الأربعاء 08/مايو/2024

الروائي الهودلي: الأدب المقاوم ومن يسير في ركبه عرضة للملاحقة

الروائي الهودلي: الأدب المقاوم ومن يسير في ركبه عرضة للملاحقة

عندما يتحدث الأديب من قلب المعركة، فإنك تشعر أنه يرسم خريطة جديدة لرحلة الصراع وحيثياتها وتفاصيلها عبر سطور نثره ورواياته، وكأنك جندي في هذه المعركة، فهو يصور الزمان والمكان ويقرأ ما بين سطوره قراءة وجدانية متأنية، ليخرج لنا بملحمة الانتصار التي تتحدث عن بطولات شعب هزم السجان وهو يتحدى القيد والعتمة ، لا بل صنع المعجزات في غزة العزة، التي وقفت شامخة أمام الرصاص المذاب، فحولت ليلها الفسفوري إلى  مقبرة للغزاة، وسرعان ما بزغت شمس الحرية لتضيء الوهاد والنجاد، وينتصر الدم على السيف.

إنها قصة شعب مقاوم قهر المحتل .. يرسم معالمها هذا الأديب الذي قضى في زنازين الاحتلال خمس عشرة سنة، وشاركه في تفاصيل هذه الرحلة زوجته وابنته الرضيعة، فكانت هذه الأسرة شاهد عيان على ظلم الاحتلال وجبروته … هكذا كانت مسيرة هذا الروائي الذي رسم بقلمه مأساة هذا الشعب عبر رواياته الفتية ومجموعاته القصصية الحية.
وفيما يلي نص المقابلة التي أجراها “المركز الفلسطيني للإعلام” مع الروائي الهودلي:

– من هو وليد الهودلي، وماهي أهم محطاته الحياتية؟
أنا وأسرتي جزء من نكبة هذا الشعب، فقد هاجر آبائي وأجدادي من قرية العباسية قضاء يافا عام 1948م، واستقر بهم المطاف في مخيم الجلزون للاجئين الفلسطينيين الذي يقع شمال مدينة رام الله، حيث ولدت هناك في أحد بيوت هذا المخيم البائس عام 1960م وترعرعت في أزقته، فتلقيت تعليمي الابتدائي والإعدادي في مدارس وكالة الغوث “الأونروا” وانتقلت إلى رام الله لإكمال تعليمي الثانوي، وبعدها إلى معهد المعلمين في نفس المدينة فحصلت على دبلوم في الرياضيات، ومن ثم أصبحت مدرسا لعدة سنوات، سجلت لبرنامج الماجستير في جامعة القدس وبدأت مشوار الدراسات العليا، لكن الاعتقال في سجون الاحتلال حال دون ذلك، وكحال الشعب الفلسطيني، كانت القضية الفلسطينية شغلي الشاغل، فانخرطت في العمل الوطني، وتعرضت للاعتقال من قبل سلطات الاحتلال مرات عدة قضيت خلالها في السجن نحو خمسة عشر عاما، كما تم اعتقال زوجتي عطاف عليان فهي أسيرة محررة أمضت في سجون الاحتلال عشر سنوات، وكذلك اعتقلت ابنتي مع أمها وكانت ابنة يومها.

– متى بدأتم الكتابة ومن أين خرجتم بفكرة الأدب المقاوم؟
كان بدايتي في الكتابة داخل السجن من خلال كتابة النشرات، نشرات التعبئة المعنوية التي كانت توجه للأسرى داخل هذه السجون، ومع الوقت أصبحت أتفنن في كتابة هذه النشرات، بحيث حولتها في بعض الأحيان إلى حوار أدبي، ومن ثم إلى قصة قصيرة.

بدأت الجدية في الحكاية عندما طلب مني مجموعة من الأسرى يطلق عليهم (أسرى دوريات العرب)، كتابة قصتهم قبل الإفراج عنهم من سجون الاحتلال، بعد قضائهم ثلاثة عشر عامًا، فقمت بكتابة قصتهم، وأخرجوها معهم للخارج وقاموا بطباعتها في بيروت، وهذا كان أول إصدار لي في عالم القصة والتي كانت بعنوان “الشعاع القادم من الجنوب”.

في الانتفاضة الثانية، وجدت أن الشباب يقعون في نفس أخطاء الذين وقعوا بها في الانتفاضة الأولى أثناء التحقيق وخاصة في (غرف العصافير) التي يتم فيها انتزاع اعترافات الأسرى بطريقة الغبن وإشعارهم أنهم بين إخوانهم الأسرى، فيتفاجؤون أنهم بين عملاء يعملون لصالح الشاباك.

فكان هناك اقتراح من قبل القائد الأسير محمود عيسى بأن أكتب بحثا عن موضوع “العصافير” والتحقيق داخل السجون الصهيونية، فكانت وجهة نظري أن البحث سيكون ثقيلا على القراء ويجب أن تكون هذه المعلومات التي نريد أن نكتبها على شكل قصة، وفعلا في العام 2000 بدأت بكتابة هذه القصة التي أطلقت عليها (ستائر العتمة) والتي كانت عبارة عن مجموعة من القصص التي مررت بها وسمعتها من الآخرين وقمت بتجسيدها بقصة واحدة جمعت فيها كل تفاصيل عملية التحقيق داخل السجون الصهيونية.

– هل الأدب المقاوم بحاجة إلى تطوير؟ أم أنه يراوح مكانه؟
كل شيء بحاجة إلى تطوير ولا توجد تجربة تبدأ مكتملة، وكل ما كتبته أعتبره محاولات لتلبية الحاجة، فسر نجاح (ستائر العتمة) أنها لامست حاجة من حاجات الشباب الفلسطيني، فكل شاب فلسطيني عرضة إلى الاعتقال، وكل شاب فلسطيني يريد أن يعرف ماذا يحدث داخل المعتقل، لذلك لامست حاجة هامة للشباب الفلسطيني، والآن هي تحتاج إلى تطوير، فالاحتلال يطور أساليبه ويطور ظلمه وقمعه وطرقه في التحقيق مع الشباب الفلسطيني، لذلك يجب أن نتطور في الرد على هذا الاعتداء، وكيف نحمي الروح التي تستطيع أن تنتصر وترد على العدوان وهذا هو مفهوم الأدب المقاوم.

– كيف كنتم تخرجون إنتاجاتكم الأدبية؟ وما هي آلية النشر في الخارج؟
في عام 2000 أنهيت كتابة قصة ستائر العتمة، بعد مشقة ومعاناة طويلة، وكنت في عجلة من أمري لإخراجها، وفي أثناء كتابتي في الفصل الأخير جاءني قرار بالنقل لسجن “هداريم” يوم الأحد، وكان ذلك اليوم يوم خميس، ولم أُنْهِ به كتابة هذه القصة، وخوفًا من ضياعها أو مصادرتها أثناء النقل، عملت على الكتابة من يوم الخميس حتى صباح الأحد دون ساعة واحدة من النوم، وأتممتها قبل خروجي لسجن “هدريم”، وأوصيت الشباب هناك أن يرسلوها للخارج وأن تتم طباعتها، ولكن بعدما تم إخراجها بقيت لمدة سنة كاملة بحوزة أشخاص خائفين من نشرها، وفي أثناء هذه المدة بقيت على اتصال واستفسار حولها وماذا حصل بها، هل طبعت أم لم تطبع، فقمت بطلبها مرة أخرى من سجن “عسقلان”، لإرسلها مرة أخرى للخارج، وتم إرسالها للكاتب والشاعر الفلسطيني متوكل طه مدير بيت الشعر الفلسطيني الذي تنبه لها بشكل جيد عند اطلاعه عليها، وقال: “إن هذا القصة ستنجح نجاحًا كبيرًا، وعمل بسرعة على طباعتها من خلال المؤسسة الفلسطينية للإرشاد القومي والتي انبثقت عن بيت الشعر الفلسطيني، فكانت “ستائر العتمة” هي الإصدار الأول الذي يتم طباعته في هذه المؤسسة وبعد خروجي في العام 2002، تم طباعتها سبع طبعات بمعدل 40 ألف نسخة، وفي غزة تم إعطائهم الإذن بطباعة 10 آلاف نسخة، وهذا رقم قياسي في فلسطين حيث إنه لم يتم طباعة كتاب داخل فلسطين بكمية تتجاوز عن 2000 نسخة.

– ألم تفكروا في جزء آخر لـ “ستائر العتمة” وخاصة بعد تطور أساليب التحقيق في سجون الاحتلال ؟
نعم، نحن بحاجة إلى جزء ثان لـ “ستائر العتمة”، وفكرت بذلك مليًا، الحقيقة أن الكتابة في هذا الاتجاه هي معرفة ووعي، والمعرفة والوعي شرطان أساسيان للنجاح والصمود، لكن كل ذلك يحتاج للإرادة … الإرادة الحية الفتية، فمن الممكن أن يمتلك كاتب المعرفة والوعي ولكنه لا يمتلك الإرادة، عندها لا يستطيع أن يقاوم هذا المحتل، فلابد من الإرادة كأساس للجزء الثاني من القصة، لا بل ينبغي أن يكون هذا الجزء عن الإرادة نفسها، ينميها ويقويها، لذلك فإنني سأركز في الجزء الثاني على الجانب المعنوي، وعلى كيفية صناعة إرادة قوية يستطيع من خلالها الشاب الفلسطيني تحقيق الانتصار على السجان والمحقق الصهيوني.

– كيف اختلفت التجربة القصصية في رواية (ليل غزة الفسفوري) كونك لم تعيش الحدث؟
معرفتي في العمل الروائي أنه يوجد به جانب من الخيال، فقوة الخيال هي عامل نجاح للعمل الروائي، فأنا حاولت أن أعيش بخيالي من خلال مشاهدات حية وواقعية، وكنت في تلك الفترة أعيش في سجن النقب، فأشاهد الطائرات الحربية الصهيونية وهي تخرج من قواعدها العسكرية في النقب باتجاه غزة وفي نفس الوقت نشاهد على التلفاز ما فعلته هذه الطائرات من دمار وقتل ورعب في هذا الشعب الفلسطيني، فهنا كان لابد للخيال أن يعمل عمله بالتزامن مع الشواهد الحية من خلال التلفاز والصحف والإذاعات، ليكوَن لي طبيعة المشهد وطبيعة الواقع والتجربة.

– ما هو المشهد التراجيدي في رواية (ليل غزة الفسفوري)؟
كان المشهد التراجيدي مشهد غير عادي، تكون عبر الركام وما تخلفه هذه الحرب من دمار وقتل وفي نفس الوقت من مآسي إنسانية، أنا حاولت من خلال هذه القصة أن أتتبع حياة مسعف وتجربته في غزة، وماذا يمكن أن يرى هذا المسعف، فالقصص التي رويتها تكونت من خلال مشاهدات هذا المسعف، فكلها مشاهد تراجيدية مؤلمة وليست عادية، فقد بلغ هذا المشهد ما لم يبلغه الخيال الأسود، فهذا المسعف يعود للبيت فيجد البيت ركاما، وقد قتل والده وإخوته، والجديد في القصة أنها طرحت المعادلات، معادلات الصراع على جبهات عدة، فبطل القصة علاء كان في صراع على جبهة خارجية مع العدو الصهيوني، وكان أيضا على صراع مع جبهة داخلية وهم الناس المحبطون في المجتمع، كما أنه كان على جبهة عاطفية أشد وأصعب من أي جبهة أخرى، وهي خطيبته في مصر التي تبعث له رسائل بشكل دائم تريد بها أن يكون سالما معافى، محاولة أن تحيده عن الصراع وأن يبقى متفرجا، بالإضافة إلى صراعه مع الأجنبي من خلال الإنترنت، فهو يقاتل على عدة جبهات، والقارئ يستطيع أن يرى جميع معادلات الصراع من خلال هذه الرواية.

أتصور أن الرواية عبارة عن عملية شحن وجداني وعاطفي وفكري ونفسي في كل أوجه الصراع الموجودة والتي من المفترض أن تكون موجودة في أي حرب قادمة، أنا أتصور أن هذه الرواية تشكل دعما معنويا لشعب يقاوم الاحتلال ولا يزال في كل لحظة داخل المواجهة، فهو بحاجة إلى الشحن المطلوب.

– هل قل الاهتمام بالأدب المقاوم في زمن المساومة؟
في ساحة المعركة يوجد أدب مقاوم وأدب مساوم، وهما في صراع نحو الحياة، فالأدب المقاوم يرى الحياة في العزة والكرامة والتضحية، أما الأدب المساوم فالحياة بالنسبة له متع ونعيم وهمي لا يعيش إلا في دركات الذل والمهانة.

نعم لقد اختلف الاهتمام بالأدب المقاوم عما كان عليه في الأيام السابقة، فالبيئة التي نعيشها اليوم بالضفة الغربية تجسد الهبوط والنزول عن الجبل، فغياب الانتفاضة هو الذي أدى إلى هذه النتيجة، لأن الانتفاضة كانت حالة مد ثوري ومقاوم وكذلك صمود وتحدٍّ للعدو، فغياب مثل هذا العمل المقاوم يؤدي إلى هذا الهبوط في الروح لدى الشعب.

ونحن اليوم في الضفة الغربية في أوج هذا الهبوط على عكس الوضع في قطاع غزة، لأن الشعب الفلسطيني هناك دائما ينتظر حربا قادمة وقائمة ولا يوجد عندهم حالة ركون.

– كيف يعالج الأديب حالة الركون والانهزامية في ظل صراع الإرادات ؟
هنا يأتي دور الأدب الملتزم الذي يحمل القيم والأخلاق، والأدب المقاوم هو جزء من هذه الرسالة، ولكن الرسالة بشموليتها في الأدب الذي يحمل عقيدة وانتماء وكذلك روحا، وهنا يكمن دور الأديب الملتزم بقضايا أمته ووطنه وشعبه، يعمل دائما على إنقاذ الروح وزرع سمات التحدي في شعبه … لا يجوز للأديب أن يكون محايدا، بل ينبغي أن يكون صاحب مدرسة وفكرة يدافع عنها ويحاول أن يضم نخب شعبه لهذه المدرسة حتى يساهم في عملية التأثير والتغيير.

– أين يحلق الكاتب والأديب وليد الهودلي في أدبه في ظل الهجمة الشرسة على الأقصى والقدس?
القدس هي القلب، ومن لا يحلق في سمائها بشعره وأدبه ونثره ورواياته وقصصه فهو ليس بطائر! فاهتمامنا بالقدس يوجه البوصلة نحو الاتجاه الصحيح، فإن نسينا القدس نسينا أنفسنا وحالنا، والأدب الملتزم ينبغي أن يتجه نحو القدس والصراع الدائر في ساحاتها.

إن الصهاينة يعملون على طمس هوية القدس ومسخ معالمها، فما أحوجنا اليوم إلى حركة أدبية متخصصة بالدفاع عن القدس ووصف حالها واستنهاض طاقات الأمة للدفاع عنها … فنحن أطلقنا على مركزنا اسم (مركز بيت المقدس

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات