السبت 27/أبريل/2024

يوم فلسطيني بحجم النكبة

مفتاح شعيب

قدم الفلسطينيون في الذكرى السبعين للنكبة ما تستحق بلاد مغتصبة من التضحيات. مئات الشهداء والجرحى سقطوا برصاص الاحتلال على حدود قطاع غزة دفاعاً عن حق العودة وعروبة القدس، ورداً على الخطوة الأمريكية الخرقاء بنقل سفارتها إلى المدينة المقدسة. ووسط نزيف الدم والغليان الكبير عاشت فلسطين أمس يوماً من أيامها الخالدة. ورغم المرارة الكبيرة والشعور بالخذلان، فقد وصلت الرسالة إلى العالم أجمع بأن هذا الاحتلال لن يستمر إلى الأبد.

نفذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعده واحتفى بنقل سفارته إلى القدس في يوم كئيب. وتحت مظلة هذه المناسبة المشؤومة انطلقت يد الاحتلال قتلاً وقمعاً. وشهدت حدود غزة مع الأرض المنكوبة واحدة من أبشع الجرائم «الإسرائيلية» بعدما تم سفك كثير من الدماء. ولم تفرق الذخيرة الحية التي أطلقها جنود الاحتلال بين الرجال والنساء والصبية والمقعدين. وتحت الذريعة «الإسرائيلية» أن كل من يقترب من السياج الحدودي فهو «إرهابي» تم ارتكاب المذبحة المروعة عن سابق إصرار. فبالنسبة إلى الاحتلال فإن حكومته الباغية لن تكترث لعدد الشهداء الفلسطينيين الذين يسقطون ولن تستمع إلى الإدانات العربية والدولية الصادرة من هذه العاصمة أو تلك، فما يهمها في هذا الظرف البائس هو موقف الحامي الأمريكي الذي منحها الضوء لتفعل ما تريد.

الدم المسفوك على سياج غزة ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، حدثان يضعان القضية الفلسطينية في مرحلة جديدة. والإصرار على نقل هذه السفارة في يوم أليم بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني يضمر مخططات خبيثة واستخفافاً غير مسبوق بالمواقف الدولية مجتمعة، فحتى بريطانيا التي باعت فلسطين للمنظمات اليهودية بلا ثمن لم تجرؤ على هذه الفعلة، إلى حد الآن على الأقل. أما بقية الأطراف الدولية فاكتفت بالمواقف المألوفة سواء بالشجب والاستنكار أو الإعراب عن القلق. أما الواقع الفلسطيني، فيمر بظرف عصيب فعلاً، ولم يعد أمامه من خيار غير الانفجار على هذه السياسات الموغلة في العدوان والغصب. وكان عشرات الشهداء الذين سقطوا في يوم النكبة دلالة على حجم الغضب بموازاة التأكيد على أن شرائح المجتمع الفلسطيني مستنفرة كلها، ومستعدة لتقديم التضحية الواجبة، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بهوية القدس والمبادئ السامية التي بنيت عليها القضية منذ اليوم الأول للنكبة الفلسطينية.

مصيبة الشعب الفلسطيني ليست في عجزه عن مقارعة الاحتلال، وإنما في المجتمع الدولي برمته الذي ادعى قبل نحو 25 عاماً أنه سيحقق ب «السلام» ما لم تحققه الحروب والانتفاضات، وها هي النتيجة ماثلة اليوم، فالأراضي الفلسطينية التي يفترض أن تقوم عليها الدولة المنشودة، أصبحت مجرد «جزر» متباعدة في بحر من المستوطنات اجتاح الضفة الغربية في السنوات الأخيرة، وقطاع غزة يشهد عملية إعدام جماعي لأهله بالحصار وإذكاء نيران الانقسام، وأخيراً بالقتل العشوائي بحجة أن أولئك المحاصرين «إرهابيون».

أمام الانتهاك الأمريكي لحرمة القدس والسعار «الإسرائيلي» في سفك دماء الأبرياء، تعجز كل عبارات الوصف عن تصوير حجم الفاجعة، فالبيانات الدولية، مهما بلغت من الحرقة والصدق، لن تعيد حقاً مسلوباً، طالما لم تصاحبها إجراءات عملية، ولكن هذه الإجراءات ستظل أشبه بالمستحيل في هذا العصر الأغبر، عصر الهوان و«الفوضى الخلاقة».

المصدر: صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات