الأربعاء 08/مايو/2024

حظر الحركة الإسلامية.. مقدمة للعبث بملفات القدس والنقب

حظر الحركة الإسلامية.. مقدمة للعبث بملفات القدس والنقب

أولا: المقدمة
تعد الحركة الإسلامية (الجناح الشمالي) “بقيادة الشيخ رائد صلاح”  من أكثر الحركات متابعة في الأراضي المحتلة عام 1948، من الجهات السياسية والأمنية الإسرائيلية منذ انطلاقها في العام 1996 وانشقاقها عن الحركة الأم بقيادة الشيخ عبد الله نمر درويش، لاعتبارات أهمها الخلفية الفكرية للحركة ودورها البارز في الدفاع عن ملفات القدس والمسجد الأقصى وكذلك الأراضي المحتلة عام48 وفي مقدمتها النقب.

بالإضافة إلى نوعية الخطاب الذي انتهجته الحركة على صعيد تعريف العلاقة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وأثره على ثقافة المجتمع الفلسطيني في المناطق المحتلة عام 1948 .

إن الأهمية لهذا التقدير تنبع من حجم الخطوة التي اتخذها الاحتلال الإسرائيلي تجاه الحالة السياسة في الداخل والتي تعد الأخطر منذ العام 1956.

ثانيا: الحركة الإسلامية تعريف عام
بدأت الحركة الإسلامية في المناطق المحتلة عام 1948، العمل الرسمي ( المنظم)  منذ العام 1971 على يد مجموعة من الدعاة المقربين من (حركة الإخوان المسلمين) وعلى رأسهم عبد الله نمر درويش، ثم توسعت دائرة العمل الإسلامي، عبر الجيل الشاب في الحركة الإسلامية خاصة في مناطق شمال فلسطين المحتلة وجنوبها.

حيث كان الأثر الأهم على تبلور الفكر الحركي في الداخل الفلسطيني المحتل، نشاط حركة لإخوان المسلمين في الضفة الغربية تحديدا جنوب الضفة، وشمالها، بالإضافة إلى قطاع غزة.

وفي مسار العمل العام، تعزز وجود الحركة الإسلامية (الجناح الإخواني) بشكل فاعل منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، الأمر الذي كان له كبير الأثر على ثقافة المجتمع، في الداخل الفلسطيني، مما تسبب في تعاظم التوجس الأمني الإسرائيلي تجاه الحركة النشطة واسعة الانتشار.  

 الجسم الموحد للحركة الإسلامية لم يحالفه الحظ بالاستمرار، على خلفية خلاف وجدل عميقين، حول مشاركة الحركة في انتخابات الكنيست الإسرائيلي، وشكل تعاطيها مع الخطاب العام ضد (إسرائيل) الأمر الذي تسبب بخروج القيادة الشابة (الشيخ رائد صلاح، وكمال الخطيب) ومجموعة من قيادات الشمال (أم الفحم) وبعض القيادات في مناطق الوسط الجنوب وتشكيل حركة جديدة بقيادة الشيخ صلاح، الأمر الذي قوبل باحتضان من الحركة الأم العالمية.

الحركة الوليدة استطاعت ومن خلال النشاط الاجتماعي الواسع في العام 1996 حيازة حضور كبير على حساب الحركة الأم، وتجاوزت في حضورها الأحزاب التقليدية في الداخل، من خلال فوزها بقيادة بلديات مهمة في الانتخابات المحليات.

الخطاب المجتمعي نمى معه خطاب سياسي آخر ارتكز على الأقصى، فتحولت بفضله الحركة،  إلى أهم تشكيل يعنى ملفات (المسجد الأقصى، ثم مناطق النقب، و ملف التهويد للمعالم الدينية في فلسطين التاريخية)، لما للقضيتين من حضور في الملف السياسي الفلسطيني، الأمر الذي تسبب في فتح ملف الحركة بشكل واسع لدى الأمن الإسرائيلي.

 ثالثا: الحركة الإسلامية في ذهنية المؤسسة الإسرائيلية  
مرت الحركة الإسلامية الجناح الشمالي في أربعة مراحل في نظر المؤسسة الإسرائيلية منذ نشأتها وتمثلت في:

المرحلة الأولى: المتابعة وتكوين الصورة عن الحركة، عبر رصد مصادرها الإعلامية، والرقابة الأمنية خاصة لصحيفة صوت الحق والحرية اللسان الناطق باسم الحركة، بالإضافة إلى متابعة خطاب قياداتها الناضج في قضايا الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي.

 المرحلة الثانية: التصنيف الحذر، بدأت إسرائيل منذ العام 1998 تعتبر الحركة الإسلامية، من الحركات المتشددة في الساحة الفلسطينية، وبدأ الإعلام الإسرائيلي يتعاطى مع لفظ التشدد لبعض قياداتها خاصة رئيس الحركة الشيخ رائد صلاح.

 المرحلة الثالثة: التضييق و الاستهداف، حيث شرعت إسرائيل بشن حملة منظمة تجاه الحركة الإسلامية منذ العام 1999 وحتى العام 2014، حيث عمدت إسرائيل القيام بالتضييق على الحركة واعتقال بعض شخصياتها، على رأسهم الشيخ رائد صلاح، وإبعاد بعضهم عن المسجد الأقصى، وصولا لصدور قرارات بمنع السفر لعديد قياداتها، عداعن استجواب متكرر لبعض قياداتها، والتلويح بحظرها، من قبل دهاقنة السياسة الإسرائيلية أبرزهم ( ليبرمان، نتنياهو، بالإضافة إلى قيادات إسرائيلية سياسية وأمنية بوزن شارون).

في هذه المرحلة ظل الأمن الإسرائيلي يحذر من خطورة التعامل مع الحركة الإسلامية بسياسة (حرق السفن) الأمر الذي قد يحولها إلى حركة قريبة من حماس، ويأخذها إلى زاوية العمل السري”.

 المرحلة الرابعة: مرحلة الحظر والإخراج من القانون: شرعت إسرائيل في هذه الخطوة منذ نهايات عام 2014  بعد سلسلة من الخطوات التي اتخذت ضد الحركة، أولها الحكم الفعلي بالسجن على الشيخ رائد صلاح، إغلاق 2 من المؤسسات الخاصة بدعم الرباط في القدس، ثم حظر نشاط الرباط كحركة منظمة، وأخيرا الهجمة الإعلامية المنظمة التي قادها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وصولا إلى حظر الحركة الإسلامية ضمن مسوغات، لم تجمع عليها المؤسسات الإسرائيلية، المختلفة المعنية بهذا الملف.

 رابعا: الهدف من قرار الحظر
قدر المستوى السياسي الإسرائيلي، وبعض الدوائر الأمنية أن الحركة الإسلامية، باتت الباعث الأهم في التأثير على الرأي العام في ملف المسجد الأقصى، والثقافة المعادية للمؤسسة الإسرائيلية في المدن العربية.

هذا الحديث جاء على لسان 7 من القيادات الإسرائيلية المؤثرة، في الحكومة، منها وزير الأمن الداخلي، وزير الجيش الإسرائيلي، رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، ورئيس الشرطة، عدا عن توجهات وزراء مثل وزيرة الثقافة، ووزير الإسكان، وغيرهم من القيادات الإسرائيلية، التي  تعمل على تحقيق جملة من الأهداف في قرار الحظر وهي على النحو الآتي:

أولا: تمرير مخططات التقسيم الزماني للمسجد الأقصى دون جلبة تحرج أطراف مختلفة منها بعض الأنظمة العربية.

ثانيا: تجفيف منابع التحريض في ملف الأقصى لدور الحركة الإسلامية الكبير في ملف القدس والأقصى، الفاضح للسياسات الإسرائيلية.

ثالثا: تمرير المخططات الإسرائيلية في النقب، عبر تطبيق مخطط “برافير” بشكل هادئ خاصة في ملفات هدم القرى الصغيرة، التي شكلت الحركة الإسلامية نوات دعم صمود أهلها من خلال المشاريع المختلفة.
حيث تهدف إسرائيل حصر العرب في تجمعات سكاينة لا تزيد مساحتها عن 4% من مساحة النقب العربي.

رابعا: ضرب المنظومة الثقافية، والتعبوية في المدن الفلسطينية، التي تشارك الحركة الإسلامية في جزء منها، ضد ملفات الاندماج والهوية والتجنيد وغيرها من مخططات إسرائيل.

خامسا: إظهار قوة الحكومة الإسرائيلية في مواجهة انتفاضة القدس، عبر ضرب الحركة الإسلامية، لتسويق  القرار كإنجاز لحكومة نتنياهو التي فشلت في  اقناع الجمهور الإسرائيلي في أدائها الأمني في الأراضي الفلسطينية.

 خامسا: السلوك المتوقع للحركة الإسلامية

هناك ثلاثة من الخيارات التي، تسيطر على نقاشات الحركة الإسلامية في هذه اللحظات وهي :

أولا: استيعاب القرار الإسرائيلي والذهاب إلى إعلان عن تشكيل جسم جديد يحمل ذات المنهج،  هذا القرار يتطلب على الأرض تغيير في وجوه التشكيل القيادي خاصة (الشيخ رائد صلاح) في المرحلة الحالية وإبراز شخصية أخرى.

ثانيا: التمرد على القرار الإسرائيلي والعمل باسم الحركة الإسلامية، الأمر الذي يتطلب حالة من الصمود وتحمل تبعاته، على صعيد الاعتقال والمتابعة.

ثالثا: تشكيل جسم جديد لنشاط الحركة وإبقاء وجود رمزي للحركة الإسلامية من خلال الشخصيات البارزة، للحفاظ على مكتسبات ما صنعته الحركة الإسلامية من حضور عالمي ومحلي.

ويرجح  أن يكون سلوك الحركة الإسلامية، مرنا باتجاه البحث عن نشاط تحت قبعة القانون في المرحلة الحالية، لكن في ذات الوقت سيتعزز لدى أطراف في الحركة الإسلامية منهج السرية في العمل الأمر الذي سينقل العمل الحزبي في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، إلى مرحلة جديدة، ستنضج مع الزمن.
 
الخلاصة 
يعد القرار الإسرائيلي ضد الحركة الإسلامية الأكبر ضد الحركة السياسية الفلسطينية منذ خمسينيات القرن الماضي.

 وقبول الخطوة من الأحزاب السياسية الإسرائيلية سيعزز منهج الاستهداف للحركات الوطنية في الأراضي المحتلة.

كما سيعزز القرار تسارع خطوات إسرائيل تجاه المسجد الأقصى خاصة في المرحلة الحالية، التي تحتاج معها الحركة الإسلامية وقتا للتعافي، وتحديد صيغة عمل في المرحلة القادمة.

واتخاذ هذا القرار قد يفتح المجال أمام حركة اعتقالات محددة، على رأسها اعتقال الشيخ رائد صلاح، لإرباك الخطوات البديلة التي تفكر بها قيادة الحركة في هذه المرحلة.

وكان للظروف الإقليمية وقبول بعض الأطراف العربية دور هام في تسريع اتخاذ القرار من قبل حكومة الاحتلال، وشهيتها نحو تنفيذ مشاريع الاستيطان والتهويد في القدس والأقصى.

ومع دخول الساحة الفلسطينية مرحلة جديدة من الصراع، بالصبغة الدينية، يدفع الاحتلال إلى اتخاذ خطوات يحاول من خلاله إزالة هذه الصبغة.

** تقدير الموقف من إعداد مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني – رام الله

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات