الأحد 16/يونيو/2024

يهود اليمن.. في شباك الوكالة الصهيونية

محمد عبد الصادق

احتفلت “إسرائيل” مؤخراً بنجاح الوكالة اليهودية في تهريب 19 من يهود اليمن إلى “إسرائيل”، في عملية وصفت بالسرية والمعقدة، وبعد هذه العملية لم يتبق في اليمن سوى 50 يهودياً يقيمون في مجمع مؤمن مجاور للسفارة الأميركية بصنعاء رفضوا الاستجابة لإغراءات الوكالة اليهودية، مفضلين مواصلة العيش في اليمن للحفاظ على تراث آبائهم وأجدادهم وجذورهم التي تمتد لعام 600 قبل الميلاد.

اللافت أن من بين الواصلين لـ”إسرائيل” يمني يعمل نجاراً صرح لهيئة الإذاعة البريطانية أنه سبق له القدوم إلى “إسرائيل” في تسعينيات القرن الماضي، ولم يستطع المكوث أكثر من عامين، عاد بعدها لمسقط رأسه في اليمن لعدم قدرته على التأقلم مع ظروف الحياة في “إسرائيل” وإحساسه الشديد بالحنين للوطن، وأكد أنه لولا الحرب وتدهور الأحوال المعيشية لما فكر في معاودة تجربة الهجرة إلى “إسرائيل”، وربط استمراره في “إسرائيل” بوفاء الوكالة اليهودية بعهودها المتمثلة في توفير مسكن مناسب له ولعائلته وإعانة مالية وإمداده بمستلزمات إعداد مائدة السبت.

ويهود اليمن من أوائل اليهود العرب الذين وصلوا إلى “إسرائيل”، في إطار عملية شهيرة تمت في الفترة من 1948م إلى 1951م أطلق عليها “بساط الريح”، وبلغت تكلفتها حينئذ 425 مليون دولار، هرّبت خلالها الوكالة اليهودية أكثر من 50 ألف يهودي يمني إلى “إسرائيل” على عدة مراحل من خلال اختراق ميناء عدن وعبر طائرات إسرائيلية تحمل أعلام دول أوروبية، وما يزال الكثير من ملابسات هذه العملية وكيفية تنفيذها يحيطه الغموض حتى الآن، ولم يكن هناك اضطهاد لليهود في اليمن؛ حيث كان يعمل معظمهم بالتجارة ويسيطرون على معظم أنشطة اليمن الاقتصادية، ولم تتأثر مصالحهم ولا ممتلكاتهم بالأحداث السياسية التي رافقت إعلان قيام “إسرائيل” على أرض فلسطين عام 1948، بل كانت هجرتهم طوعية تأثراً بالدعاية الصهيونية ومحاولات الضغط والإغراء التي مارستها الوكالة اليهودية في أوساط اليهود هناك، كما كان الدافع الديني (عن قرب ظهور المسيح المنقذ) أحد أسباب هجرة يهود اليمن لـ”إسرائيل”.

ورغم ضخامة عدد يهود اليمن وأسبقية تواجدهم في “إسرائيل”، إلّا أنه تمت معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية مثلهم مثل سائر اليهود الشرقيين الذين يطلق الإسرائيليون عليهم “المزراحيون” مقابل مصطلح “الإشكناز” على اليهود الأوروبيين الذين ينسب لهم الفضل في إنشاء “إسرائيل”؛ حيث ينظر إليهم على أنهم الأكثر ذكاء وتأهيلاً وقدرة على القيادة، لذلك كان لهم النصيب الأكبر من الثروة والمناصب الحكومية وقيادة الجيش والأجهزة الأمنية، بينما اليهود الشرقيون امتهنوا الحرف والوظائف الدنيا، وتم جلبهم ليحلوا محل الأيدي العاملة الفلسطينية التي غادرت عقب العمليات الإجرامية التي اقترفتها عصابات “الهجانا” ضد الفلسطينيين بإحراق قراهم وإشاعة الخوف والهلع والترويع لإجبارهم على ترك ديارهم والهجرة لدول الجوار العربية.

ونشاط الوكالة اليهودية في جلب اليهود إلى “إسرائيل”، بدأ قبل تأسيس “إسرائيل” بسنوات، واستفادت هذه المنظمة من تدفق أموال التبرعات من أغنياء اليهود حول العالم وخصوصاً من الولايات المتحدة واستغلت الوكالة حالة البؤس والخراب الذي خلفته الحرب العالمية الثانية في أوروبا، وفزاعة معاداة السامية واضطهاد هتلر لليهود وغرف الغاز التي روّجتها وسائل الإعلام المسيطر عليها من اليهود والحرب الدعائية بين ألمانيا النازية والحلفاء ـ في إقناع آلاف اليهود في غرب ووسط أوروبا بالهجرة إلى “إسرائيل”، وكان لهذه الهجرات الفضل في تثبيت أركان الدولة اليهودية؛ حيث كان بين صفوف المهاجرين طيارون وجنود مدربون وعلماء وأطباء ومهنيون عززوا صفوف الجيش الإسرائيلي في حربه ضد الجيوش العربية في العام 1948م.

وبعد إعلان قيام دولة “إسرائيل” اتجه نشاط الوكالة اليهودية إلى جلب اليهود العرب لـ”إسرائيل”. في البداية واجهت الوكالة صعوبات كبيرة في مصر والدول العربية؛ حيث كان اليهود المصريون يعيشون في حالة ازدهار ويتمتعون بالأمن وحرية ممارسة العبادة والعمل في كافة المجالات في ظل مساواة تامة بين المصريين دون تمييز على أساس العرق أو الدين وكان أغلب اليهود المصريين من الأغنياء، وتمتعوا بالتقدير والاحترام، وشاركوا المصريين المناسبات الاجتماعية والسياسية، لذلك فشلت محاولات الوكالة الصهيونية منذ أيام هرتزل الذي زار مصر عام 1904م لبحث هجرة اليهود المصريين إلى فلسطين مع السلطات المصرية، ولكن زيارته قوبلت بفتور من جانب اليهود المصريين، فعاد إلى أوروبا يتهم مصر بتهديد أمن وحرية اليهود في التنقل والسفر، ولكن الشرفاء من أبناء الطائفة اليهودية بمصر تصدوا لأكاذيب هيرتزل، ودافعوا عن حكومة بلدهم ضد الصهيونية.

لم تتوقف محاولات الوكالة اليهودية لإقناع اليهود المصريين بالهجرة إلى “إسرائيل”، ونجحت بالتعاون مع جهاز المخابرات الإسرائيلي “الموساد” في تجنيد بعض اليهود المصريين للتجسس لصالح “إسرائيل” أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، واستطاعت أجهزة الأمن المصرية القبض على شبكة تجسس تورط فيها يهود مصريون تعاونوا مع الجيوش الإسرائيلية والفرنسية والبريطانية الغازية لبورسعيد، وتسببت هذه الحادثة في تصدع العلاقة بين المصريين واليهود، واشتباه أجهزة الأمن المصرية في كثير من أفراد الطائفة اليهودية، ووضعتهم تحت المراقبة.

استغلت الوكالة اليهودية هذه الأحداث لإعادة بعث مشروع هجرة اليهود المصريين إلى “إسرائيل” بالتهويل والمبالغة عن وجود أخطار وحملة كراهية ضد اليهود في مصر، وإغراء المترددين منهم بالمساعدات والتسهيلات التي تنتظرهم في أرض الميعاد، ونجحت الوكالة في إقناع ومساعدة عدد كبير منهم على مغادرة مصر والتوجه لـ”إسرائيل” عن طريق قبرص واليونان، رفض بعضهم الذهاب لـ”إسرائيل”، وفضل السفر إلى أوروبا وأميركا، وتبقّى بضع مئات من اليهود في القاهرة والإسكندرية رافضين مغادرة وطنهم ومسقط رأسهم، حتى جاءت الستينيات وصدرت قرارات التأميم التي طالت كبار الملاك اليهود أصحاب المتاجر والشركات والأراضي الزراعية، أعقبتها سلسلة تفجيرات في دور السينما والمسارح بوسط القاهرة، تم القبض على مرتكبيها واعترفوا أنهم يعملون لصالح الموساد الإسرائيلي، سارعت بعدها أغلب الأسر اليهودية لمغادرة مصر خوفاً من ردة الفعل، ولم يتبقَّ سوى عدد قليل من الطائفة اليهودية لا يتجاوز العشرين معظمهم من النساء وكبار السن، عاشوا بجوار المعبد اليهودي بالقاهرة والإسكندرية وما زالوا موجودين حتى الآن.

المصدر: صحيفة الوطن العمانية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

يونيسيف: غزة تشهد حربا على الأطفال

يونيسيف: غزة تشهد حربا على الأطفال

غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قال المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) جيمس إلدر إن القتل والدمار الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي في...