الأربعاء 08/مايو/2024

انسحاب أمريكا من اليونسكو.. ابتزاز أم عزلة؟

انسحاب أمريكا من اليونسكو.. ابتزاز أم عزلة؟

بعد طول تردد وتهديدات على مدى سنوات، اتخذت الإدارة الأمريكية قرارها بالانسحاب من منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم “يونسكو”، بحجة تسييس هذه المنظمة، واتخاذها مواقف معادية وغير متوازنة تجاه حليفتها “إسرائيل”.

وجاء القرار الأمريكي بعد تهديدات بهذا الشأن على خلفية قبول “اليونسكو” عدّ مدينة الخليل بالضفة المحتلة تراثا عالميا، ما يمنع الاحتلال من تنفيذ سياسته الهادفة لتغيير معالم المدن الفلسطينية.

مفارقة
ويشكل انسحاب الولايات المتحدة مفارقة في تاريخ المنظمة؛ حيث تعد “اليونسكو” جزءا من البنيان الدولي الذي ساهمت الولايات المتحدة بتشكيله عام 1946 عقب الحرب العالمية الثانية.

وفاجأ القرار الأمريكي حكومة الكيان الذي عده رئيس وزرائه نتنياهو قرارا “شجاعا وأخلاقيا”، وأعطى توجيهاته لوزارة الخارجية بدراسة انسحاب كيانه منها.

ويشكك خبراء في المكاسب التي يمكن للولايات المتحدة تحقيقها من هذا القرار، ويعتقدون أن انسحاب أمريكا و”إسرائيل” من اليونسكو هو خسارة للأخيرة.

وبحسب كبير المحللين الاقتصاديين في “يديعوت احرونوت” “سيفر بلوتسكر”؛ فإن الكيان لن ينسحب في نهاية المطاف من اليونسكو، لأنه سيخسر إن خرج، ونتنياهو يعلم ذلك تمام العلم.

ولفت بلوتسكر إلى أن أمريكا خرجت سابقا من “اليونسكو”، وأوقفت تمويلها لها، ولم يؤثر ذلك على المنظمة، بل زاد تعلق المنظمة بالتمويل العربي.

ويشير المراقبون إلى أن خروج أمريكا من اليونسكو عام 1984 ثم عودتها إليها في عهد بوش، ثم قطع مساهمة الولايات المتحدة التي تبلغ 80 مليون دولار وتمثل 22% من ميزانية المنظمة عام 2011، لم يؤثر على اليونسكو، ولا على قراراتها التي تثبت الحق الفلسطيني.

ويدلل هؤلاء بأن اليونسكو اتخذت منذ 2015 وحتى اليوم أكثر من خمسة قرارات مؤيدة للفلسطينيين، أهمها إدراج الخليل على لائحة التراث العالمي، ونفي أي ارتباط ديني لليهود بمدينة القدس وحائط البراق.

ولا يعتقد المراقبون أن يشكل انسحاب الكيان -إن حصل- طوق نجاة له للتحرر من أي التزامات، ويطلق يده للعبث بالتراث الفلسطيني.

ويقول الكاتب علي أبو الكامل لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام“: إن الكيان لم يتوقف لحظة عن جهوده الرامية إلى طمس معالم التراث والهوية الفلسطينية بمختلف مكوناتها، وأن انسحابه أو بقاءه لن يغير شيئا على الأرض.

ويذكّر أبو الكامل بتصريحات المسؤولين الصهاينة عقب القرارات التي صدرت عن “اليونسكو”، والتي تحمل في طياتها استخفافا بالمنظمة الدولية وما يصدر عنها من قرارات.

ابتزاز سياسي

ويقول باسم الطويسي، عميد معهد الإعلام الأردني في مقال له بصحيفة الغد الأردنية: إن هذه ليست المرة الأولى التي تنسحب فيها الولايات المتحدة من اليونسكو، فقد حدث ذلك في العام 1984.

ويضيف أن الولايات المتحدة أوقفت مساهمتها في موازنة اليونسكو، وعادت عن قرارها في العام 2003، وعادت مرة أخرى لتجميد مساهمتها المالية منذ العام 2011 على خلفية حصول فلسطين على العضوية الكاملة.

ولفت إلى أن الولايات المتحدة فعلت ذلك سابقا حينما امتنعت عن دفع حصتها في موازنة اليونسكو خلال 1975–1976 بعد قرار اليونسكو الشهير بعدّ الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية.

ونبه إلى أنه في جميع هذه المحطات كانت الولايات المتحدة هي التي تسعى إلى تسييس المنظمة التي تعنى بالثقافة والعلوم والتراث.

سياسة ترامب الانعزالية

وبالقدر الذي يشير به هذا القرار إلى مدى الاندفاع الأمريكي للدفاع عن الكيان الصهيوني، فإن للقرار أبعادا أخرى كما يرى مراقبون تحدثوا لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“؛ حيث دأب الرئيس الأميركي دونالد ترمب على انتقاد الأمم المتحدة، وشكا من كلفة مشاركة بلاده في المؤسسات التابعة لها وجدواها.

وينظر الكثيرون للقرار الأمريكي بأنه يأتي تجسيدا لشعار ترمب “أمريكا أولا”، وينسجم مع سياسة الانسحابات التي ينتهجها؛ فقد انسحب من الاتفاق التجاري مع دول أمريكا اللاتينية، وانسحب من إعلان باريس حول المناخ والاحتباس الحراري، وأخيرا انسحابه من الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني.

ويقول هؤلاء المراقبون: إن سياق الولايات المتحدة الحالي هو سياق انعزالي بامتياز، ويعطي أولوية للسياسة الداخلية بمنطق الشعبوية التي يتبعها ترمب.

ويرى آخرون أن هناك مشاكل هيكلية في علاقة الولايات المتحدة بالهيئات الدولية وحتى بالمعاهدات الدولية، فواشنطن لا تستسيغ أن يكون القرار داخل اليونسكو ديمقراطيا تستوي فيه دولة عظمى مع دول نامية وصغيرة، وهذا ما حصل عند انتخاب فلسطين عضوا كاملا وضم مدينة الخليل للتراث العالمي.

فيما يرى البعض أن القرار الأخير يعد ضربة قوية لليونسكو ولبرامجها، وبمنزلة تحذير للمديرة الجديدة “أودراي أزولاي”، لكنه يوجه كذلك ضربة لصورة الولايات المتحدة ويبرز ضعفها أمام الديمقراطية الثقافية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات