الثلاثاء 30/أبريل/2024

الشهيدة سعاد صنوبر.. روح تحلق في سماء جبل النار

الشهيدة سعاد صنوبر.. روح تحلق في سماء جبل النار

ثلاثة عشر عاما مضت ولا زالت روح الأم الشهيدة سعاد صنوبر تحلق في سماء جبل النار، تبعث الروح في جسد المقاومة، وتعطي مثالا للأم الفلسطينية المجاهدة الصابرة.

سعاد التي ارتقت إلى جوار ربها شهيدة وهي لم تكمل عامها السادس والأربعين، تركت خلفها سيرة عطرة لا زال عبيرها يفوح كلما حلّ كانون الثاني، وكلما ذُكرت ماجدات فلسطين وفارساتها.

الشهيدة سعاد ربّت أبناءها على حبّ الدين والوطن والجهاد، وزرعت في نفوسهم مفاهيم العزة والكرامة، فأنبت جهدها ثمرة طيبة، وآتى زرعها أُكُله أحياناً كثيرة، فكان ابنها الشهيد المجاهد أحمد الذي سبقها بثلاثة أشهر إلى جنان الخلد بعد أنْ أذاق العدو ألوان العذاب.

وُلدت الشهيدة المجاهدة سعاد حسن صنوبر في مدينة نابلس بتاريخ 24-4-1956 ونشأت في بيت علمٍ ودين، وعُرِفت بذكائها الوقّاد، وقد أكملت دراستها لتحصل على شهادة الدبلوم في المحاسبة.

تزوّجت شهيدتنا عام 1978، فكانت مثالاً للزوجة الصالحة، وقد رزقت بخمسة أبناء هم: محمد، وأحمد، وعبد الله، وأنس، وياسر.

كابدت “أمّ محمد” هي وزوجها ظروف المعيشة الصعبة، وضحّت بكلّ ما تملك من جهدٍ ومالٍ ومصاغ من أجل بناء بيتٍ مستقلّ لهما ولأبنائهما، وليؤمّنوا لهم مستقبلاً واعداً.

يقول عنها زوجها محمود جود الله لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام“: “كانت نعم الزوجة الصابرة والمكافحة في بيتها، ورغم صعوبة أحوالي المادية في بداية زواجنا، إلا أنها أصرّت على مشاركتي الحلوة والمرة، وكانت تساعدني بكل ما استطاعت رغم مسؤوليتها الكبيرة برعاية بيت فيه خمسة أبناء كلهم من الذكور”.

وتابع: “لقد كانت نعم الأم لأبنائي؛ فقد ربتهم على الدين والأخلاق الحسنة حتى أحبهم كل من تعامل معهم”.

وفي الوقت الذي يعبر فيه عن اعتزازه بزوجته الشهيدة، لا يخفي افتقاده وعائلته لها باستمرار، ويقول: “إننا نفتقدها بيننا في كل مناسبة سعيدة أو حزينة، وهي حاضرة في أذهاننا وفي كل تفاصيل حياتنا”.
 
أم الشهداء

لم تكنْ الشهيدة سعاد أمّاً لأبنائها الخمسة فحسب، بل إنّ الشهداء والمجاهدين من أصدقاء ابنها أحمد (علاء مفلح، وسامح الشنيك، وأيمن الحناوي)، وغيرهم الكثير كانوا يعتبرونها أماً لهم، إذ كانت تعدّ لهم الطعام، وتودّعهم بالدموع وبالدعاء قبل كلّ عملية كانوا ينطلقون لتنفيذها ضدّ العدو الغاصب، فنالت بذلك لقب “أم الشهداء”.

وكان أحمد أعزّ أبناء الشهيدة سعاد على نفسها وأقربهم إلى قلبها لما كان يغمرها ببرّه وحنانه وعطفه، ولما كان يتمتّع به من جرأةٍ وشجاعة بالغة.

كان يقول لها دائماً إنه لن يمكث في هذه الدنيا طويلاً، فتجيبه الأم المؤمنة المجاهدة: “يا بنيّ.. إنّي قد وهبتك لله تعالى”، وكانت توصيه قائلة: “بالله عليك يا أحمد لا تمت إلا ميتة مشرفة ترفع الرأس، لا أريد أن أسمع أنك استشهدت أثناء تحضير عبوة ناسفة أو بعيارٍ طائش، أريدك أن تستشهد وأنت تواجه المحتلين”.

عُرف الشهيد أحمد بانتمائه لحركة حماس منذ نشأته، إلا أنّ ذلك لم يمنعه من تنفيذ عملياته الجهادية تحت عدّة ألوية عسكرية.. فمرّةً مع الشهيد أيمن الحناوي تحت لواء كتائب القسام، ومرة مع الشهيد علاء مفلح تحت لواء كتائب شهداء الأقصى، ومرة مع الشهيد سامح الشنيك تحت لواء سرايا القدس، وكثيراً ما كان ينفّذ عمليات مشتركة مع كلّ هذه الكتائب.

وقد شارك بعدد كبير من عمليات إطلاق النار وتفجير العبوات في أقلّ من عامين من عمر انتفاضة الأقصى، وقُتل في تلك العمليات سبعة جنود صهاينة وجرح العشرات، وكان من أبرز عملياته قتل جنديين في عمارة عالول وأبو صالحة وسط مدينة نابلس بتاريخ 30-9-2002.
 
فراق الحبيب

شكلت عملية قتل الجنديين ضربة موجعة لجيش الاحتلال وهيبته، فاستنفر عملاءه، وكثف جهده الاستخباري للوصول إلى أحمد ورفاق دربه، وفي 27-10-2002 تسللت وحدة خاصة في جيش الاحتلال إلى حي رأس العين بالمدينة، واغتالت الشهيد أحمد وأخاه ورفيق دربه الشهيد علاء مفلح، بعد يومٍ حافل بالعمليات الجهادية.

ويذكر شهود عيان تواجدوا في الموقع أنّ الشهيد أحمد قاوم ببسالة، وأطلق النار من مسدسه باتجاه أفراد الوحدة الخاصة، فأصاب أحدهم إصابة مباشرة في رقبته، قبل أن يطلق الجنود النار عليه ويصيبوه.

تُرِك أحمد ينزف على الأرض، ومنع جنود الاحتلال سيارة الإسعاف من التقدّم لإسعافه، ولم يكتفوا بذلك، بل أطلقوا عليه النار مرة أخرى حتى يتأكدوا من استشهاده، لتفيض روحه الطاهرة إلى بارئها.

في هذه الأثناء، علمت “أم محمد” عبر وسائل الإعلام بنبأ استشهاد “علاء” بعملية الاغتيال، فأدركت بأنّ ابنها أحمد قد أصيب أو اعتقل على أقلّ تقدير، بسبب كونهما لا يفترقان.

وتبكي الأم بكاءً حاراً حتى قبل أن تعلم بأنّ أحمد قد استشهد هو الآخر، فقد كان علاء بمثابة ابنها أيضا، وما هي إلا لحظات ويصلها الخبر اليقين، لتفجع باثنين من أبنائها معاً.. أحمد وعلاء.
 
ذهَبَ الغالي

حزنت الوالدة الحنون حزناً شديداً على فراق فلذة كبدها، وكانت تقول لأبنائها بعد استشهاده: “لقد ذهب الغالي”.. غير أنّ الأم المؤمنة المجاهدة صبرت واحتسبت ذلك عند الله تعالى.

وبعد استشهاد ولدها الحبيب أحمد، تتلهّف الأم للقائه، وكانت تقول: “إنّ أحمد مشغولٌ عني.. إنّه لا يزورني في المنام”.

ويكون اللقاء.. ويشاء الله تعالى أنْ يكون اللقاء بصحبة رفيق أحمد في الجهاد.. الشهيد القساميّ أيمن الحناوي، الذي نجا بأعجوبة من عملية اغتيال الشهيدين أحمد وعلاء.

ففي صباح يوم الجمعة 24-1-2003 تقع الشهيدة سعاد وابنها عبد الله والشهيد أيمن في كمينٍ مدبّر نصبه لهم جنود الاحتلال على حاجزٍ عسكريّ صهيوني عند المدخل الشمالي لمدينة نابلس.

فلدى وصول السيارة التي كان الثلاثة يستقلونها إلى الحاجز، أمطر الجنود الصهاينة السيارة بالرصاص، لترتقي “أمّ محمد” شهيدة، ويستشهد معها أيمن، ويصاب ابنها عبد الله بجروح، ويتمّ 
اعتقاله وهو مصاب.

أمّا الشهيدة “أم محمد” والشهيد أيمن، فقد احتجز جنود الاحتلال جثمانيهما لأكثر من ثماني ساعات، ممّا تسبّب في تضارب الأنباء حول هوية الشهيدين.

ومما زاد من وقع المصيبة على الأهل أنْ سرت شائعات في المدينة تفيد بأنّ الشهيدين هما أم محمد وابنها عبد الله، إلى أنْ تمّ تسليم الجثمانين، وليتمّ التعرّف عليهما.

وتنطلق مسيرة حاشدة بعد المغرب تتحدّى حظر التجوّل المفروض على المدينة، وتطوف المسيرة شوارع جبل النار، وسط هتافات التكبير ودعوات الانتقام لدماء الشهيدين.

ويتمّ مواراة الشهيدة الثرى إلى جانب ابنها الشهيد أحمد، ليكون اللقاء بالروح والجسد، وما إنْ سُجّيت في ضريحها، حتى علت وجنتيها ابتسامة، لعلّها كانت ابتسامة الفرح بلقاء ابنها، وكانت مفتحة العينين، رافعةً أصبع الشهادة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات