الأحد 05/مايو/2024

النص الكامل لخطاب رئيس الوزراء إسماعيل هنية

النص الكامل لخطاب رئيس الوزراء إسماعيل هنية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى أله وصحبه أجمعين.


 شعبنا الفلسطيني في القدس وغزة والضفة في حيفا ويافا في داخل الوطن وفي الشتات وفي مخيمات اللجوء:
كل عام وأنتم بخير بمناسبة عيد الأضحى المبارك أعاده الله علينا وعليكم وعلى كل شعوب الأمة بالحرية والكرامة والاستقرار والعزة، وقد تحرر الأقصى وفلسطين وتطهرت الأمة من دنس الاحتلال وعاد اللاجئون وتحرر الأسرى وارتفعت رايات الكرامة في كل ربوع الوطن، كما أتوجه بالتهنئة لحجاج فلسطين عامة الذين أدوا فريضة الحج لهذا العام، وأدعو الله أن يتقبل منهم سائر الأعمال، ولا يسعني إلا أن أستذكر في هذا الموقف شهداء شعبنا الفلسطيني في سوريا والذين قضوا غرقا، في رحلة البحث عن مأوى في مياه المتوسط، بعد أن ضاق بهم وطنهم العربي، وأسال الله أن يتغمدهم بواسع رحمته وأقول لأهلهم وذويهم صبرا يا أهلنا فإن الفجر والنصر قادمان بإذن الله رغم مرارة الوضع ووعورة الطريق.

الإخوة والأخوات:

 ما أعظم أن يكون الكلام في ذكرى الانتصار التاريخي– الذكرى الثانية لصفقة وفاء الأحرار – الملحمة البطولية التي سطرها الشعب الفلسطيني وافتخرت بها كل شعوب الأمة، هذه الصفقة التي ألغت الخطوط الحمراء للكيان الصهيوني والتي وصفها المسئولون الصهاينة أنها الضربة الأكثر إيلاماً للكيان، في هذه الذكرى تتجلى أمامنا ركائز هذا الانتصار العظيم المتمثلة في:

 • الركيزة الأولى: المقاومة وعلى رأسها كتائب القسام صانعة النصر التي هزت نظرية الأمن الصهيوني وأنجزت نصراً تاريخياً: نصراً في عملية أسر شاليط، ونصراً في إخفائه والاحتفاظ به خمس سنوات رغم تسخير العدو لكافة وسائله الأمنية للبحث عنه، ونصراً في التفاوض وفرض شروط المقاومة على العدو، تحقق بها تحرير أسرانا الأبطال الذين يشاركون معنا الآن في تخليد هذا اليوم الوطني الكبير، ويقف أمامنا شامخاً مهندس هذا النصر الشهيد القائد أحمد الجعبري أبو محمد فله منا كل الوفاء ونقول له سلام عليك (أبا محمد) في الخالدين مع البطلين حامد الرنتيسي ومحمد فروانة شهداء عملية (الوهم المتبدد)، ونقول لإخوانه من قيادات وأبناء القسام وفصائل المقاومة والذين حررَّوا أسرانا بالمقاومة، نقول لهم أيها البطل المقاوم عرفت  فالزم، وشعبنا معكم ولن يخذل الأسرى ولن يتخلى عن المقاومة.

 • الركيزة الثانية: كما نذكر كل الوسطاء الذين بذلوا جهدهم من أجل إتمام تلك الصفقة والإفراج عن أسرانا، وفي مقدمتهم الشقيقة الكبرى مصر والتي قامت بدور الوسيط والشقيق بصورة مهنية عالية من خلال جهاز المخابرات العامة، حيث استمرت جهودها الكريمة عدة سنوات إلى أن توجهت بإتمام الصفقة في عهد ثورة 25 يناير، فلمصر العزيزة خالص الشكر والتقدير، وهذه فرصة للتأكيد على موقف حركة حماس الأصيل تجاه مصر في كل عهودها وفي كل المراحل والظروف وحرصها على مصالح مصر واستقرارها وأمنها القومي.

 • الركيزة الثالثة: الأسرى الذين كانوا محور هذه المعركة وتحريرهم كان النتيجة، واليوم نؤكد لكل العالم بأن ملف أسرانا مفتوح ولن يغلق إلا بتحريرهم جميعاً، ونخاطبهم اليوم أيها الأسري الأبطال أيتها الأسيرات الماجدات لن نقبل باستمرار معاناتكم، ولا تراجع عن قرار تحريركم، سوف تجنون ثمرة صمودكم الأسطوري بإذن الله.

 أبناء شعبنا العظيم:

 إننا نخاطبكم في هذه اللحظات الحاسمة في تاريخ شعبنا وأمتنا وما نعيشه من أحداث جسام ألقت بآثارها الكبيرة والإستراتيجية على القضية الفلسطينية وعلى قضايا أمتنا العربية ومستقبلها وفي ظل محاولات البعض استغلال هذه التطورات لإجهاض حلم شعبنا بالحرية والديمقراطية والكرامة وضرب مقومات الصمود ونشر ثقافة الهزيمة وشيطنة المقاومة، فإننا هنا في غزة الجزء العزيز من الكل الفلسطيني  – رمز المقاومة والتصدي – لشعبنا الفلسطيني في الداخل والخارج وأمام التطورات المتسارعة وهذه المحاولات اليائسة نعلن تمسكنا بالعروة الوثقى وبمسلمات لا تتغير ولا تتبدل وهي:

 أولاً: إننا نثق بالله وبنصره وقد وعدنا سبحانه بذلك في كل المراحل ورغم كل الشدائد، فنحن قد مررنا بصعاب جمه وتحديات جسيمة ومعارك طاحنة كل واحدة منها تبدو كأنها القاصمة، فكان سبحانه يهدينا رشدنا ويلهمنا صبرنا ويقوى عزائمنا فنخرج من كل محنة أشد عوداً وأقوى شكيمة وأكثر ثقة بقرب نصره وغلبة جنده.

 ثانياً: ثقتنا بشعبنا الفلسطيني العظيم الذي ما زال يناضل ويقاوم ويجاهد منذ ما يقارب مائة عام من أجل تحرير وطنه واستعادة حقوقه والذي حافظ على الثوابت بروحه ووجدانه، ولا يزال شعبنا يؤمن بالعودة لوطنه وبتحرير القدس وإقامة دولته على كامل ترابه المقدس، هذا الشعب العظيم الذي احتضن المقاومة ودفع في سبيلها مهج بنيه وأفئدتهم، وأبى أن ينخدع بالشعارات التي أرادت النيل من المقاومة وتصفيتها، وخرج عن بكرة أبيه يهتف للمقاومة ويسطر أروع صفحات الصمود، ويجدد ثقته بهذا الخط الثابت الأصيل.

 ثالثاً: الثقة الغالية بالمقاومة التي تمثل الثابت الإستراتيجي في بحر الصراع ومتغيراته المتقلبة والتي صنعت الأمجاد وبالمجاهدين والمخلصين من أبناء شعبنا الذين يحملون أرواحهم على أكفهم، يتجهزون بصمت للمعارك القادمة في فلسطين ويعلنون للعدو ولغيره أن لفلسطين رجالها وللقدس دروعها وللأقصى حماته، وإن أبناء المقاومة الفلسطينية ورجالها ينتظرون لحظة اللقاء ومعركة التحرير لتري المحتل هشاشة كيانه، هذه المقاومة التي تقف بالمرصاد للمؤامرات وتقوى وتكبر رغم الحصار والعدوان والتضييق، وتتحلى بالثقة المطلقة في المستقبل وبحتمية الانتصار وبتحرير أرضنا ومقدساتنا (ألا ان نصر الله قريب).

 رابعاً: الثقة بأمتنا وشعوبها التي ما تخلت يوماً عن تقديم الغالي والنفيس من أجل فلسطين وتحركت من أقصاها إلى أقصاها لتدعم مقاومة شعبنا وصموده وانتفاضته الأولى والثانية ولتقف مع شعبنا في وجه الحرب الصهيونية الأولى والثانية ولتكسر الحصار عن غزة، هذه الثقة بالأمة راسخة كالجبال رغم ما قد يبدو للبعض أنه انكفاء على الربيع العربي، فأمتنا قد كسرت عن نفسها حاجز الخوف والرضوخ، ولن يستطيع أحد كائناً من كان أن يقهر إرادتها أو يمنعها أن تحتضن قضاياها المركزية خاصة قضية القدس والأقصى بل نثق أنه إذا ما دعا أمتنا الداعي فإن استجابة الأمة ستكون أعظم بكثير مما يتوقعه الأعداء.

 خامساً: ثقتنا بمساندة أحرار العالم الذين يرفضون الاحتلال والظلم الذي يوقعه الصهاينة على شعبنا وقد شهدت شواطئ غزة التضامن الحقيقي لهؤلاء الأحرار في مشاركتهم الفاعلة في سفن كسر الحصار ونستذكر هنا المتضامنة الأمريكية راشيل كوري التي قضت على تراب غزة تحت جنازير إحدى الجرافات الصهيونية، وتحية لكل اللجان والشخصيات ومنظمات المجتمع المدني ومؤسسات حقوق الإنسان التي عملت من أجل كسر الحصار عن غزة ومقاومة الجدار والاستيطان، كما نستذكر العديد من أحرار العالم الذين وقفوا لصالح قضيتنا العادلة وضد الحرب الصهيونية على أرضنا، مما يعكس وعي الشعوب بعدالة قضيتنا ومدى ما يمثله الكيان الصهيوني من ظلم وعنصرية ضد شعبنا.

 وسادس تلك المسلمات: هو الثقة بحركتنا “حركة المقاومة الإسلامية  حماس” التي مرّ ما يزيد على ربع قرن على انطلاقتها وما زالت على العهد في تمسكها بمشروعها الوطني الجهادي وانحيازها لشعبنا العظيم ودفاعها عن مصالحه وحقوقه وثوابته الوطنية، وما زالت متمسكة بالمقاومة باعتبارها الخيار الإستراتيجي الحقيقي للتحرير، وما زالت الحركة كذلك بفضل الله في قوتها ومنعتها ووحدة صفها وتماسك قيادتها والتحامها مع جماهير شعبها وجماهير أمتها في كل مكان.

 الإخوة والأخوات:

 سوف نتطرق في هذا الخطاب للعديد من القضايا والملفات التي تشكل أولوياتنا واهتماماتنا في هذه المرحلة:

 أولاً: قضية القدس والأقصى:

 إننا نتابع باهتمام بالغ وبمشاعر القلق والألم والغضب ما يجرى في القدس والأقصى وما يدور حولهما من كيد وتهويد ومؤامرات ومهادنة ومساومة وتنازلات، فالأقصى يتعرض لخطة ممنهجة تهدف إلى السيطرة عليه وتغيير معالمه، والقدس اليوم تعاني من التهويد والتهجير والطرد، وإبعاد النواب والوزراء وتغيير البنية الديمغرافية وهدم المنازل ومنع البناء، وتدنيس واستهداف المقدسات الإسلامية والمسيحية، واغتصاب آلاف الدونمات لصالح المشروع الصهيوني (القدس الكبرى) الذي سينتهي عام 2020 (حسب مخططهم) والذي لن يتجاوز عدد المقدسيين عن 20% من سكانها وما الجدار العازل إلاَّ حلقة من حلقاته.

 كما أن الاحتلال شرع في الإجراءات العملية في القدس لتقسيم الأقصى مكانياً وزمنياً، وذلك من خلال السماح للمستوطنين والمتطرفين اقتحام المسجد واستباحته والإساءة إلى رمزيته الدينية والتاريخية ويسعى العدو إلى الوصول بالمسجد الأقصى إلى مصير مشابه لمصير الحرام الإبراهيمي تمهيداً لهدمه وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه، ويجري كل ذلك بقرار سياسي احتلالي صدر عن الكنيست وليس تصرفات فردية، وها نحن نرى على رأس المقتحمين أعضاء كنيست ووزراء وقيادات حزبية.

 وتتزامن هذه الهجمة الشرسة مع ممارسات العدو في الضفة الباسلة والتي لا تقل خطورة وعدوانية وتتمثل في: تسريع وتيرة الاستيطان وسرقة الأراضي وبناء الجدار والتهويد وتقطيع أوصال الضفة واعتداءات المستوطنين والقتل والقمع والحواجز والاعتقالات المتواصلة.

 ونحن ندرك بأن العدو يسارع في خطواته ضد القدس والأقصى والأرض الفلسطينية، مستغلاً المفاوضات التي لا توشك على الانتهاء ومستفيداً من التنسيق الأمني ومن واقعنا المؤلم المتمثل بالانقسام الفلسطيني، وانشغال الأمة بهمومها وجراحها المحلية، وحالة الاستقطاب الحاد، وتغييب المقاومة والملاحقة الأمنية لها ومطاردتها عبر ما يسمى بالتنسيق الأمني، واستخدام العدو للمفاوضات الفلسطينية الصهيونية غطاء لهذه الممارسات والاعتداءات وتجميلاً لصورته أمام العالم.

 الإخوة والأخوات:

 إننا أمام هذه الهجمة الشرسة التي تستهدف القدس والأقصى، نؤكد بأن المسجد الأقصى جزءٌ من عقيدة المسلمين ولن يكون إلاَّ إسلامياً خالصاً والأقصى لا يقبل القسمة الزمانية أو المكانية ولن يستطيع الاحتلال فرض سياسة الأمر الواقع عبر الاقتحامات والاعتداءات المستمرة ضد المرابطين والمصلين فيه، وإن جرائمه ضد الأقصى لن تجلب له حقا فيه ولن تفلح في طمس هويته وتغييب معالمه.

 وإذا نجح الاحتلال مؤقتاً في تشويه المعالم، ومصادرة الحقوق وتزوير الحقائق وتهويد المقدسات الإسلامية والمسيحية؛ فإنه لن ينجح في اقتلاعها من قلوبنا وعقولنا، ولن ينجح في إسقاط مهابتها وقداستها، فالقدس لن تسقط ما دام فينا عرق ينبض، وحماة أباة في الأقصى ترابط يسجلون مآثر الذين ساروا على طريق عمر وصلاح الدين والأبرار والصالحين، فمهما جرَّحوا في جنبها، ومهما دكَّوا من منازلها وزلزلوا من شرفاتها ومهما غيروا من عناوين ومهما فتحوا من زنازين، ومهما حفروا من أنفاق ستبقي القدس عصية على الغزاة والمارقين تئن من الألم ولا تستغيث، تنزف دماً ولا تستنجد.

 واليوم إذ نلتقي حول القدس

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات