السبت 04/مايو/2024

لا تركنوا إليهم.. فتمسّكم المذلّة

أحمد الحيلة

سقط أكثر من ستين شهيداً، ونحو ثلاثة آلاف جريح فلسطيني في قطاع غزة، في الذكرى السبعين لنكبة الشعب الفلسطيني، يوم الرابع عشر من مايو/أيار الجاري، اليوم الذي أقدمت فيه واشنطن على فتح سفارتها في القدس عقب اعتراف الإدارة الأمريكية بها عاصمة لدولة الاحتلال الصهيوني، إمعاناً منها في التّنكر لحقوق الفلسطينيين الوطنية، وإمعاناً منها في إهانة العرب والمسلمين، والدَّوْس على كراماتهم ومقدساتهم باعتدائها على قبلة المسلمين الأولى بمنحها الاحتلال الصهيوني الغطاء الكامل لاستكمال تهويد القدس، وبناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى المبارك.

هذا الحدث الجلل، لم يَلقَ من العرب والمسلمين إلا كثيرا من صمت، قليل من إدانة خجولة عبر بيانات توارت كلماتها في زحمة الشهداء والجرحى الذين سقطوا بالآلاف في يوم أليم بذاكرته، عظيم بتضحياته التي أعادت لفلسطين حضورها، وعنفوانها، وشبابها بارتوائها من دماء الشهادة الطاهر.

على الفلسطيني الذي نال شرف الجهاد والشهادة وحيداً في الميدان، أن لا ييأس أو يفقد الأمل في أمته التي ما زالت هائمة ومجروحة حتى النخاع..، وأن لا يقنط بحزنه وألمه على فراق الشهداء الأطهار الذين انتقلوا إلى جنة عرضها السماوات والأرض؛ لا حصار فيها، ولا تجويع، ولا معابر مغلقة، ولا كهرباء مقطوعة، ولا رواتب ممنوعة..، إلى جنة عرضها السماوات والأرض؛ لا جار سوء فيها، ولا متآمر، ولا فاقد للمروءة، أو قاهر للرجولة، أو منافق، أو خائن لدينه ووطنه لاهث وراء واشنطن أو “تل أبيب” الزائلة ولو بعد حين.

لتفتخر فلسطين بأبنائها البررة المخلصين لدينهم، ولوطنهم، ولعهدهم؛ فهم الطائفة المنصورة، الظاهرة على الحق، القاهرة لأعدائها، المتعالية على من خذلها، القابضة على الجمر حتى يأتي أمر الله بالنصر والتمكين، وهم كذلك.

ليس لنا إلا الترحّم على أرواح الشهداء الأطهار، والوقوف احتراماً وتقديراً لتضحياتهم التي لم ولن تذهب هدراً؛ فبدمائهم ستثور الأرض، وستلفظ عنها المتخاذلين المفرّطين، وستكون الكلمة والقول الفصل لهذا الشعب المعطاء العظيم الذي أخذ على عاتقه زمام المبادرة والقيادة، بعد أن خذله المُتربّعون على عرش الوهم والسلطة، السائرون وراء السراب، اللاهثون خلف السلام المزعوم.

بدماء الشهادة سترتد على أصحابها ما يسمى بصفقة القرن، ولن يوقّع الشعب على الاعتراف بالكيان الإسرائيلي المحتل. وبدماء الشهادة سينكسر الحصار، بعد أن فشلت مخططات الصهاينة والعرب المتصهينة في تثوير الشعب ضد مقاومته وشهدائه الذي سبقوا، فها هم الفسطينيون يقولون كلمتهم ويوجهون سهامهم إلى العدو الحقيقي لهم ولأمتهم التي هي اليوم على موعد مع نفسها لتسترجع عنفوانها وشبابها الثائر، ولتقوم من كبوتها، ولتنفض الغبار عن تاريخها وحاضرها، ففلسطين كانت ولا زالت هي الميدان الأبرز لوحدة الأمة في مواجهة الظلم والظالمين، والقدس كانت ولا زالت عنواناً لرفض المشروع الصهيوني والهيمنة الأمريكية الداعمة للاستبداد والاستعباد في المنطقة، والقدس لا زالت المدخل الأرحب لاستعادة الأمة لهويتها الوطنية والقومية والإسلامية.

على الفلسطينيين الذين أبدعوا وألهموا شعوب المنطقة والعالم، أن لا يركنوا إلى الرسمية العربية المنقسمة والمرتبكة والخائفة..، فالتغيير يبدأ بالإرادة والإصرار، وبالاتكاء على رؤية واضحة ناضجة قادرة على التعامل مع تحديات المرحلة، وبالاستعداد لدفع الثمن دون تفريط أو إفراط..، فالحرية تُؤخذ ولا تُعطى وهي تستحق المنازلة والتدافع، بعيداً عن أصوات المثبّطين والمتخاذلين الذين طاب لهم مساكنة المذلّة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات