الإثنين 20/مايو/2024

«الجنايات» في فلسطين

مفتاح شعيب

الزيارة التي يؤديها وفد محكمة الجنايات الدولية إلى الأراضي الفلسطينية كأنها لم تكن، إذ لم تلقَ الاهتمام من الشعب الفلسطيني لقناعته بأنها زيارة استعراضية أقرب إلى السياحة منها إلى النظر في الدعوات المُلحَّة لملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة. وللتخلص من الإحراج، والهرب من المطالبات المشروعة، أكد الوفد أن المحكمة ستأخذ الوقت اللازم لتقرر بشأن فتح تحقيق حول جرائم حرب ارتكبها كيان الاحتلال.

الجانب الفلسطيني الرسمي يبدي اهتماماً بالزيارة ويعتبرها مكسباً لصالحه، على اعتبار أن هذه هي المرة الأولى التي يزور فيها وفد من المحكمة الضفة الغربية من دون أن يعرج على قطاع غزة ذي الشواهد الكثيرة على جرائم الحرب الصهيونية خلال عدوانين بين 2009 و2014، ولاتزال الجرائم مستمرة بالحصار القاتل، وآخرها اختطاف سفينة الإغاثة «زيتونة» التي أبحرت من صقلية وعلى متنها ناشطات من جنسيات غربية بالأساس، ولم تصل إلى هدفها بعدما قرصنتها بحرية الاحتلال في المياه الدولية وصادرت ما عليها من مساعدات، فكانت جريمة أخرى تقع على طريق وفد الجنايات إلى فلسطين من دون أن يقدر على التعليق.

من غير المفهوم والمقنع ألا يزور هذا الوفد قطاع غزة المدمر ويطلع عن كثب على هول الدمار والمعاناة التي يعيشها السكان منذ عشر سنوات. ولا يحتاج القضاء الدولي إلى أدلة أو شهادات عما اقترف من جرائم صهيونية أحرجت المؤسسات الدولية، وأولها الأمم المتحدة وأمينها العام بان كي مون الذي زار القطاع قبل أشهر، واقتنع بأن الحصار الجائر يخنق الناس هناك ويمارس بحقهم أبشع أنواع الإذلال والاضطهاد. وقد جلبت تلك المواقف على بان كي مون غضباً متعدد المصادر وأكبره جاء من الأصوات المتطرفة في كيان الاحتلال. ويحسب له، رغم عجز منظمته عن فعل شيء عملي، أنه قال الحقيقة عن غزة، ولا تعد تلك جرأة منه بقدر ما هي حقيقة ناطقة لا يمكن لأحد أن يتجاهلها أو لا يصدع بها.

ربما لا يمتلك وفد الجنايات الدولية الشجاعة لزيارة غزة والاستماع إلى شهادات المحاصرين هناك. وإعلانه أنه سيجري التفكير في فتح تحقيق «في الوقت المناسب» يعني أن التحقيق لا يفتح على الأرجح؛ لأن الكل يعلم أن هذه المحكمة لا تحقق ولا تحاكم إلا بما تُؤمر به، فهي لا ترى الجرائم التي يرتكبها الصهاينة والأمريكيون والغربيون عموماً، بينما تلتقط بسرعة البرق شبهة بجريمة في أي مكان آخر، خصوصاً إذا كان المتهمون عرباً أو أفارقة أو من الدول المتخلفة.

هذه الزيارة، التي ستشمل الكيان أيضاً، ستكون «بروتوكولية» ولا تحمل أي طابع تحقيقي، ولذلك يكون الشعب الفلسطيني على حق حين لا يكترث؛ لأنه أكثر شعوب الأرض إحساساً بخيانة المجتمع الدولي ومنظماته ومؤسساته وفي صدارتها محكمة الجنايات الدولية.

المصدر: صحيفة الخليج

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات