الخميس 30/مايو/2024

المحتلون ورهاب المقاومة

عبد اللطيف مهنا

حقيقتان ظلتا خلف ارتفاع مناسيب العدوانية الصهيونية وانخفاضها، وسمتاها على امتداد الصراع العربي الصهيوني، كانتا معًا تشكلان وجهين لعملتها الواحدة التي وفَّر رصيدها محفزًا لغلو هذه العدوانية ومقياسًا يؤشِّر بدقة على مدى فجورها.

إنهما كانتا وما زالتا وتبقيان: التبنِّي الكامل فالدعم اللامحدود متعدد الأوجه، والرعاية الشاملة، ومنه ضمان الحماية والعصمة من المساءلة، وسائر ما كفله لها الغرب الاستعماري المختلق للكيان الغاصب في فلسطين المحتلة لتثبيته فيها، إلى جانب العجز العربي الرسمي المزمن يفاقمه ازدياد منسوب الانحدار المريع في الواقع العربي وصولًا إلى راهنه الأسوأ الغني عن الوصف، وتحديدًا حقبة ما بعد كارثة فقدان المناعة السياسية، التي تلت كارثة كامب ديفيد وخروج مصر بثقلها التاريخي من الصراع، وما تبع خروجها من انهيارات؛ وادي عربة، مدريد، أوسلو، ناهيك عن ما لحق ببلدين هما تاريخيًّا ركيزتان لأية نهوض للأمة وليس من قيامة لها من دونهما، العراق، وسوريا، ولا ننسى ما فعلوه بليبيا.

كل ازدياد لمنسوب الانحدار العربي يقابله اضطراد في انكشاف لمدى التصهين الغربي المتجلي في الضغوط التصفوية للقضية الفلسطينية والاستعدادات للتعامل معها من قبل التسوويين العرب والفلسطينيين، ويقابلهما تلقائيًّا تصعيد يضطرد في الفجور الاحتلالي، يرافقه انكشاف أوضح وأوقح لسعار التهويد واللهاث لإنجاز الإستراتيجية الصهيونية القائمة على عملية إخلاء فلسطين من أهلها وتهويدها كاملةً، والانطلاق نحو استهداف طامح وبدت تلوح نذره الآن، وهو أن يغدو الكيان قطبًا تدور من حوله فتات كيانات العرب مشكِّلةً مجاله الحيوي، والذي باتت تعكسه تبجُّحات نتنياهو المعبِّرة عن تمنيات لا تخلو من حقائق.

الترجمة لما تقدم تعكسه الحال واقعًا في كامل فلسطين المحتلة من نهرها إلى بحرها، الأمر الذي اعتادته وأدمنته أطراف المعمورة سماعًا ورؤيةً وتواصل الإشاحة عنه.. القمع المفرط تقتيلًا واعتقالات، وهدمًا للبيوت أو إخلاءها بالقوة من ساكنيها وإسكان المستعمرين فيها، مع تسارع وتائر مخططات التهويد، ومتوالية سن القوانين الزاحفة باتجاه مزيد من التضييق على الفلسطينيين سعيًا لإخضاعهم أو التخلُّص منهم بإخلاء بلادهم منهم.

وزيرة عدلهما يلييت شاكيد، المعروفة بدعوتها لإبادة الفلسطينيين، والمحرِّضة على الأمهات الفلسطينيات بالذات؛ لأنهن ينجبن مقاتلين تصفهم بالثعابين والإرهابيين، تعرض مع زميل من طينتها في الكنيست هو يتسلئيل سموطريتش خطة لحسم الصراع برمته والفروغ من القضية الفلسطينية، وتقضي بطرح ثلاثة خيارات أمام الفلسطينيين للتوصل لحل سياسي معهم، وهى: “مغادرة البلاد، أو القبول بالعيش تحت حكم “إسرائيل”، لكن بحقوق أقل درجة من اليهود، أو مقاومة الخطة وعندها يقوم الجيش بما يلزم”…سموطريتش في حوار طويل حول خطته في صحيفة “إسرائيل اليوم”، المقرَّبة من نتنياهو، يؤكِّد بثقة أن جمهور المستعمرين في كيانه الغاصب “قد أصبح جاهزًا لتنفيذ توجُّهه” هذا.

ما هم نسبة شاكيد وزميلها سموطريتش إلى حزب “البيت اليهودي” المتطرِّف، لأنهما الآن، ونعني القوى الممسكة بالقرار في الكيان الاحتلالي، لا همّ لهم جميعًا أكثر من المزاودة على بعضهم بعضًا في الغلو والتطرف والعدوانية تجاه العرب، وتزداد وتائر عدوانيتهم بارتفاع مؤشرات الصهينة في الغرب الإمبريالي، وازدياد وتائر الانحدار العربي.. لكن:

هل ما هم فيه من بركات الغرب المستدامة، مردوفة بما خصهم به الواقع العربي والفلسطيني الأردأ من كرمه، أضف إليهما تضخُّم ترساناتهم القاتلة بأحدث ما تفتقت عنه الذهنية الغربية من مبتكرات أسلحة الموت، وتطوُّر صناعاتهم التكنولوجية، والتي باتت تغزو أسواق العالم شرقًا وغربًا، ومعها فتوحاتهم الدبلوماسية، خصوصًا في القارتين الأفريقية والأمريكية اللاتينية الأولى كانت العصية عليهم قبل اتفاقية كامب ديفيد وتشرَّعت أبوابها بعد اتفاقية أوسلو يخفف ولو قليلًا من سعار رهابهم الوجودي القاتل؟!

سؤال يجيبنا عنه “المؤتمر السابع عشر لمعهد سياسات مكافحة الإرهاب” في تل أبيب، المتناسل من مؤتمر “هرتسيليا” السنوي “لفحص المناعة القومية” متعدد الاختصاصات، والعاكس لالتياثهم الدائم بمولاة مسح كل مؤشرات الأخطار التي قد تتهدد وجودهم، أو ما تخبئه التحولات والتطورات المتسارعة من حولهم من احتمالات ليست في صالح بقائهم.. في هذا المؤتمر الذي يحتشد فيه سياسيون وجنرالات حرب وخبراء أمن وأكاديميون ومراكز بحثية جامعية وأمنية، يلاحظ ران بن براك، وهو نائب رئيس موساد سابق، أنه على الرغم من زوال ما دعاه “الخلايا الفدائية الفريدة”، وخطر الجيوش النظامية العربية، بعد خروج مصر والأردن من دائرة الصراع، وتدمير العراق وسوريا، فإن “الأخطار الداهمة “قد باتت تتمثل فيما دعاه “ظهور المنظمات شبه الدولانية مثل حزب الله وحماس القادرة بفعل تنظيمها، وتوفُّر حاضنة دعم وعمق إستراتيجي وظهير اجتماعي على خوض حروب طويلة الأمد”، الأمر الذي لا تحتمله طبيعة كيانهم.

وزير أمن سابق أضاف إلى هموم بن براك ما دعاه “تآكل المجتمع” في الكيان من الداخل، ويرى أنه إنما “يشكِّل الخطر الأكبر” على وجوده، وخطة “مولينيت” التي وقَّعها نتنياهو لإخلاء مدينتي “كريات شمونا” شمال فلسطين المحتلة و”سديروت” جنوبها، إلى جانب المستعمرات المحاذية للبنان وقطاع غزة، في حال نشوب حرب مع المقاومة في واحدة من هاتين الجبهتين أو كلتيهما معًا، يؤكّد استشراء رهاب المقاومة لديهم، أو ما أفصح عنه مؤتمرهم.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات