عاجل

الجمعة 17/مايو/2024

دوافع اتهام مصر لحماس بالمشاركة في اغتيال النائب العام!

د. أسامة الأشقر

ليس غريباً أن تبحث الدول عن أعداء خارجيين لها إما لتسويق سياسة خارجية لها لا تثير اهتمام الشعب، وإما لتخفيف الاحتقان الداخلي بتقوية اللحمة الداخلية وتنمية الشعور القومي الوطني وتماسك الجبهة الداخلية عند إحساسها بعدو مشترك لا يميز بين مكونات الشعب وفروقه.

وليس غريباً على السلوك السياسي المصري المعاصر أن يقوم بذلك مع فارق كبير وهو أنه يضيف بُعداً جديداً في هذا الأمر وهو تصدير أزمته الداخلية للخارج وصناعة عدوّ هو في الأصل جار وأخ وابن عم ، أي أنهم يحوّلون شعباً صديقاً إلى عدو مصطنع لأسباب تكتيكية تتعلق ببنية النظام وعقليته وطبيعته الاستبدادية وحرصه على الإمساك بالسلطة إلى الأبد.

لم يعُد هذا الأمر سرّاً فقد كشفت قضية وزير الداخلية السابق حبيب العدلي عن تورطه في تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية والتي راح ضحيتها العشرات بغية إسكات البابا شنودة ودفعه للاقتراب من الدولة وطلب حمايتها بدل مهاجمته لها وإسقاط هيبتها بين الفينة والأخرى؛ وجرى فيها استخدام عناصر محسوبة على جماعة إسلامية جنّدها النظام الأمني وقام بجلب أسلحة وتهريبها من قطاع غزة لإلصاق التهمة أيضاً بحركة حماس لتنويع مصادر الخطر على أقباط مصر من الداخل المصري والخارج المصري أيضاً.

هذه المرة قفز وزير الداخلية المصري بعد نحو ثمانية أشهر من اغتيال النائب العام المصري إلى الواجهة بمؤتمر صحفي يحمل عنواناً مثيراً للشارع المصري لكنه لا يحمل أي جديد في مضمونه الذي تكرره السلطات الأمنية المصرية عبر منابرها الإعلامية المحسوبة عليها دون إثباتات أو وقائع حقيقية مقنعة وهو إعلان مسؤولية الإخوان المسلمين في مصر عن اغتيال النائب العام وبمشاركة ومعاونة من عناصر تابعة لحركة حماس.

يلاحظ هنا أنه جرى الإعداد جيداً لهذا الإعلان، فقد جرى تنسيق تفاصيله ليس مع حكومة السلطة الفلسطينية وإنما مع قيادة حركة فتح الذي هو محمود عباس رئيس السلطة، ومع عدوّه اللدود محمد دحلان رجل الأمن المرتزق الذي يضع نفسه في خدمة من يدفع ، من خلال أبواقهم الإعلامية ( جهاد الحرازين مع دحلان، والقواسمي مع عباس) ، والغريب أن سقف هؤلاء في تصريحاتهم لا ينتمي بالمرة إلى الوطنية أو الأخلاق بل جعلوا حركتهم في خدمة المشروع المصري بالكامل دون تحفظات؛ وقد سبق هذه البيانات تصريحات معادية لقيادة فتح (جبريل الرجوب وعزام الأحمد …) مما يعني أن ثمة خلفية أخرى لهذا الإعلان غير تصدير الأزمة الداخلية المصرية وهي إرباك حماس واستنزافها ودفعها لتقديم تنازلات مهينة لها ودفعها للخروج من المشهد السياسي الفلسطيني بأذل صورة ممكنة وهي تحمل شعار الفشل مما يمهّد لدخول فتح إلى غزة على دبابة مصرية أو إسرائيلية كما قال عزام الأحمد من قبل.

العنوان المصري لهذا الإعلان هو الأبرز وسنشهد خلال هذا الأسبوع تنسيقاً عالياً في الهجمات الإعلامية المصرية على حماس بمتابعة مباشرة من المخابرات المصرية التي تدير هذا الملف وتتصل بإدارة القنوات وبنجوم التوك شو المصنوعين برعايتها لتسديد الهجمات وفق مضامين مكتوبة بعناية مع السماح برفع السقف إلى أكبر مدى ممكن، مع ملاحظة سفلية بضرورة استخدام أكبر عدد من الفلسطينيين التابعين لحركة فتح أو المنشقين عن حماس للتحريض عليها؛ فيما يجري الإعداد لسيناريوهات إعلامية سيظهرونها على أنها تسريبات غير رسمية بمسؤولية أفراد معتقلين من حماس في اغتيال النائب العام.

هذا الاستهداف يأتي في جوّ عربيّ وضع حزب الله على قائمة الإرهاب بضغط سعودي بالأساس، ولا يخفَى أن مصر غير راضية عن هذا التصنيف الآن على الأقل، ولاسيما أن ثمة انفتاحاً أمنياً بين الطرفين جرى الإعلان عنه بين النظام المصري وحزب الله بزيارة رسمية قام بها الحزب إلى مصر بغطاء التعزية بوفاة محمد حسنين هيكل، ولم يتم الإعلان عن نتائج الزيارة، لكنه بات واضحاً أن نظام مصر لم يكن وضعه الاقتصادي يسمح له بإعلان موقف معارض من الضغط السعودي لإدراج حزب الله في قائمة المنظمات الإرهابية عربياً.

خلف ذلك كله كانت هناك دوافع أكبر وهي الأزمة الداخلية المصرية سياسياً واقتصادياً وأمنياً، الأزمة السياسية تتجلى في ضعف البنية السياسية للنظام رغم قيام مؤسساته الشكلية وآخرها البرلمان، بسبب سيطرة حاشية النظام عليه وغياب القوى الحزبية العريقة والمؤثرة؛ وعدم وجود أفق لمصالحة سياسية مجتمعية تعيد الاستقرار الداخلي والشعور بالأمان، واستمرار سياسة القمع المتصاعد لعدم وجود حل.  

الأزمة الاقتصادية عنوانها الدولار الذي وصل إلى عشرة جنيهات في السوق الموازية والخروج المتتابع لكبريات الشركات العالمية وانهيار السياحة وفشل كل محاولات استعادة زخمها، وموجة الغلاء الفاحش، ورفع الدعم المتدرج عن سلع أساسية وزيادة الشعور المصري العام بالغضب من الإرهاق المعيشي والخدميّ المتواصل.

أما الواقع الأمني فيتجلى في انكشاف ظهر السلطة الأمنية والعسكرية في سيناء وعدم قدرتها على تأمين حدودها الشرقية، وقناعة الشارع المصري أن سيناء خرجت عن السيطرة ولم تعد جزءاً آمناً من الوطن، كما انكشفت الحدود المصرية الليبية، وباتت مصر طرفاً في الأزمة الليبية ولم تقف في مربع الحياد الإيجابي لحل الأزمة الليبية، كما أن علاقتها مع السودان لم تصل بعد إلى اتفاقات حاسمة بعد أن قرر السودان التعامل مع مصر بمنطق المصالح فحسب.

وراء هذه الدوافع أيضاً أمر كبير جداً وهو انهيار سمعة النظام العسكري المصري في الدفاع عن أمن مصر القومي، وانهيار قدرته على التعامل مع ملف المياه الحساس والذي شكّل مادة هائلة للضغط على الرئيس المصري محمد مرسي، حيث عجز النظام المصري العسكري الآن عن مواجهة الأزمة، بل إنه استسلم للواقع الإثيوبي الذي ينسّق خطواته بذكاء مع السودانيين الغاضبين من السياسة المصرية منذ عقود طويلة، هذا الاستسلام الذي سجّل هزيمته بتوقيع جميع التفاهمات المتعلقة بسد النهضة، والاعتراف القانوني بحق إثيوبيا في بناء سد النهضة دون وجود رؤية مصرية للحل سوى في تسجيل بعض المكاسب التكتيكية الصغيرة.  

ووراء كل هذا تنسيق مصري فلسطيني إسرائيلي رفيع، فهي قضية استثنائية لا يحتمل النظام المصري خسارتها ويجب أن يتعاون جميع الحلفاء في لحظات الضيق. 

إزاء هذا الوضع فإن قطاع غزة سيتعرض لمزيد من الضغط النفسي والسياسي إذ إن واقع القطاع مأزوم أصلاً بحصار مصري إسرائيلي محكم جعل من القطاع سجناً كبيراً ببوابات تفتح في أيام معدودة من بين مئات الأيام.
وقد اختار النظام المصري غزة لأنها الحلقة الأضعف من بين المحيط الجغرافي والإقليمي في توجيه هذه الاتهامات الثقيلة لوجود تراث طويل من الاتهامات المصرية الكاذبة والتي سجّلت حضورها في طبقة العامة من الشعب المصري الذي تعرّض لعمليات غسل دماغ مركزة من خلال إحاطته بالكثير من الأكاذيب من كل منبر إعلامي متاح.

من هنا فليس أمام حماس الكثير من الخيارات لتواجه هذه الجريمة الإنسانية والسياسية بحق شعب شقيق يقاتل من أجل استرداد وطنه وحريته، فهم يتعاملون مع نظام مصري مأزوم جداً وإعلام مصري رسمي أرعن لا حدود لإساءاته وسقوط أخلاقه، فلا ننصح حماس بمواجهات إعلامية غاضبة متشفّية ولا بإجراءات أمنية استثنائية ضد حركة فتح، وإنما ندعوهم لحراك دبلوماسي وسياسي مركّز مع الدول الصديقة والعارفة بعقلية النظام المصري وسياساته لتفويت الفرصة عليه وعلى حليفه الفلسطيني لتمرير قرار إلحاق تهمة الإرهاب بحماس وحرمان الشعب الفلسطيني من كرامته وفروسيته المقاتلة؛ والتعامل بمسؤولية راقية مع هذه الأزمة المصطنعة من خلال كشف أبعادها وبيان حقيقتها وأنها أزمة مصطنعة مكشوفة الخلفيات وأنها ضارة جداً بالمستوى الاستراتيجي … . 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات