الثلاثاء 30/أبريل/2024

تقرير مراقب الدولة ونجاحات القسام في المواجهة الأخيرة

علاء الريماوي *

هزت المعطيات التي سربت عن تقرير مراقب الدولة حول حرب غزة الأخيرة، الصورة النمطية للمنظومة الأمنية والسياسية الإسرائيلية، وأشارت بشكل واضح للعوار الذي شابها من الجانب المهني، والعجز في مجاراة المقاومة الفلسطينية من الناحية العملياتية والفيزيائية.

الحديث هذا ليس فلسطينيا، بل أكده ما سرب من معطيات وصفت بالأخطر في تقرير مراقب الدولة، والتي ارتفعت في مستوياتها عما استنتجته لجان التحقيق في حروب (إسرائيل) في لبنان، والحرب مع مصر وسوريا.

مواطن الخلل التي وثقها التسريب تعرضت لجملة ملفات مهمة منها:

أولا: الفشل الاستخباري: كشفت ظاهرة الأنفاق عوار المنظومة الأمنية الصهونية، وضعف حركتها ورصدها للمقاومة الفلسطينية، حيث تبين أن المعلومات المتوفرة عن امتداد الانفاق وعددها يساوي صفرا، برغم أن حجم العمل والترسانة المستخدمة والآليات للنقل لم تكن قليلة، إلا أن قدرة التضليل التي استخدمها القسام والبيئة التي رافقت العمل وضعت الاستخبارات العسكرية والشاباك، وتقنيات المراقبة في أزمة فشل لم تسجل عليها منذ قيامها، الأمر الذي ورط الكابينت والمنظومة السياسية الصهونية.

ثانيا: الفشل العملياتي: سجل القسام وفصائل المقاومة خلال المعركة الأخيرة ما يعرف (بالصدمة) للمنظومة العسكرية بعد قيامه بجملة عمليات ما وراء الخطوط عبر الأنفاق وغيرها، ثم نجاحه في الاستحكام على المناطق الحدودية الأمر الذي جعل القيادة السياسية تحجم عن قرارات التوسع في الحرب بريا وهذا كان واضحا من جلسة التصويت التي حدثت في الكنيست في اليوم 20 للحرب مما وضع الجيش تحت نيران المقاومة الفلسطينية.

ثالثا: ضعف الثقة بين المؤسسات العسكرية المختلفة: لم تكن الهرمية الإدارية لانسياب المعلومات بين المؤسسات الأمنية المختلفة مهنيا، الأمر الذي ورط الجيش ميدانيا في أزمات كبيرة منها حادثة الشجاعية، من ناحية تقدير قوة المقاومة في مكان تحرك الجيش، الأمر الذي تسبب بحسب التقديرات العسكرية الإسرائيلية الإسرائيلية بكارثة، كادت تفضي لأسر عشرات الجنود وقتلهم، الأمر الذي كان سيحقق للمقاومة ضربة من شأنها التأثير على صورة الجيش في العالم.

رابعا: الكابينت وغيابه عن المعركة: يشير ما سرب من التقرير إلى عجز المؤسسة السياسية من إدارة عمل الكابينت، فالمعلومة كانت تنحصر في يد نتنياهو- يعالون، وطريقة اتخاذ القرار لم تكن استراتيجية، الأمر الذي جعل صورة المؤسسة ضعيفة، بل حدث أن سرب الضعف أثناء المعركة، الأمر الذي أربك قدرة الحكومة على إشهار أهدافها، وحركتها، واستغلال الوقت لتحقيق ضربه قوية للمقاومة الفلسطينية، الأمر الذي انعكس على حسن تقدير المقاومة لمستوى تحرك الجيش الإسرائيلي ومدى استعداده للمواصلة.

خامسا: العقيدة القتالية: كان واضحا ما أثاره التسريب وما سبقه من تقييمات للجيش، عودة الحديث عن أزمة الحافزية للقتال لدى الجنود خاصة في وحدات الاحتياط ثم الكفاءة في التعاطي مع الميدان من النخبة التي شاركت، وكان دائما الحديث أن هناك مشكلة يجب التغلب عليها، من خلال رفع الكفاءة والجاهزية، والإشارات دائما تتحدث عن عملية ناحال عوز التي ظهر فيها الجيش بأدنى مستويات الأداء والخيبة.

سادسا: نوعية القيادة: تناول التسريب هذا الموضوع أشار إلى تدني المسؤولية، في إدارة الحرب، ثم التصرفات التي ظهرت من القيادات السياسية التي دخلت في مناكفات أثناء الحرب، بالإضافة إلى القيادات العسكرية التي ظهرت بذات المستوى من هذا الإرباك.

في المقابل ظهرت المقاومة الفلسطينية على النقيض من خلال ما يعرف بالإدارة المتفاعلة والحكيمة من خلال جملة من الصور المهمة:

أولا: توزيع عمليات الميدان بما يخدم الصورة اليومية للمقاومة الأمر الذي جعل معنويات الجبهة الداخلية متماسكة إلى محد ما.

ثانيا: العقيدة القتالية: كان للعنصر المقاتل حضور يفوق القدرات التي يمتلكها العدو، الأمر الذي وفر حالة تفوق حين المواجهة المباشرة.

ثالثا: شكل الإعلام المقاوم المحور الرئيس في المعركة، الأمر الذي تسبب في انتكاسة كبيرة لإعلام الجيش والإعلام الموجه.

رابعا: كفاءة الإطلاق الصاروخي من حيث السعة، والاستخدام، والحجم، والتغيير في الأشكال والحفاظ على أهمية هذا النوع في المواجهة.

خامسا: إدارة العمليات الآمنة والاتصال الهرمي هذا موضوع يعلم القسام وحده وفصائل المقاومة كم النجاح فيه، لكن من الواضح أن هذا الملف من مواطن الضعف الذي نجح الاحتلال عبره تصفية قيادات وازنة في المعركة.

حديثنا هذا لا يعني أننا أمام مقاومة قادرة على هزيمة الاحتلال من خلال الضربة القاضية، ولا أمام مقاومة تملك ترسانة الاحتلال، لكن كل المعطيات تشير إلى أن الحرب الأخيرة ومشاركة المقاومة فيها، أصابت الاحتلال في مآزق استراتيجية وليست تكتيكية، وكشفت الحرب الأخيرة عن حجم الضعف الذي عليه الاحتلال برغم امتلاكه أدوات الدمار الكبيرة.

الاحتلال وفق هذه المعايير وضع لذاته سلما من العمل لتصويب الأداء وإيجاد حلول لمواطن الضعف التي عاناها، لذلك باتت تدريباته تعالج النقص وتتوقع شكل التطور الذي ستدخله المقاومة على آليات عملها، وهذا أيضا بالموازاة يتوقع أن المقاومة تقوم بذات السلوك العام الذي عليه الاحتلال.

وفي سياق هذا الحديث لن نؤكد فرضية أن الاحتلال سيتوقف عن شن حرب أخرى باتجاه غزة، ولن يكون هذا الأمر حاضرا، ففي كل حين يمكن تدهور الحالة واندثارها خاصة في ظل سياقات الإرباك السياسي الصهوني الداخلي وملفات الفساد الحقيقية التي تعصف بنتنياهو.

في الخاتمة على أصحاب الرؤية والقرار والمخالفين للمقاومة النظر بجدية لما أنجز، والتفكير في الكيفية التي وصلت لها نخبة محاصرة مطاردة من هزّ عرش الاحتلال بقوة.

* كاتب وباحث فلسطيني

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

هنية يستقبل وفودًا جزائرية وتركية

هنية يستقبل وفودًا جزائرية وتركية

إسطنبول - المركز الفلسطيني للإعلام استقبل إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، عدة وفود وشخصيات وبحث معهم تطورات الحرب الصهيونية على غزة،...