الخميس 09/مايو/2024

منبر صلاح الدين.. الشاهد على تحرير الأقصى

منبر صلاح الدين.. الشاهد على تحرير الأقصى

يُعرف المنبر بـ”منبر صلاح الدين الأيوبي”، عِلمًا بأن الذي أمر بصنعه هو نور الدين زنكي سنة 1168م، ليضعه في المسجد الأقصى بعد أن يفتح المدينة.

وقد صُنِع هذا المنبر في دمشق على أيدي أمهر الحرفيين، من الخشم المُطعّم بالعاج والأبنوس، وله بوّابة ترتفع، فوقها تاج ثم درج يرقى إلى قوس أعلاه شُرفة خشبيّة، فيه 12 ألف قطعة مُعشّقة متداخلة شكّلت هذا المنبر الذي يُعدّ آية في الفن والجمال وعليه نقوش وكتابات قرآنية وتاريخيّة.

ويقول إيهاب الجلاد مؤلف “كتاب معالم المسجد الأقصى تحت المجهر”، في حديثه لـ”مراسلنا“: “إن المنبر هو مكان وقوف الإمام لإلقاء خطبة الجمعة والمواعظ الدينية، ويوجد على يمين المحراب، ويتألف من منصة ترتفع عدة درجات، وقد اعتنى المسلمون بزخرفتها وصناعتها وتزيينها بالآيات القرآنية”.

وأضاف أن أقدم ذكر لمنابر المسجد الأقصى يعود إلى المدّة العباسية، إذ ذكر ابن الفقيه الهمذاني (903هجرية- 290ميلادية) في حديثه عن المسجد الأقصى، “وفيه أربعة منابر للمتطوعة وواحد للمرتزقة”، ويقصد أربعة منابر يعتليها خطيب متطوع، ومنبر واحد مخصص للخطيب الذي يتقاضى أجرا، ويبدو أن منابر المسجد القديمة دمرت زمن الاحتلال الصليبي.

منبر نور الدين (المدّة الأيوبية)

وأشار “الجلاد” إلى أنه بعد التحرير الأيوبي للمسجد الأقصى المبارك أمر الملك العادل صلاح الدين، بصنع منبر على وجه السرعة من أجل خطبة التحرير، ثم ذكر له بعد ذلك المنبر، الذي أمر بصنعه نور الدين زنكي للمسجد الأقصى، فأمر صلاح الدين بإحضاره من حلب.

ويشار أن النجار الذي صنع المنبر يعرف بـ”الاختريني”، وقد أنجزه في عشر سنوات.

وصف المنبر الأصلي

وينقل “الجلاد” في كتابه، أن العالم ابن الأثير، قال: “إن نور الدين محمود، كان قد عمل بحلب منبرا أمر الصناع بالمبالغة في تحسينه وإتقانه، وقال: هذا قد عملناه لينصب بالبيت المقدس، فعمله النجارون في عدة سنين لم يعمل في الإسلام مثله”.

وقد صنع المنبر من خشب الأرز وطعّم بالعاج والأبنوس، وامتاز بربط أجزائه بأسلوب التعشيق، دون استعمال للغراء أو المسامير.

الكتابات الموجودة على المنبر

نقشت الآيات (90-93) من سورة النحل على شكل متوازي أضلاع، وعلى نفس الجانب على مستوى مجلس الخطيب، في إطار مربع تتوسطه كلمة الله، نقشت الآية 18 من سورة التوبة.

وعلى الجانب الأيسر نقش على شكل متوازي أضلاع: “بسم الله الرحمن الرحيم، أمر بعمله العبد الفقير إلى رحمته، الشاكر لنعمته، المجاهد في سبيله المرابط لأعداء دينه، الملك العادل نور الدين، ركن الإسلام والمسلمين، منصف المظلومين من الظالمين، أبو القاسم محمود بن زنكي بن اق سنقر، ناصر أمير المؤمنين، أعز الله أنصاره، وأدام اقتداره وأعلى مناره، ونشر في الخافقين ألويته وأعلامه وأعز أولياء دولته وأذل كفار نعمته، وفتح له وعلى يديه، وأقر بالنصر والزلفى عينيه برحمتك يا رب العالمين، وذلك في شهور سنة أربع وستين وخمس مئة”.

ويؤكد “الجلاد” أن المنبر بقي شامخا داخل المصلى القبلي، حتى تاريخ 8 جمادى الآخرة (1389 هجرية- 12-8-1969م)، شاهدا على التحرير الصلاحي لبيت المقدس، ولكن أذرع الاحتلال سعت للتخلص من هذا الرمز بوساطة الصهيوني الاسترالي مايكل روهان، الذي أضرم النار في الجامع القبلي فأتت النيران على المنبر التاريخي.

ووضع منبر حديدي بسيط في الجامع القبلي إلى أن أحضر منبر شبيه بمنبر نور الدين نصب عام 1428 هجرية- 2007 ميلادية حيث صنع من خشب الجوز (الذي يمتاز بسهولة الحفر وزيوته التي تمنع الحشرات من إتلاف الخشب)، كما ونقش على المنبر الجديد الآيات ذاتها التي كانت على منبر نور الدين.

جهود عربية وإسلامية

وأعيد بناء هذا المنبر بتوجيهات وتكليف من العاهل الأردني الراحل الملك حسين عام 1993، في حين وضع خلفه الملك عبد الله اللوحة الزخرفية الأساس للمنبر في سنة 2002، حيث يعدّ عملا فنيا هو الأول في التاريخ المعاصر، فهذا المنبر تحفه فنية إسلامية.

وكان التحدي الكبير، الذي واجه الحرفيين والمهندسين المشرفين على هذا العمل هو تجميع نحو 16500 قطعة، بعضها لا يتعدى طوله المليمترات قليلة، في بناء فني طوله ستة أمتار دون استخدام مواد تثبيت من صمغ أو مسامير أو براغي أو غراء، بل باستخدام طريقة التعشيق لإنتاج ما يمكن تسميته بفن المنبر، الذي تمثل في فنون الزخرفة الهندسية والزخرفة النباتية والخط العربي والمقرنصات والخراطة والتطعيم بالعاج والأبنوس والتعشيق وهي الأنماط الستة الرئيسة المكونة للفن الإسلامي.

والمنبر يمثل تحفه فنية وجمالية، شارك في صنعه فنانون من مختلف أقطار العالمين العربي والإسلامي، إذ أصر الأردن على أن يشارك في صناعته فنيون من دول عربية وإسلامية مختلفة حتى يحمل صفة العروبة والإسلام.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات