عاجل

الأحد 16/يونيو/2024

ما سر طول أعمار سكان جزيرة إيكاريا اليونانية؟

ما سر طول أعمار سكان جزيرة إيكاريا اليونانية؟

يُشكل عدد من تجاوزت أعمارهم 90 عاما ثلث سكان جزيرة إيكاريا اليونانية. والأغرب من ذلك، أن هؤلاء يقضون أيامهم وهم منهمكون في القيام بكل ما يحلو لهم من أعمال وأنشطة.

بشعر خفيف أبيض ينسدل على أحد جانبي وجهها، وبنظارتها السميكة، عكفت إيونا برويو، البالغة من العمر 105 سنوات، على تمرير أصابعها – التي تكسوها التجاعيد والبقع الناجمة عن التعرض لأشعة الشمس – على خيوط من الصوف ذات لون أزرق فاتح، شُدت على نول خشبي ثقيل.

وبينما ارتفع صوت ذاك النول اليدوي في المكان، طفقت برويو تحرك ذراعها لتنسج الخيوط، بأسلوب اتقنته على مدار ما يزيد على 90 عاما.

خمسة بلدان يعيش الناس فيها أطول الأعمار
وعلى هذا النول، تنسج السيدة المسنة الملابس والحقائب التي تبيعها في متجرها الصغير الواقع في قرية كريستوس راس، التي لا يزيد عدد سكانها على 300 نسمة، وتقع في جزيرة إيكاريا اليونانية، تلك الجزيرة التي تفصلها عن العاصمة أثينا رحلة بحرية تمتد لتسع ساعات، على متن عبّارة تقطع بحر إيجة.

وبينما كان ذراعاها يتحركان بشكل متناغم ليهتز النول قليلا، أفصحت هذه المُعمرة عن مدى الحب الذي لا تزال تُكنه لعملها.

ونصحتني في هذا الشأن قائلة : “افعل في حياتك ما يثير شغفك. عندما توفي زوجي قبل عقود، واصلت القيام بما أحبه. بعد ذلك، تقدم رجل للزواج مني، لكنني قلت لا ، أنا متزوجة من هذا النول”.

وغير بعيد عن متجر برويو، بدت الساحة الرئيسية للقرية ساكنة وادعة. هناك يجلس السكان خارج منازلهم المسقوفة بالقرميد (الذي يُعرف باسم التراكوتا)، وهم يرتشفون القهوة ببطء، ويتبادلون المُزاح والدعابات، تحت الظلال الوارفة لأشجار الدُّلْب ذات الأوراق الكثيفة.

أما المحال هناك فتعمل بنظام شديد الخصوصية، فأصحابها يفتحونها ويغلقونها دون أي جدول زمني ثابت أو محدد، بل إن الكثير من هذه المحال يعمل وفقا لما يمكن أن نصفه بـ “كلمة شرف”، إذ يأخذ الزبائن ما يريدون من السلع، ويتركون الثمن على منضدة البيع.

ورغم أن ما سبق يشكل مشهدا شائعا إلى حدٍّ ما في الجزر اليونانية، فإن لجزيرة “إيكاريا” خصوصية ما، فهنا يشكل من تجاوزت أعمارهم 90 عاما ثلث السكان، إذ أصبحت المنطقة إحدى خمس “مناطق زرقاء” في العالم بأسره، وهي بقاع صُنفت على أن سكانها هم الأطول عمرا على وجه البسيطة.

وتشمل هذه المناطق كذلك جزيرتي سردينيا الإيطالية، وأوكيناوا اليابانية، ومدينة لوما ليندا بولاية كاليفورنيا الأمريكية، ومنطقة نيكويا في كوستاريكا.

هل ساهم اللبن الزبادي في إطالة أعمار سكان بلغاريا؟
وفي أغلب الأحيان، يعدّ الخبراء أن الحرص على اتباع نظام غذاء صحي ونمط حياة مُفعم بالنشاط يمثل السبيل الأمثل لأن يحظى المرء بعمر أطول.

أما الأطباء وعلماء الأنثروبولوجيا المعنيين بمشروع “المناطق الزرقاء” في العالم، فيذكرون كذلك أن من بين العوامل المهمة في هذا الصعيد، وجود روابط أسرية قوية، فضلا عن كون المرء جزءا فاعلا من مجتمع عِماده الإيمان والتدين.

وبالعودة إلى إيكاريا، فسنجد أن سكانها يعملون بجد على البقاء قريبين من أفراد أسرهم وجيرانهم، كما يضطلع المسنون بأدوار مهمة في المجتمع المحلي هناك.

فعلى سبيل المثال، غالبا ما يشارك الأجداد والجدات في تنشئة الأحفاد وتربيتهم، أو في إدارة المحال والأنشطة التجارية.

لكن برويو تعزو طول عمرها إلى شغفها بأعمال النسيج، ونظرتها إلى الحياة، وقالت لي: “لا تتمنى أكثر مما تحتاجه بالفعل. لا تحسد الآخرين، فلن يُورِثُكَ ذلك سوى التوتر”.

غير أن هناك من يتبنون آراء أخرى حول الكيفية التي يتجنب بها سكان هذه المنطقة اليونانية الشعور بالقلق والتوتر غير الضروريين.

ومن بين هؤلاء الطبيب المتقاعد خريستودولوس زيناكيس، الذي التقيته لوقت قصير خلال الساعة الأولى لي في الجزيرة، واتفقنا على الالتقاء ثانية رغم أن اقتفاء أثره والعثور عليه هناك لم يكن بالأمر اليسير.

وبعد أيام قليلة، نجحت في العثور على هذا الطبيب، البالغ من العمر 81 عاما، والذي يعد رجلا شابا بشكل ما وفقا للمعايير السائدة في إيكاريا.

ألقيت عليه التحية في البداية، ورحب بي، وبدأ يشرح لي وجهة نظره القائمة على أن سكان إيكاريا ينظرون إلى عامل الزمن والوقت بشكل مختلف عن معظم الناس الآخرين، رغم أن ذلك – برأيه – لا يقلل من أهمية هذا العامل.

وقال في هذا الشأن: “لا يوجد هنا من يضرب مواعيد محددة . الأمر أقرب إلى قول أراك في الصباح، أو عصرا، أو في المساء. نحن لا نُشعِرُ أنفسنا بالقلق أو التوتر”.

ويعود ذلك – حسبما يقول زيناكيس – إلى أن سكان الجزيرة لا يقضون أيامهم عبثا. وبلهجة متحمسة، حدثني زيناكيس عن أحدث مشروعاته، والمتمثل في تنظيم “سباق قوارب إيكاريا للمسنين”، وهو السباق الذي يبلغ الحد الأدنى لعمر الأشخاص المسموح لهم بالمشاركة فيه 70 عاما.

وتبلغ مسافة السباق 14 ميلا بحريا، يقطعها 20 طاقما مشاركا في السباق ذهابا وإيابا، بين إيكاريا وجزيرة ساموس المجاورة.

ويقول الطبيب اليوناني المتقاعد: “ليس هذا سباقا بالمعنى المتعارف عليه، لكنه يُظهر أنه لا يزال بوسعنا القيام بذلك التحدي، وقادرون عليه (بدنيا) أيضا”.

ويضيف: “يوجد دائما ما يمكن أن تمضي وقتك فيه. وكيف لا يمكن أن تشعر بأنك في تمام الصحة أو في حال أفضل، أو في حالة جيدة؛ عندما تنخرط في ما يجعلك سعيدا، أو يمنح الآخرين السعادة؟”.

 

المصدر: بي بي سي

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات