الإثنين 20/مايو/2024

نحو يهودية إسرائيل.. آلية التنفيذ واستراتيجيات المواجهة

نحو يهودية إسرائيل.. آلية التنفيذ واستراتيجيات المواجهة

لا يكتفي الكيان “الإسرائيلي” بالاعتراف به دولة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية، إنما يبحث دائما عن صيغة دولية تمنحه مشروعية تاريخية وقانونية.

فمنذ وعد بلفور بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، يكرس الاحتلال خطواته نحو شرعنة هذا الوعد، وهو ما ترجم من خلال اتخاذ العديد من الإجراءات وسن العديد من القوانين منذ إعلان قيام الاحتلال.

وأبرز تلك الإجراءات تتمثل في هدم البيوت ومصادرة الأراضي، وتهويد معالم القدس الجغرافية، والقضاء على النشاط الاقتصادي العربي، والعزل والإغلاق، إضافة إلى جملة من القوانين، التي تهدف لتفريغ المدينة من أهلها الأصليين، ويهدف الاحتلال من خلال هذه المخططات كذلك تحقيق أهداف أمنية واقتصادية وسياسية وديموغرافية ودينية تصب في سعيها لترسيخ فكرة “يهودية الدولة.

* يهودية الدولة بالفكر الإسرائيلي
إن مسألة يهودية دولة “إسرائيل” التي طرحها قادتها في الآونة الأخيرة من خلال تصريحاتهم وأفعالهم على الأرض، تعد من أخطر القضايا المطروحة في منطقة الشرق الأوسط لأنها تهدد مصير القضية الفلسطينية، وتنذر باندثارها تماماً، وسوف يفرغ القضية الفلسطينية من مضمونها  ولن يكون هناك وجود حتى لفكرة قيام دولة فلسطينية .

فقد رأت “إسرائيل” نفسها منذ البداية، كما كان يُنظر إليها من قبل المجتمع الدولي ويعتبرها رؤسائها كدولة تلتزم بثلاثة مبادئ: أولا كونها المكان الذي يتمكن فيه اليهود من ممارسة حقهم في تقرير المصير، ثانيا أنها ديمقراطية. وثالثا أنها عضواً في أسرة الدول مع التزامها العام بحماية الحقوق العالمية.

وقد أشار قرار التقسيم الذي اتخذته الأمم المتحدة عام 1947 إلى قيام دولتين، واحدة عربية وأخرى يهودية، تسيطر مجموعة الأغلبية في كل دولة على قضايا الهجرة والاستيطان والأراضي والأمن في الأقاليم الخاصة بكل منهما بحكم سيادتهما هناك.

* تهويد مدينة القدس
ركزت حكومة الاحتلال في إطار دعمها لفكرة “يهودية الدولة” على مدينة القدس المحتلة بشكل خاص باعتبارها عاصمة الدولة “الإسرائيلية”، وذلك من خلال التهويد  لنزع الهوية العربية الإسلامية التاريخية من المدينة وفرض طابع مستحدث جديد وهو الطابع اليهودي.

ولتحقيق ذلك نفذت عددا من الخطوات تمثلت في:
• جعل محيط المسجد الأقصى يهودياً صرفاً، أو ذا أغلبية يهودية ساحقة للسيطرة على المدينة والمسجد من خلال الاستيلاء على ممتلكات فلسطينية وتحويلها إلى بؤر استيطانية ومدارس دينية.
• تغيير أسماء الشوارع والأماكن العربية الإسلامية إلى أسماء عبريّة تلموديّة، كتسمية القدس “يورشلايم” أو “أورشليم”.
• تحويل المعالم الإسلامية والمسيحية إلى معالم يهودية؛ كتحويل المدارس الإسلامية القديمة التاريخية، أو المصليات إلى كنس، أو هدمها وبناء مباني مكانها.
• إكثار الحفر تحت المسجد وفي محيطه بحيث يصل مجموع الأنفاق التي تم حفرها الى 25 حفرية موزعة بالاتجاهات الثلاثة: الجنوب، الشمال، الغرب، وبناء مدينة داود المزعومة تحت المسجد في منطقة سلوان العربية وفي محيطه وفق الوصف التلمودي.
• حفر الأنفاق تحت المسجد الأقصى، وبناء كنس يهودية لأداء طقوسهم التلمودية، وتهديد المسجد بحيث هناك احتمال لسقوطه عند وجود هزة أرضية، أو بافتعال تفجيرات أسفل منه.
• تكريس الوجود اليهودي داخل المسجد الأقصى، وذلك بالصلاة فيه يومياً، وباقتحام باحاته في وضح النهار وأيام أعيادهم وبحماية من الشرطة الاسرائيلية أو ما يسمى حرس الحدود، لتثبيت مبدأ أن الأحقية لهم في المسجد الأقصى.
• التدخل في صلاحيات الأوقاف الاسلامية المشرفة على المسجد، ومنعها من القيام بأعمالها لا سيما ترميم المسجد وأبنيته وساحاته، حتى كادت جدران بعض أماكنه أن تسقط، وذلك بسبب الحفريات التي تجري تحته أيضا.
• منع المصلين الآتين من الأراضي المحتلة عام 48، أو أهل قطاع غزة، أو الضفة الغربيّة، أو حتى المقدسيين أنفسهم من الدخول إلى المسجد، مع وضع عراقيل وشروط لذلك على غرار منع الرجال الذين دون الـ 40 عاماً من دخول المسجد.

* استحداث القوانين:
قام الاحتلال بالعمل على تغيير وضع القدس القانوني، وواقعها السياسي والسكاني بواسطة سن القوانين ووضع ترتيبات قانونية جديدة، بهدف تفريغ القدس من محتواها العربي الفلسطيني، والتأثير على الواقع الحياتي للسكان الفلسطينيين، ومن أهمها:
• قانون قومية الدولة:
وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مشروع قانون، “الدولة القومية اليهودية” في نوفمبر 2014وينص البند الأول فيه على أن “دولة إسرائيل هي البيت القومي للشعب اليهودي، يحقق فيها أمانيه في تقرير المصير بموجب تراثه الثقافي والتاريخي”، كما ينص على أن “الحق في تقرير المصير القومي في دولة إسرائيل يقتصر على الشعب اليهودي فقط”، وأن “أرض إسرائيل هي الموطن التاريخي للشعب اليهودي، ومكان إقامة دولة إسرائيل”.

• قانون القدس الموحدة:
وينص القانون بأن أي تغيير في وضع القدس أو قرار تسليم الأراضي من المدينة كجزء من اتفاق سياسي في المستقبل يتطلب موافقة أغلبية خاصة من 80 عضوا في الكنيست، وليس الأغلبية العادية. ومع ذلك، يمكن إلغاء هذا المشروع بأغلبية 61 من أعضاء الكنيست، وقد بادر للقانون رئيس حزب “البيت اليهودي”، الوزير نفتاليبينيت، وقدمته رئيسة الكتلة عضو الكنيست شولي معلم رفائيلي.

• قانون ضم الضفة:
صوت حزب الليكود بالأغلبية الساحقة على قرار يقضي بفرض القانون الإسرائيلي على المستوطنات وامتداداتها في الضفة الغربية -بما فيها القدس المحتلة- وضمها إلى “إسرائيل”. ومن المتوقع أن يعمل الحزب على تمرير القرار في الكنيست كي يصبح قانوناً.

* الاستيطان
بعد فرض القوانين العنصرية على مدينة القدس سعت الحكومات الصهيونية المتعاقبة خلال العقود الماضية إلى استكمال مخططها الاستيطاني الهادف للسيطرة الكاملة على مدينة القدس، وعملت على تحقيق ذلك من خلال توسيع ما يسمى بحدود القدس شرقاً وشمالاً، وذلك بضم مستوطنة “معاليه أدوميم” التي يقطنها حوالي 35 ألف مستوطن، كمستوطنة رئيسية من الشرق، إضافة إلى المستوطنات العسكرية الصغيرة.

هذه السياسة التي اتبعتها “إسرائيل” أدت إلى مضاعفة عدد المستوطنين، وفي نفس الوقت قللت نسبة السكان الفلسطينيين الذين يشكلون ثلث سكان القدس أي حوالي 220 ألف نسمة بما فيها الجزء المضموم 380 ألف نسمة، مع العلم أن عدد المستوطنين في مدينة القدس  يساوي عدد المستوطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة (180 ألف مستوطن).

يشار أيضا إلى أن حدود البلدية (القدس الغربية) تم بشكل رسمي توسيعها، ولكن عمليا تم الاستيلاء على 72كم مربعا بقرارات مختلفة وبتقييد التمدد العمراني في القدس وتحويل المناطق إلى مستوطنات إسرائيلية، كما حدث مع جبل أبو غنيم “مستوطنة هارحماه”.

ولتحقيق ذلك تم تطويق المدينة بالعديد من الأحزمة الاستيطانية على النحو التالي:
1- الطوق الأول ويشمل:
الحي اليهودي داخل البلدة القديمة جنوباً الذي قامت سلطات الاحتلال ببنائه على أنقاض أحياء المغاربة والباشورة والشرف العربية قرب قرية دير اللاتين في القدس القديمة، والحديقة الوطنية المحيطة بسور البلدة من الشرق والجنوب والتي تضم مساحات خضراء واسعة يمنع البناء عليها لتبقى كاحتياطي طبيعي تلجأ إليها قوات الاحتلال في توسعاتها الاستيطانية المستقبلية، كذلك المركز التجاري الرئيسي للمدينة القديمة الذي يكمل هذا الطوق من الناحية الشمالية ويخلق التحاماً بين القدس الشرقية والغربية بمشروع مكمل له وهو ما يسمى بمشروع قطاع ماميلا .

2- الطوق الثاني ويشمل:
جميع المناطق الوقعة ضمن حدود أمانة مدينة القدس، ويشمل بناء سلسلة من الأحياء السكنية الضخمة في جميع المناطق الواقعة ضمن حدود أمانة مدينة القدس لتحيط بالقدس من ثلاث جهات مدعومة بمجموعة من المستوطنات الخلفية.

3- الطوق الثالث: 
يهدف لإقامة سلسلة من المستوطنات في حدود القدس الكبرى، للسيطرة على المنطقة الممتدة من رام الله شمالاً حتى أطراف مدينة الخليل. ومن منطقة الخان الأحمر شرقاً وحتى اللطرون غرباً بما يعادل 30% من مساحة الضفة الغربية. ويمتد هذا المشروع ليشمل عدة مدن عربية مثل رام الله والبيرة وبيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور بالإضافة إلى 60 قرية عربية تضم حمالي 250 ألف نسمة. 
ويبلغ عدد المستوطنات في القدس حسب إحصائيات مركز أبحاث الأراضي 29 مستوطنة، 14 منها في الجزء الشرقي من المدينة، وتنتشر هذه المستوطنات في لواء القدس على شكل تجمعات استيطانية مكثفة تتخذ الشكل الدائري حول المدينة وضواحيها ممثلة بمراكز استيطانية كبيرة المساحة. 

* تعديل التوازن الديموغرافي
يعمل الاحتلال “الإسرائيلي” على تعديل التوازن الديموغرافي في مدينة القدس عبر أربعة مسارات:
1. تكثيف الاستيطان: يوجد في القدس 69 مستوطنة تسيطر على مساحة تقدر بـ163 كلم، يسكنها حوالي 270 ألف مستوطن.
2. الترويج للقدس كمركز سكاني: صادقت حكومة الاحتلال في أكتوبر 2007 على خطة بقيمة 200 مليون دولار، لجذب المستوطنين للانتقال والعيش فيها.
3. الجدار الفاصل: حيث أن هدفه الأول هو ضم أكبر مساحة ممكنة من الأرض إلى الحدود البلدية للمدينة، مع طرد أكبر عدد ممكن من المقدسين.
4. تهجير الفلسطينيين: ولأن تنفيذ هذه الطريقة صعب ويثير مشاكل سياسية فيلجأ الاحتلال الصهيوني لتنفيذها من خلال سحب بطاقات الاقامة الدائمة، والتهجير الجماعي. 

* مشروع القدس الكبرى:
إن مشروع “القدس الكبرى” والذي يعبر عن مشروع صهيوني سابق ستشمل ما نسبته عشرة بالمائة من مساحة الضفة الغربية، حيث تقوم فكرة المشروع  على أن الفلسطينيين لم يعودوا يملكون سوى 13 في المائة من مساحة القدس، والتي تشكل في الوضع الحالي 1.2 في المائة من مساحة الضفة الغربية، حيث استولى الاحتلال على 87 في المائة من أراضي شرق القدس ويقطن فيها مائتا ألف مستوطن والتي يطالب بها الفلسطينيين كعاصمة لدولتهم.

فإنه حال تحوله إلى قانون فإنه سيتم ضم أكثر من 100 ألف مستوطن إسرائيلي إلى مدينة القدس بالتزامن مع إخراج أكثر من 120 ألف فلسطيني، أي ثلث عدد الفلسطينيين في المدينة، من المدينة، وفيما أن الفلسطينيين يشكلون 39% من عدد السكان في القدس بشطريها الشرقي والغربي الآن، فإن القانون سيعني عملياً تحويل الفلسطينيين في القدس إلى أقلية تقيم في جزر معزولة داخل القدس.

تقوم فكرة البعد الاستراتيجي على أساس إقامة خط دفاعي متين مجهز بأحدث التقنيات العسكرية يتحصن في نطاقه مجموعة كبية من المستوطنين الذين يشكلون وباعتراف القادة الإسرائيليين البنية الأساسية للجيش الأمر الذي عزل المناطق المشمولة بالمشروع عن امتدادها الجنوبي والشمالي وجعلها قادرة على رصد التحركات المعادية على خط المواجهة مع الجبهة الأردنية والتصدي لأي تحرك عسكري قد يستهدف الاحتلال في فلسطين.

* اقتحام المسجد الأقصى
ذكرت صحيفة “هآرتس” ان عدد اليهود المتدينين الذين اقتحموا الحرم القدسي الشريف في 2017، ازداد بنسبة 75% مقارنة بعام 2016.

ووفقا للمعطيات فقد اقتحم 25.628 يهودياً متديناً المكان في 2017، مقابل 14.626 في 2016، و11.001 في 2015، و11.754 في 2014. وزادت النسبة بكثير عن 2009 حيث دخل الى “الجبل” 5.658 متديناً يهودياً.

* تهويد أسماء المواقع الفلسطينية
عملت الحكوم

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات