الثلاثاء 07/مايو/2024

فلسطينيو سوريا.. لجوء ثانٍ بعد نكبة

فلسطينيو سوريا.. لجوء ثانٍ بعد نكبة

لم تكن مجريات نكبة عام1948، وما تبعها من نكسة عام1967، وحدهما من رسما الألم أمام اللاجئين الفلسطينيين الذين ضمتهم مخيمات اللجوء في سوريا سنوات طويلة بانتظار العودة.

فما كان أن يتحول هذا الانتظار لحلم العودة إلى معاناة جديدة، ورحلة لجوء ثانٍ لا تزال عجلتها بدوران لا ينتهي.

فقد انعكست الأحداث التي شهدتها سورية منذ مارس 2011 سلبياً على واقع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، ومع تصاعد هذه الأحداث باتت المكونات الفلسطينية من لاجئين وفصائل أكثر تأثيراً بهذه الأحداث، على الرغم من محاولاتها الوقوف على الحياد والبعد بنفسها عن أي تجاذبات داخلية.

وعلى الامتداد السوري، يوجد ما يزيد على 13 مخيماً للاجئين الفلسطينيين، بعضها رسمي والآخر غير رسمي، ويقدر عدد الفلسطينيين فيها بنحو نصف مليون نسمة، قبل نشوء الأزمة.

وقد مَثل اتهام الفلسطينيين ناقوس خطر منذ بداية الأزمة السورية، وأدركوا أنهم الحلقة الأضعف فيها، ومع محاولات يائسة لدفع الاتهام من جانب الفلسطينيين في درعا، وبعض الفعاليات الفلسطينية في العاصمة دمشق، تدحرجت كرة الاحتجاجات ضد النظام لتصل خلال أيام حي الرمل الجنوبي في مدينة اللاذقية المجاورة لمخيم الرمل الفلسطيني ورافق أحداث الاحتجاج أعمال حرق لبعض المقار الحكومية والحزبية وتم اقتحامها، فأصبح وجود العنصر الفلسطيني في الأحداث أقرب إلى التصديق.

ومع إقحام العامل الفلسطيني أكثر فأكثر في الصراع، برزت قضية مشاركة عناصر وفصائل فلسطينية في أعمال عسكرية سواء إلى جانب النظام السوري، أم إلى جانب المعارضة السورية، مما انعكس سلباً على أوضاع وحياة اللاجئين الفلسطينيين في سورية، وبدأ وكأنه بات لزاماً على اللاجئين الفلسطينيين والفصائل الفلسطينية أن تقف إلى جانب طرف من الأطراف.

تصارع الأحداث ذاك اضطر اللاجئين الفلسطينيين إما إلى النزوح داخل سورية بحثاً عن الأمان النسبي، أو إلى الهجرة خارجها بحثاً عن سقف آمن، ومن اضطر منهم للهجرة خارج سورية تعرض لصنوف من المعاناة والتمييز في البلدان التي لجأوا إليها، كالأردن، وتركيا، ولبنان، ومصر، وليبيا، وغيرها. وغامر بعضهم بحياته وحياة أطفاله في قوارب الموت وعلى المعابر الدولية، بحثاً عن حياة آمنة، فمنهم من وصل إلى بر الأمان، ومنهم من ابتلعته الأمواج ولم يبلغ غايته.

وسقط الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين ضحايا الصراع الدائر في سورية بين قتيل، وجريح، ومهجر، واضطر معظم لاجئي مخيم اليرموك للنزوح منه، فيما عانى الباقون من حصار قاسٍ، ومن مجاعة أدت إلى وفاة العشرات من اللاجئين.

فعلى صعيد التهجير الداخلي، شهد مخيم الرمل للاجئين الفلسطينيين في مدينة اللاذقية أول عمليات النزوح والتهجير الداخلي والخارجي في 16/8/2011، حيث طلب الجيش السوري من سكان المخيم المغادرة وهدد كل ما يبقى بأنه سيعدُّه معادياً للجيش.

وقال المتحدث باسم وكالة الأونروا كريس جانيس “إن ما بين 5 و10 آلاف من سكان المخيم من اللاجئين الفلسطينيين غادروه، إما هرباً من إطلاق النار وإما بناءً على أوامر من السلطات السورية”.

وزاد وضع اللاجئين الفلسطينيين في سورية سوءاً بعد صيف سنة 2012، وخصوصاً في مخيم درعا ومنطقتي الحجر الأسود والتضامن، غربي وشرقي مخيم اليرموك الذي هُجر أكثر من ثلثي سكانه، بعد قصف طائرات الميج الروسية الصنع لمسجد عبد القادر الحسيني، الكائن في وسطه في ديسمبر 2012.

محطات لجوء جديدة
حطت رحال اللاجئين الفلسطينيين الذين هربوا من سوريا بحثا عن الأمان في عدد من الأقطار العربية، تمثلت في:

* مصر: سمحت الحكومة المصرية إبان حكم الرئيس السابق محمد مرسي للاجئين الفلسطينيين بالدخول إلي الأراضي المصرية خاصة لحملة الوثائق المصرية وذلك للمكوث مؤقتًا في مصر إلى حين انتهاء الأزمة في سورية، لكن الأمر اختلف مؤخرًا في ظل التغيير السياسي في مصر بعد عزل مرسي، حيث أصبح يتعذّر السماح لفلسطيني سورية من حملة الوثائق السفر إلى مصر من مطار  بيروت، وذلك بناء على تعليمات من السلطات المصرية .

* لبنان: يزداد الأمر تعقيدا أكثر في لبنان الذي يشعر بالانزعاج من وجود اللاجئين الفلسطينيين في مخيماته منذ زمن طويل والذي شهد منذ ارتفاع وتيرة العنف في مخيم اليرموك في كانون الأول/ديسمبر2012، وخلال العامين 2013و 2014 ،تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين من سوريا إلى أراضيه، حيث تم إيواء أكثر من نصف اللاجئين الفلسطينيين من سوريا في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان التي تعاني بالأصل من الاكتظاظ  ويكافح  فيها اللاجئون في خضم وضع يتسم أصلاً بالقيود على حقوقهم ونقص الوصول إلى الخدمات العامة أو فرص العمل.

* الأردن: شددت السلطات الأردنية منذ بداية الأزمة السورية على منع دخول أي لاجئ فلسطيني إلى أراضيها، وعدت هذا الأمر “خطاً احمر” يسمح بتجاوزه، تحت حجج مخاوف الوطن البديل تارة وتصدير الأزمة السورية تارة أخرى، وعدم قدرة الأردن على تحمل المسؤولية تجاه اللاجئين الفلسطينيين، ويرتكز وجود اللاجئين الفلسطينيين في الأردن في سكن سايبر ستي الواقع شمال البلاد بالقرب من الحدود السورية (المؤلف من بناية سكنية واحدة تتألف من ست طبقات تحوي 140 غرفة، وتفرض السلطات على سكانه إقامة جبرية داخل المجمع ولا يسمح لهم بالخروج إلا ضمن قيود مشددة وكفالات ليوم أو يومين).

* ليبيا: تشير المعطيات إلى أن العائلات الفلسطينية التي لجأت من سورية إلى مصر ومن ثم إلى ليبيا، واجهت صعوبات جمة، منها معاناتهم في الانتظار على المعبر لساعات طويلة بالبرد والمطر حتى سمح لهم بدخول الأراضي الليبية، ويشار أن السلطات الليبية أصدرت في نهاية نوفمبر 2012 قراراً تمنع بموجبه دخول الفلسطينيين الذين يحملون وثائق سفر سورية إلى ليبيا، وحسب إحصائيات الأونروا الصادرة في فبراير 2015 يوجد في ليبيا 1100 لاجئ فلسطيني من سورية، وبحسب مجموعة العمل فإن هؤلاء اللاجئين يعيشون أوضاعاً معيشية قاسية، وذلك بسبب عدم الاستقرار الأمني الليبي فقد تعرض منهم للخطف والقتل من قبل الأطراف المتحاربة ما يدفعهم للتفكير بركوب البحر من أجل الهجرة إلى الدول الأوروبية.

* تركيا: لم تكن تركيا بلد استقرار للاجئين الفلسطينيين من سورية بقدر ما كانت محطة من محطات اللجوء إلى أوروبا، لذلك لا يوجد أي وثيقة رسمية تحدد بدقة أعداد الفلسطينيين في  تركيا، وتشير التقديرات إلى أن العدد الرسمي والتقريبي لهم يتراوح بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف شخص، لا توجد إقامات لهم في حين أن المستوصفات والمشافي والجهات غير الرسمية تتعامل معهم كالسوريين، غير أن مؤسسات فلسطينية مدنية استطاعت تحريك ملف اللاجئين لدى الحكومة التركية ونتج عن ذلك صدور قرار في 19/2/2014 يسمح للفلسطينيين الداخلين إلى تركيا بطريقة غير شرعية بالحصول على تسوية وضع، أي ختم دخول مع إقامة لمدة ستة أشهر أو سنة.

ضحايا قوارب الموت 
 تتابعت رحلات اللجوء إلى أوروبا عبر السواحل التركية والمصرية والليبية إلى إيطاليا، ومنها إلى بقية دول الاتحاد الأوروبي بعد نجاح بعض الرحلات بالوصول بسلام إلى إيطاليا، إلا ان البعض الآخر قد فشل بذلك، وألقي القبض عليه وزج في السجون بظروف احتجاز سيئة جداً، وتجاهل تام لنداءات الاستغاثة التي وجهها اللاجئون والجهات المعنية بحقوق الإنسان، فيما وقع المئات ضحايا قوارب الموت وابتلعتهم أمواج البحر.

وتعددت حوادث غرق المراكب المنطلقة في البحر الأبيض المتوسط، وما ترافق معها من حالات التوقيف والترحيل والاعتقال، ففي 6 سبتمبر2014 غرق مركب يقل نحو 400 مهاجر من اللاجئين الفلسطينيين من سوريا وسوريين وفلسطينيين من قطاع غزة، لم ينج منهم سوى 11 شخص، وقد وثقت مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا في فبراير 2015 الكثير من حالات الاعتقال في كل من مقدونيا (300 شخصاُ)، وبولندا (12 شخصاً)، وصربيا (29 شخصاً)، واليونان (108 شخصاُ)، وألبانيا (21 شخصاً)، وقبرص (345 شخصاً)، وتعاملت سلطات هذه الدول بطريقة غير إنسانية معهم.

حقائق وأرقام 
وأصدرت مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا، تقريراً توثيقياً بعنوان “الإحصائيات التفصيلية للضحايا والمعتقلين والمهجرين من ‏اللاجئين الفلسطينيين في سورية منذ آذار ٢٠١١ بداية الأحداث في سورية حتى نهاية آذار 2016”.

ووثق التقرير سقوط (3191) ضحية من اللاجئين الفلسطينيين السوريين، قضوا لأسباب مباشرة كالقصف والاشتباكات والتعذيب في المعتقلات والتفجيرات والحصار، وأسباب غير مباشرة كالغرق أثناء محاولات الوصول إلى أوروبا عبر ما بات يعرف بـ “قوارب الموت“.

ويبين أن نسبة الضحايا من الأطفال بلغت 6% من الاجمالي العام للضحايا بما يعادل (200) ضحية قضوا خلال الفترة 2011-مارس/2016.كما وثق التقرير الاحصائيات التفصيلية للضحايا الفلسطينيين الذين قضوا خلال الربع الأول من عام 2016.

وأفاد أن (14%) من الضحايا الفلسطينيين الذين قضوا خلال الحرب الدائرة في سورية من الإناث، حيث وثق (444) ضحية من الإناث في الفترة ما بين 2011 – مارس 2016.

وأشار إلى أن (1751) ضحية توزعوا على جميع المخيمات الفلسطينية في سورية، من درعا جنوباً، مروراً بخان دنون، وخان الشيح، والسيدة زينب، واليرموك، وجرمانا، السبينة، والحسينية، والعائدين بحمص وحماة، والرمل، إلى حندراتوالنيرب شمالاً، لافتًا إلى الضحايا الذين قضوا خارج مخيماتهم في مختلف المدن السورية، والذين قضوا خارج سورية، كما وثق الأسباب غير الاعتيادية التي أدت إلى وفاة اللاجئين الفلسطينيين.

المراجع:
“واقع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا 2011_2015″، محسن محمد صالح، تقرير معلومات، مركز الزيتونية للدراسات.
“الفلسطينيون في سوريا بين جحيم المخيم وضياع القضية”، فرانتزغلاسمان، أستاذ علوم سياسية فرنسي.
“اللاجئون الفلسطينيون بسوريا والمصير المجهول”، رهام عودة، قضايا الشرق الأوسط – THE MIDDLE EAST.
“ثورة السوريين وأثرها على مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا”، ماجد كيالي.
“الفلسطينيون في سوريا.. حقائق وأرقام”، سكاي نيوزعربية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات