الأربعاء 08/مايو/2024

كتاب «سلطة الإقصاء الشامل: تشريح الحكم الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة»

كتاب «سلطة الإقصاء الشامل: تشريح الحكم الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة»

صدر كتاب «سلطة الإقصاء الشامل: تشريح الحكم الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة» مطلع السنة عن دار «زون» في نيويورك وكان بدأ العمل في بعض الدراسات التي يضمها منذ 2003 بعدما نظم معهد «فان لير» للدراسات البحثية في القدس مؤتمراً عن «السياسات الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة» بمشاركة العديد من المنظمات والباحثين بما في ذلك المنظمات الحقوقية الفلسطينية.

وأثار الكتاب الذي يضم وثائق وصوراً ودراسات جدلاً واسعاً سواء في الأوساط الإسرائيلية التي دانته باعتباره «مطبوعة تهدف الى نزع الشرعية عن دولة إسرائيل» أو حتى داخل الوسط الأكاديمي «اليساري» وتحديداً في الجامعة الأميركية في بيروت حيث يدرس أحد المشاركين في الكتاب وهو الباحث في علم الاجتماع ساري حنفي. ونظم بعض زملاء حنفي وبعض الطلاب في الجامعة احتجاجاً طالبوا فيه بعدم زج اسمها في عمل شارك فيه كاتبان وباحثان إسرائيليان، في ما اعتبروه خرقاً لمقاطعة إسرائيل ونوعاً من التطبيع «الفكري والثقافي» معها. جاء ذلك وسط مخاوف واتهامات من أن يكون معهد «فان لير» المذكور موّل العمل على الكتاب.

رد دار النشر النيويوركي «زون» بنفي مصدر التمويل هذا، مضيفاً صفحة للتصويب إلى النسخ التي لم تطرح في السوق بعد، فيما أقام زملاء حنفي وبعض الطلاب في الجامعة الأميركية الثلثاء الماضي جلسة «مساءلة» له كانت مغلقة ولم يسمح لوسائل الإعلام بتغطيتها، لكنها أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الأكاديمية والثقافية في بيروت.

 

في ما يلي عرض للكتاب:

«سلطة الإقصاء الشامل: تشريح الحكم الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة» كتاب يقدم تحليلاً مفصلاً لهيكلية وآليات نظام الاحتلال والطرق التي تلجأ اليها إسرائيل لنشر تقنيات القوة ومنظومات السيطرة والهيمنة للاستمرار في إحكام قبضتها على المناطق الفلسطينية المحتلة. وهو كتاب حرره ساري حنفي الباحث في علم الاجتماع، إلى جانب كل من وادي أوفير، أستاذ في الفلسفة في جامعة تل أبيب، وميخال جيفوني أستاذة في النظرية السياسية في جامعة بن غوريون. وجمع الكتاب مجموعة من الدراسات قام بها باحثان إسرائيليان مناهضان للصهيونية وداعمان للقضية الفلسطينية. وتتمثل قوة الكتاب في انه شرّح سلطة الاحتلال ليس فقط كاستعمار وحشي، أو كنظام فصل عنصري يهودي بل هو خليط من الاثنين وبالاحرى حالة فريدة من العنف المركز على مستويات عدة. وتناول الكتّاب الثلاثة نظام السيطرة على الأراضي المحتلة الفلسطينية من خلال خمس آليات:

الإخضاع من دون اية حقوق للفلسطينيين، والفصل، والدمج الاستعماري، وتطبيع حالة الاستثناء وأخيراً التواطؤ بين سلطة الاحتلال والمنظمات الإنسانية. ومن هنا جاء عنوان الكتاب «سلطة الإقصاء الشامل»، اي سلطة تتبارى باستخدام آليات الفصل: الخط الأخضر لفصل اليهود عن الفلسطينيين، وفصل السكان الفلسطينيين (كما في فصل نيفي كوردون) وشرذمة الأراضي الفلسطينية التي قسمت من قبل إسرائيل وفق النظام الجديد إلى ثلاث مناطق (أ، ب، ج)، وآليات الدمج الكولونيالي: ضم اراض الى المستوطنات اليهودية، فتح المجال للعمالة الفلسطينية (كما في فصل ليلى فرسخ)، او التبعية الاقتصادية (فصل كارولين أبو سعدة)، ما يجعل هذا النظام الاحتلالي سمة مختلة التوجهات للمحتل ومن هم تحت الاحتلال (فصل رونن شامير).

اعتمد الكتاب على نظريات فلسفية حديثة مستقاة من جوجيو أغامبن وميشيل فوكو مما يجعل قراءته صعبة إلى حد ما، ولجعله في المتناول قدم الكتاب ثلاثة مشاريع اعتمدت وسائل أقل تقليدية من التوثيق والتحليل: أولاً تسلسل زمني لنظام الاحتلال، (1967-2007)، للباحث والمؤلف أرييل هاندل. وثانياً «ملفات الاحتلال»، وهي مجموعة مختارة من الوثائق قام بتجميعها ميخال جيفوني تبين كيف أحكم الطوق على مدن فلسطينية بوثيقة عسكرية لا تتجاوز بضعة أسطر. وأخيراً، «في الشروط المكانية الإنسانية»، مقالة بصرية من خمسة فصول، مرفقة بمجموعة مختارة من الصور الفوتوغرافية المعلق عليها من أرئيلا أزولاي. وهو جزء من معرض صور عن الاحتلال جاب بعض الجامعات الاسرائيلية وتم إغلاقه بالقوة من بعض سلطات الجامعات نظراً لفظاعة تصويره للعنف اليومي للاحتلال.

إذا أردت أن تسكن اليوم بأمان في الضفة الغربية، عليك أن تعرف حدود منـطـقتك وتـرى العربات العسكرية، وعليك أن تتعلم التـعايـش مع مـساحات مجزأة وأسلاك شائكة وبوابات تغلق الطرقات وتجعلك تنتظر ساعات طويلة على نقاط التفتيش. وتؤكد مقدمة الكتاب ان الاحتلال ينظم هذا الواقع بطريقة منهجية مستخدماً القوانين المعقدة واللوائح، يساعده جهاز بيروقراطي لا يمكن التنبؤ بقراراته، اضافة الى السيطرة الاستنسابية على التدفقات الاقتصادية، والاستخدام الممنهج للعنف العسكري.

يكشف «سلطة الإقصاء الشامل» عن المنطق الكامن وراء تشكيل وإدامة نظام الاحتلال الإسرائيلي الذي يشرح الطبيعة العنيفة للنظام ليس فقط في الأراضي الفلسطينية ولكن داخل الخط الأخضر. وتسعى مجموعة المقالات التي يضمها الكتاب الى الكشف عن أوجه التشابه التي تجمع بين الاحتلال الإسرائيلي وغيره من أشكال الحكم والاحتلال التمييزية، والمعاصرة. ففي الوقت الذي عاد الاحتلال الى الظهور على الصعيد العالمي، وباتت الكوارث السياسية في تزايد مستمر، وعمليات السيطرة والهيمنة وفرض التطبيع على السكان تحت الاحتلال، يأتي هذا الكتاب ليقدم مجموعة جديدة من الأفكار الأساسية لمقاربة أنظمة الطوارئ والاستثناء في السياقات الاستعمارية.

قد لا يقدم الكتاب منـظوراً جـديداً فـي تاريخ الصراع نفسه، وتركيزه لا ينصب على أصول الاحتلال أو سياقه الـتاريخي، لكنه يتناول الاحتلال بصـفتـه نـظـامـاً ســياسـياً فريداً، مكوناً من مـجموعة من أجهزة الدولة وأخرى غير تابعة للـدولة كـحـالة ذهـنية، وكسلسلة من التقنيات السياسية التي ينبغي أن تكون محل درس في حد ذاتها.

لا يهدف الكتاب بحسب محرريه الى دراسة تاريخ الصراع، والاستعمار، ونضال الشعب الفلسطيني، ولا يهدف الى تقديم حلول للمسـتقبل، وتـوجهات لعملية السلام، ولكنه يركز على تحديات الحاضر (تكنولوجيات الـسيطـرة الاسـرائيلـيـة) الـذي اهـمله الكثير من الباحثين.

ويظهر حذر الدراسات التي جمعت في الكتاب من اعتبار الاحتلال هاجساً سياسياً وقانونياً، أو اعتبار سياسات إسرائيل شفافة كما قد يروّج له. فهي تحرص على عدم إلغاء جزئية الاحتلال باعتباره جزءاً بنيوياً من المشروع الاستعماري الصهيوني الإسرائيلي التوسعي.

والاحتلال الإسرائيلي هنا مجموعة غير مستقرة من تقنيات السلطة التي تحد من مساحة الفعل (العنف الاحتلال) ورد الفعل (المقاومة) لقضاياها.

المقالات التي جمعت في هذا الكتاب جاءت لتستكشف السبل التي تمكّن هذه التقنيات من تطبيق القيود المفروضة على أولئك الذين يعتقدون أنهم يمسكون بزمام الأمور في قيادة سلطة الاحتلال الاسرائيلي. سبل يمكن من خلالها أن تـقوم هـذه التقنيات بالاستسلام لعواقب غير مقصودة، تميل على ما يبدو الى منع اتخاذ القرارات العقلانية وتعرّض للخطر الخطط السـياسـية على أنواعها. وبحسب المحررين، لا تكفي دراسـة لحظات العنف الوحشي العسكري (القصف والتدمير الممنهج) ولكن ايضاً الحياة اليومية للفلسطينيين الحافلة بالعنف «العادي» الممنهج بدوره ولو أنه من دون دماء، وهذا ما سـماه سـاري حنفي بـ «التطهير المكاني». وبدلاً من دراسة الحرب الإسرائيلية في الأراضي المحتلة في حد ذاتها، جرى التركيز على عمليات نشر قوات الاحتلال وعلى الاستراتيجيات المعززة للحرب، بما يوفر خرائط، إذا صح القول، تجعل من الممكن تتبع الطرق المؤدية إلى اندلاع العنف السياسي المتطرف.

ويميل الإطار التحليلي الذي تبناه المؤلفون إلى الرأي القائل إنه كلما وجدت تلك اللحظات الفجائية التي تطلق العنان للقوة العسكرية، يبدو النظام كأنه يفقد السيطرة، وهو في الواقع دليل على وجود علاقة منحرفة بين النظام وقضاياه بحسب دراسة ايلان وايزمن التي تناولت سياسات الموت الاسرائيلية. وهذه العلاقة المضطربة التي تجعل العنف يومياً وعادياً لا تظهر الى العلن إلا خلال الهجمات العسكرية.

ويقدم الكتاب دراسة لساري حنفي يبيّن فيها دور الكثير من المنظمات الانسانية في  «أخذ كتف» عن الاحتلال من دون المفاوضة الكافية معه. وبدلاً من أن تدين لا شرعيته، اكتفت بإدانة اعماله. وتحول اللاجئون إلى مجرد مجموعات بحاجة إلى الغذاء والإيواء في الوقت الذي يحرمون من وجودهم السياسي. فالقانون العالمي الإنساني غالباً ما يستخدم مصطلحات مثل «أفراد محميين»، إلا أن ممارسات مثل هذه المنظمات في الوقت الراهن تركز على من تصنفهم بـ «الضحايا» وفي أوقات أخرى بـ «الناجين» وذلك حتى تعطي انطباعاً وأثراً أكثر ايجابية. وبالنتيجة، فإن تصنيف الناس على أنهم ضحايا يحول أساس العمل الإنساني من مسألة حقوق إلى مسألة شؤون اجتماعية. وهكذا بحسب حنفي في مناطق النكبات – وهي مناطق الاستثناء – تعوق قيمُ الكرم والبراغماتية أية إشارات إلى حقوق المجموعات المعنية ومسؤولياتها.

كارمن جابر الحياة 14/3/2010

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات