة ترمب.. كيان تحت الوصاية

ماجد الشيخ

أخيرا بات واضحا أن ما تسعى إليه إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، لتحقيق ما تسمى “صفقة القرن”، ليس أكثر من محاولة إنجاز تسويةٍ إقليميةٍ، حتى ولو جرى من خلالها تأجيل أو استبعاد التسوية مع الفلسطينيين، تسهيلا لإنجاز تلك الصفقة، وجاهزية جميع أطرافها للتوقيع عليها، استجابة لإرادة إدارة يمينية، خضعت لإرادة حكم كولونيالي جائر، معاد بالمطلق لقضية شعب الوطن الفلسطيني وحقوقه، الخاضع كامل أرضه التاريخية لاحتلال عنصري استيطاني غير مسبوق.

إلا أن المتغير الجديد مع صعود إدارة ترمب، ومواقفها التي بدت متعاكسة تماما مع مواقف الإدارات الأميركية السابقة، تجلى في انسياقها خلف ترتيبات حكومة العدو الإسرائيلي لطبيعة التسوية التي تريد من خلالها استبعاد قيام دولة فلسطينية مستقلة، ومسخ المطالب الفلسطينية، والإبقاء على سقفها منخفضا، وربما أخفض من حكم ذاتي محدود الصلاحيات في مساحات من الأرض محدودة. وهذا تحديدا ما لا ينجز تسويةً موعودةً للفلسطينيين؛ ولا يحقق لهم أي شكل من أشكال الدولة. وهذا ما لا ولن يرضي الفلسطينيين بوصفهم شعبا؛ لا في الداخل ولا في الشتات، حتى وإن رضي السلطويون من أجل الاحتفاظ بمكاسبهم ومغانمهم الشخصية والزبائنية والمصلحية الخاصة، تحت سقف كيان يفتقد لكل مقومات السيادة، ولا يشبه الشعب الفلسطيني وأهدافه وتطلعاته الوطنية التحرّرية، لا سيما بعد إخراج القدس من المفاوضات، والتغاضي عن حق عودة اللاجئين باعتبارها مسألة أساسا، هي جوهر القضية الوطنية.

وتبدو اليوم سيناريوهات الحديث عن “خطة ترمب” وسردياتها وقد بدأت تفصح عن تفاصيل كثيرة، فيبدو أن “التسوية الإقليمية” هي رأس جبل الجليد الأوضح، فيما “التسوية الفلسطينية” هي التي سوف يجرها المسار الإقليمي في اتجاهات تعاند المسار الفلسطيني، وتقوده نحو التصفية؛ تصفية الإرث الكفاحي التحرّري مرحلة أخيرة، تمهد لإقامة نوع من الوصاية الإقليمية – الدولية التي تشمل قطاع غزة، إلى جانب أجزاء من الضفة الغربية الخالية من المستوطنات والقليل القليل من القدس، بحيث تصبح هذه القطع المتناثرة، بمثابة الكيان الإداري غير السيادي، الخاضع لإشراف أمني واقتصادي، برعاية أكثر من طرف “سيادي”، من قبيل كيان الاحتلال الإسرائيلي في الداخل، ومصر من جهة غزة، والأردن من جهة الضفة الغربية، مع احتفاظ “إسرائيل” بكامل حدود الأغوار مع الأردن، وبكامل ما تبقى من الأرض الفلسطينية التاريخية، وتلك هي المساهمة الإقليمية ذات الطابع التصفوي لقضية الشعب الفلسطيني الوطنية.

وكان موقع ديبكا، الاستخباري العبري، قد كشف، في العشرين من مايو/ أيار، ملامح “خطة السلام الأميركية” المعروفة إعلاميا بـ”الصفقة الإقليمية الكبرى”، وسط مؤشراتٍ على اعتزام الرئيس ترمب الإعلان عنها في شهر يونيو/ حزيران المقبل. وذلك كنقطة انطلاق لتشكيل مسار للعلاقات الإسرائيلية العربية، على الرغم من الرفض الفلسطيني للحديث عن الصفقة المطروحة.

واستعرض الموقع الخطوات المتوقعة قبل إعلان الخطة، وكيفية تفعيلها:

أولا، سيتم الإعلان عن الخطة في الموعد المقرر بواسطة الولايات المتحدة، بغض النظر عن مقاطعة الرئيس الفلسطيني محمود عباس والقيادة الفلسطينية.

ثانيا، لن تعلن الحكومات العربية المعنية تفاصيل الخطة كاملة، لإجراء مزيد من المناقشات للتوصل إلى اتفاق سلام نهائي بين الفلسطينيين و”إسرائيل”.

ثالثا، يميل البيت الأبيض ومصر ودول الخليج إلى البحث عن شخصياتٍ فلسطينيةٍ، تعيش خارج نطاق السلطة الفلسطينية، والتي لديها وجهات نظر مختلفة عن نخبة رام الله، وستكون على استعداد لدعم الخطة.

رابعا، من المقرّر أن يصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بيانًا يقترح فيه أن خطة ترمب نقطة انطلاق للمفاوضات الفورية مع الحكومات العربية حول بعض النقاط المقبولة لدى الطرفين.

خامسا، يطلع المسؤولون عن رسم خطة السلام، وهم جاريد كوشنير، ومبعوث واشنطن للسلام في الشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، الحلفاء والشركاء في المنطقة على الخطوات الأميركية من مرحلة إلى المرحلة التالية. سادسا، ليست خطة ترمب وثيقة نهائية، لكنها مصممة لتوليد زخم للحكومات العربية الرئيسية، سيما الدول الخليجية ومصر، للجلوس مع الولايات المتحدة و”إسرائيل” واستئناف محادثات السلام.

ونقل الموقع الاستخباراتي عن مصادر وصفها بأنها مطلعة أن الإدارة الأميركية حددت بعض النقاط قبل الإعلان عن الخطة:

ستقام دولة فلسطينية ذات سيادة محدودة عبر نصف الضفة الغربية وكل قطاع غزة.

تحتفظ “إسرائيل” بالمسؤولية الأمنية لمعظم الضفة الغربية ومعابر الحدود.

سيبقى وادي الأردن تحت السيادة الإسرائيلية والسيطرة العسكرية.

تنضم الأحياء العربية في شرقي القدس إلى الدولة الفلسطينية، باستثناء البلدة القديمة التي ستكون جزءًا من “القدس الإسرائيلية”.

بلدة أبو ديس هي العاصمة المقترحة لفلسطين.

سيتم دمج غزة في الدولة الفلسطينية الجديدة بشرط موافقة حماس على نزع السلاح.

لا تتطرق الخطة إلى اللاجئين الفلسطينيين، ولكن سيتم إنشاء آلية تعويض وإدارة من المجتمع الدولي.

تنص خطة ترمب على الاعتراف بـ”إسرائيل” وطنا للشعب اليهودي، وفلسطين بسيادة محدودة وطنا للفلسطينيين.

ستتشارك فلسطين والأردن السلطة الدينية على الأماكن الإسلامية المقدسة في مدينة القدس. 

علاوة على هذا الوضوح الفاقع في أهداف “خطة ترمب”، نقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، يوم 18 يناير/ كانون الثاني الجاري، عن مسؤول رفيع المستوى في إدارة ترمب، زعمه إنّ “دورنا ليس فرض اتفاق على أي من الجانبين. يتمثل دورنا في وضع خطة نعتقد أنّها واقعية. دورنا هو التوصل إلى خطة نعتقد أنّها عادلة”، مضيفاً أنّ “على الجميع أن يدرك أن نقاط الحوار المعتمدة من السبعين سنة الماضية، لم تحقق السلام”. وها هو ترامب/ المخلّص، يأتي اليوم وفي غمرة إغراقه واستغراقه فيما يشبه حالة شيزوفرينيا استعلائية، يقدم خطته “الأكثر واقعية”، استنادا إلى وقائع ومعطيات غير عادلة، يراد فرضها كما هي، أو يعدل عنها كما هي أيضا، ففي كل الأحوال يراد للكولونيالية الإسرائيلية أن تكون هي الرابحة بالتأكيد، فيما الوطنية الفلسطينية الخاسر الأكبر.

وأخيرا، وعلى الصعيد الفلسطيني، وعلى الرغم من هذا كله، ولئن بقيت قرارات المجلس المركزي الفلسطيني، وبالتالي قرارات المجلس الوطني أخيرا، مجرد قرارات غير قابلة للتنفيذ، بل هي أقرب إلى التعطيل منها إلى وعود قابلة للتنفيذ في الوقت المناسب، ولا نعرف مناسبةً أكثر من تهويد القدس، والاعتراف بها عاصمة لـ”إسرائيل” دولة يهودية، ونقل السفارة الأميركية إليها. في حين لم يبق للاجئين أي مكان في خرائط التسوية التصفوية ومعادلاتها الإقليمية و”الفلسطينية”، في ظل استشراء الاستيطان وتشريعه وتسويغه أميركيا وإقليميا، بكل ما يعنيه ذلك من تصفية المشروع الوطني وجوهره المستقبلي: الدولة الفلسطينية المستقلة، أقله على حدود الرابع من يونيو/ حزيران.

فأين هي مقاومة مشروع صفقة القرن، وبماذا يمكن للشعب الفلسطيني أن يقاومها، إذا كان هذا الشعب، ومعه الشعوب العربية الشقيقة، تُترك “لأقدارها” و”أقدار” غيرها لتتمكن منها صفقة، لا يمكن توصيفها أو تصنيفها سوى بأنها صفقة “شايلوكية”، انتقلت عبرها أخلاقيات “التاجر اليهودي” إلى تاجر أميركي، من قبيل ترمب ويمينه الشعبوي، وهو يدوس كل قيم العقلانية والسياسة والمنطق والرشد والحكمة، وهي قيم تفتقد لها أنظمة عربية أيضا، تساق سوقا خلف الجنون العقاروتي الترامبي، الساعي إلى تحقيق تسوية مستحيلة، ربما أصبحت ممكنةً بفضل وساخات المال السياسي، لا بفعل سياسات مبدئية أو واقعية، يعز علينا العثور عليها في طيات السلوك السياسي الرسمي العربي والفلسطيني الراهن.

المصدر: العربي الجديد

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات