السبت 27/أبريل/2024

مذكرات القائد القسامي الأسير سليم حجة (الجزء الأول)

مذكرات القائد القسامي الأسير سليم حجة (الجزء الأول)

شقة شارع رقم 10 وما أدراك ما شقة شارع رقم 10، هي الجامعة والمبنى والمخبأ، وغرفة العمليات وغرفة الاجتماعات هنا كان القسام، هنا فكر وخطط ودبر، وهنا تدربوا إلى أن اصبحوا قادة وشهداء وأسرى، من هنا انطلق العمل العسكري، وانطلقت الضفة لتذيق العدو ويلات جرائمه من هنا انطلقت نابلس ورام الله وجنين وطولكرم وقلقيلية، إلى هنا جاءت الخليل ومخيم جنين وبيت لحم، وهنا تواصلت غزة، هنا وقع اسمه بالدماء المجاهد أيمن حلاوة، صلاح دروزة، هاشم النجار، ضياء الطويل وقيس عدوان، طاهر جرارعة، ومهند الطاهر وأحمد مرشود، من هنا سمعت أصوات الانفجارات وصفارات الإنذار في القدس وفي تل الربيع ونتانيا وحيفا، من هنا صدر البيان الأول للقسام، من هنا جاء الوعيد بالرد والانتقام، من هنا صور أول استشهادي هنا كانوا على لائحة الاغتيال، جزء ممن كانوا تم اغتيالهم.

والجزء الآخر بقي ليروي الحكاية، هنا كتبت الصفحة الأولى من حكاية القسام وعملياته الجهادية، هنا كان أيمن حلاوة وسليم حجة وصلاح دروزة هنا كان مثلث الرعب القسامي أيمن وصلاح وسليم، من هنا بدأ العدو يعد قتلاه واحد .. اثنان .. وحتى الألف… من هنا عادت حماس، من هنا فتح العدو المآتم والمقابر، من هنا كبر الشعب، من هنا أصبحت نابلس كابوس الرعب، من هنا تغيرت المعادلة لم نعد نستقبل قتلانا أو نعد شهداءنا… قتيلا بقتيل، والأشلاء زيادة.

في شقة شارع رقم 10، هنا جلس أيمن، هنا خطط سليم، هنا صور ضياء الطويل، هنا كان بلال البرغوثي، هنا تعلم عبد الله البرغوثي التصنيع، الباب، الحائط، الشباك والبلاط، كلها تشهد على القسام وأحفاد القسام، من هنا بدأ أيمن حلاوة وسليم حجة، هنا غرفة أسرار القسام وأرشيفه، هنا لو تكلمت هذه الشقة حتما ستقول كلمة واحدة فقط: القسام … القسام … القسام، هنا شقة الشهداء والأسرى، هنا كانت قصة الشهادة والشهداء والقادة والأسرى.

هنا شقة “أم العبد” و”أم يحيى” و “القسام 19″، هنا المصنع، من هنا أرسلت الطرود المفخخة أو تعلم من أرسل العبوات الناسفة، والاستشهاديين إلى اسبارو والتلة الفرنسية والدولفرانيوم ونهارية ونتانيا.

من هنا نبدأ بالكلام على لسان من شارك في صنع الحدث، وصنع المجد والانتصار، المجاهد الأسير القائد القسامي سليم حجة يكشف لأول مرة بعضا من أسرار هذا المكان.

البداية:
شقة شارع رقم 10، تقع في منطقة رأس العين، شارع طارق بن زياد، الطابق الأرضي لإحدى العمارات التي لم يخطر ببال صاحبها بأنها ستصبح أشهر بيت في فلسطين في وقت ما. موقع الشقة متميز من الناحية الأمنية لاحتوائها على مدخل مستقل بخلاف المدخل الرئيسي للعمارة، هذا الشيء جعل أبناء القسام يختارونها ويفضلونها على الشقق الأخرى، هذا المدخل جعل حركة المجاهدين سهلة فهناك كنا نلتقي، وحديث المجاهد سليم حجة مع القادة الشهداء، مع أيمن حلاوة وآخرين، وأصبح المكان بديلا عن أماكن الاجتماعات الأخرى التي كانت تتم سابقا في الشارع أو المقاهي.

في البداية كان الهدف من وجود هذه الشقة إجراء تجارب التفجير عن بعد، حيث كانت تتم التجارب على مواد كيماوية بكميات محدودة، إضافة الى اللقاءات والاجتماعات الجهادية، ثم لاحقا أصبح مكان لتحضير العبوات الناسفة التي أرسلت إلى المدن الصهيونية موقعة باسم شقة شارع 10 وعليها بصمات أيمن حلاوة والذي كان لقنابله طعما وحلاوة لم نعهده من قبل.

الغطاء:
استأجر المجاهد سليم حجة الشقة تحت غطاء أنه طالب في جامعة النجاح ولعدم قدرته على العودة إلى بلدته “برقة” بسبب إغلاق الاحتلال الشوارع فاضطر إلى المبيت في نابلس واستأجر هذا المكان لينام فيه وهكذا كان.

مسيرة الشقة الجهادية:
في الأيام الأولى كان ينام في الشقة كل من الشهداء المجاهدين مهند الطاهر وطاهر جرارعة ثم لاحقا وقع اسمه على قائمة الشرف وقائمة من دخل هذه الشقة الاستشهادي القسامي الشهيد ضياء الطويل الذي جاء من رام الله وفيها صور وصيته ونام فيها ليلته الأخيرة.

وهنا صنعت العبوة التي فجرها المجاهد زيد الكيلاني وقتلت صهيونيا وجرحت تسعة آخرين. وصنعت عبوات ناسفة أخرى لم يسفر استخدامها عن إصابات لأنها كانت في طور التجريب. وإلى هنا حضر المجاهد مازن ملصة الذي جاء من الخارج حيث استقبله المجاهد صلاح دروزة وسلمه إلى المجاهد أيمن حلاوة وكان المجاهد ملصة يحمل معه رسائل دوائر كهربائية ونشرات أمنية وقام مازن بتدريب أيمن حلاوة على تصنيع مادة النيتروجليوكين أو “أم العبد” المذابة في الكلوروفورم من أجل زيادة قوتها ودربه على العبوات الجانبية المضادة للمركبات والعبوات التلفزيونية وكيفية صناعة الدائرة السابعة، المختصة بالتفجير من خلال الجوال وأحضر معه أيضا نشرات الامن الجنائي، المجاهد أيمن حلاوة أجرى بجهوده تجارب على دوائر الالكترونية لأن التصاميم التي أحضرت من الخارج لاتتوفر بكاملها عندنا لان الأسواق لا تحتوي على الكثير من القطع الالكترونية التي يمنع الاحتلال بيعها عندنا وقد نجح فيها لتصنيع عبوات متطورة تنفجر عن طريق الريموت كونترول.

هنا تدرب وتخرج مهندسو القسام وخبراء التصنيع الذين لقنوا العدو الصهيوني الدرس ومنهم المجاهد ناصر نزال من قلقيلية حيث تدرب في هذه الشقة على تصنيع “أم العبد” والعبوات التلفزيونية والعبوات الجانبية والمجاهد عبد الله البرغوثي من قرية بيت ريما حيث تدرب على يد المهندس الشهيد أيمن حلاوة على تصنيع مادة واحدة وهي “أم العبد” المذابة في مادة الكلوروفورم وقد بقي المجاهد عبد الله البرغوثي حتى لحظة اعتقاله يستخدم هذه المادة وقد نقل ما تعلمه من المجاهد أيمن حلاوة الى العديد من المجاهدين والمهندسين القساميين. في هذه الشقة أيضا حضر المجاهد القائد بلال البرغوثي لقاءات واجتماعات مع المجاهد أيمن حلاوة وبعد أن قام بلال البرغوثي بتجنيد عبد الله البرغوثي وبناء على طلب من أيمن حلاوة تم إحضار عبد الله البرغوثي إلى هذه الشقة حيث تعلم، استمرت هذه الشقة مع القسام قرابة مئتي يوم كانت كلها أيام سوداء على الاحتلال وأعوانه.

حادثة الانفجار:
قام المجاهد أيمن حلاوة بتصنيع عبوة ناسفة فأعطاها للمجاهد سليم حجة “أبو عمر” ثم غادر بها وبعد أن سار أبو عمر مسافة تقارب الثلاث مائة متر سمع صوت انفجار في البيت الذي غادره للتو هذا الانفجار سمع أيضا في سلطة رام الله ومركز الشاباك في تل أبيب، كأن هذا الانفجار أعلن للعالم الكشف عن المجموعة التي هزت هذا الكيان المجموعة الأخطر التي زرعت الرعب في كل شوارعها، المجموعة التي جعلت الصهاينة يفتحون مقابرهم لاستقبال أشلاء قتلاهم، هنا ظهر للعالم الثنائي المرعب المجاهدين أيمن حلاوة وسليم حجة، بعد أن سمع المجاهد سليم صوت الانفجار خشي على صديقه أيمن أن يكون قد تم اغتياله وحتى يتأكد، قام بالاتصال على أيمن ولكن أحدا لم يرد، عندها ازداد يقينه أنه قد استشهد، وصار التوجه إلى الشهيد أحمد مرشود، ذلك المجاهد الذي أوصل وفتح خط بين سليم مع المجاهد صلاح دروزة وقد طلب المجاهد أحمد مرشود من المجاهد سليم الاختفاء عن الأنظار حتى يستوضح الأمر خاصة أن الشقة مستأجرة باسم سليم حجة، حاول الأخ أحمد مرشود أن يسوي الأمر مع السلطة بحيث أن لا تعتقل إلا أن السلطة لم تستجب لذلك وبدأت تبحث عن سليم حجة الذي أصبح مطلوبا رقم واحد لها ولإسرائيل، هذا وبدورها أجهزة أمن السلطة حاصرت المنطقة والشقة  حيث عثرت فيها على حقيبة متفجرات وأسلحة أف 16 ومسدس ودوائر كهربائية، وبعد أن لملمت الموضوع مع السلطة، طلبني أحمد مرشود يقول سليم حجة قال لي إن هناك لقاء يجب أن أحضره مع جمال منصور وصلاح دروزة ويجب علي كتابة تقرير عن ما جرى وعن العمل العسكري ككل.

ذهبت إلى بيت المجاهد صلاح دروزة الكائن في وادي التفاح ووجدت الأخ صلاح دروزة “أبو النور” ولم أجد الشيخ جمال منصور الذي كان من الصعب أن يحضر اللقاء؛ حيث أخبرت أبو النور كيف حدث الانفجار وأنه حادث عمل وليس محاولة اغتيال لنا وقدمت له تقريرا عن سير العمل العسكري.

كيف حدث الانفجار:
بعد أن صنع الأخ المجاهد أيمن حلاوة العبوة الناسفة، تبقى جزء من المادة المذاب بالكلوروفورم الذي صنعت منه العبوة في “جاط” أو قعرة، ورغم قلة المادة إلا أنها بعد أن نشفت بمجرد تحريك المجاهد أيمن حلاوة المادة بالمسطرة من أجل تجميعها حدث انفجار هائل أصاب المجاهد أيمن حلاوة بجراح بالغة نتيجة طيرانه وارتطامه بالأرض وأدى إلى تدمير جدران الشقة وانهيار جزء منها إضافة إلى الشبابيك والأبواب هذا الانفجار الذي سمع في مختلف أنحاء مدينة نابلس؛ لم يقتصر فقط في مدينة نابلس بل سمع في “تل أبيب” في مقر الشاباك وهناك حدثت الصدمة والفاجعة عندما بدأت أسماء المجاهدين تظهر أمامهم؛ سليم حجة الذي يسكن في برقة، في منطقة  تحت السيطرة الصهيونية ويمر يوميا من أمام جنود الاحتلال، كيف حدث ذلك؟! أين كان عملاؤهم ومخابراتهم؟! وبدأوا يتساءلون عن طبيعة العقول التي تقف في مواجهتهم، عندها أدركوا أن المعركة هذه المرة مختلفة لأن نوعية هؤلاء الرجال، نوعية جديدة لم يعتادوا عليها.

نعود إلى الشقة وإلى المجاهد أيمن حلاوة الذي أرسل رسالة لكل مجاهد من أبناء القسام بأننا سنحمي هذه الدعوة والحركة بأرواحنا ودمائنا مهما كانت الظروف، ورغم إصابته البالغة، أخذ بعض الأوراق والديسكات الهامة والخاصة بالقسام وأعطاها مع بعض الأغراض الأخرى لأحد شباب الحركة، وفور أن اطمأن عليها فقد الوعي ودخل حالة الخطر حيث نقل إلى المستشفى وخلال تواجده في المستشفى وهو في حالة الإغماء، شعر جميع الأطباء والممرضين طبيعة علاقة هذا الإنسان الذي لا يعلمون عنه شيئا مع الله، إذ إنه طيلة فترة غيابه عن الوعي؛ كان لسانه رطبا بذكر الله بشكل مستمر وغير منقطع مما أذهل كل من حضر وتواجد في هذا المكان، حيث ظن البعض أن هذا الرجل جاء إلينا من عالم آخر ولا ينتمي لجنسنا. منذ اللحظة الأولى التي دوى فيها صوت الانفجار الذي حدث في الشقة؛ بدأت روحا جديدة للعمل للقسام في نابلس إذ إن أيمن حلاوة وسليم حجة أصبحا مطاردين للاحتلال وللسلطة التي نشرت أسماءهم وصورهم في الصحف العبرية موضحة أن هذين الاسمين هما وراء الدماء التي سالت في المدن الصهيونية وأصبحت هذه الأسماء عناوين للمقاومة، وقبل أن نقفل باب هذه الشقة التي عم صداها فيما بعد وعما تخفي فيما بين جدرانها ما لم يسمح لنا البوح به؛ إلا أنه غادر مع من غادروا هذه الدنيا لابد لنا من أن ننوه ونذكر أن المجاهد الاستشهادي زياد الخليلي منفذ عملية الحمراء والشهيد إبراهيم أبو هواش صاحب المهمات الصعبة قد تربوا فيها حيث تعلموا قراءة القرآن وأخذوا الأسر الحركية وحضروا الصلوات الجماعية في رمضان وتقربوا الى ربهم في القيام فيها، نهاية الحكاية لو علم الاحتلال سر هذه الشقة وما يجري بداخلها لكان هاجس الخوف في جيشه وأجهزة أمنه كلما فتح الباب فيها وأغلق وبعد أن علموا فعلوا ودمروا واغتالوا ولو علم أبناء حماس عنها لكان الواجب على كل من ينتمي إلى الحركة؛ أن تكون بيعته في هذه الشقة.

هذه ذكريات القسام في هذا المكان ها هنا متحف القسام؛ متحف المقاومة والجهاد والاستشهاد تعودنا أن نتحدث عن حياة العظماء والشهداء  لكننا اليوم نتحدث عن شقة شارع 10 بداخلها صنعوا لنا القوة التي أصبح عدونا يخشاها منا، قدمنا عن مكان كان الأول في كل شيء… أول عبوة …أول استشهادي يصور في هذه الانتفاضة… أول مكان يكون فيه الموت القادم للعدو… وقد يكون كل ما ذكرناه هو جزء مما جرى في هذه الشقة المباركة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 


الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات