الزواري وتحطيم نظرية التقوقع العربي

عندما يعمل الإنسان عقله فإنه بذلك ينفض الغبار الذي يغطي قدرته على الفهم والإدراك، ذاك الغبار الذي يحجب الرؤية ويصيب الإنسان بالعمى، والعمى الذي نقصده هنا عمى الألوان الذي لا يستطيع من أصابه التمييز بين الغث والسمين، والصالح والطالح، والمصلح والمفسد… وتختلط عليه الأمور ما بين مصلحته ومصلحة أمته…

لقد شكل الشهيد القائد القسامي محمد الزواري أنموذجا في تغيير نمطية تفكير العقل العربي التي سادت في السنوات الأخيرة هذه النمطية القائمة على الخمول والدعة والانقياد لحب المال والشهرة والسلطة والمنصب… هذه النمطية في التفكير تملي على العقل السير خلف نزواته وأهوائه، فمن أجل جاه أو منصب يسخر كل إمكانياته المادية والسلطوية لتحقيق ذلك وإشباع رغباته؛ ذاك أنه حصر تفكيره في الدنيا ونعيمها الزائل ولم ينظر للآخرة ونعيمها اللامنتهي.

نمطية التفكير هذه التي سيطرت على العقل العربي تمرد عليها الشهيد الزواري؛ بل وانقلب عليها بالفعل لا بالقول.

لقد كان الشهيد الزواري التغيير الذي نريد بل الذي يريده هو… يذكرني بمقولة لغاندي “يجب أن تكون التغيير الذي تريد أن تشهده في العالم”… لقد كان حقا الشهيد الزواري التغيير الذي تطلع إليه متمثلا في مقاومة العدو والانتقال بالعقل العربي إلى مرحلة الإبداع وتسخيره رغم بعد المسافات في مقاومة العدو الصهيوني.

لقد أقام الشهيد الزواري الحجة على شباب الأمة عندما تمرد على النمطية السائدة في التفكير التي هيمنت على العقل العربي التي تحدثنا عنها في بداية المقال ليترجم هذه الإرادة بالعمل، فكان هو بذاته أيقونة التغيير، ففكّر ثم انتقل للتنفيذ وانتهج طريقا لا يختلف عليه اثنان من أبناء الأمة؛ إنه الجهاد على أرض فلسطين ودرّته كتائب القسام فعمل بصمت وتفانٍ، فكان له بصمة واضحة أيضا في إحداث تغير دراماتيكي بل استراتيجي في ترسانة المقاومة؛ ذلك عندما أشرف كما أكدت كتائب القسام على مشروع طائرات الأبابيل القسامية.

خلاصة القول: لقد سخر الشهيد الزواري علمه وعقله لمصلحة أمته وقضيتها العادلة محدثا بذلك التغيير الذي نطمح إليه في نمطية التفكير للعقل العربي، فلم يسعَ لشهرة ولا لصناعة أمجاد وهمية، بل صنع مجدا لأمته سيتغنى به الأحرار في كل مكان وعلى مر الزمان؛ لأن ما كان لله يبقى ويبقى وسيبقى.

رحم الله الشهيد القسامي محمد الزواري، وحفظ الله كتائبنا المظفرة التي تثبت يوما بعد يوم أنها رائدة الجهاد على أرض فلسطين الأمينة على شعبها وأمتها.