الإثنين 06/مايو/2024

د. هنية: التطرف عامل ضعف داخلي هدَّام أشد خطرًا على الأمة من عوامل الضعف الخارجي

د. هنية: التطرف عامل ضعف داخلي هدَّام أشد خطرًا على الأمة من عوامل الضعف الخارجي

في حوار مع الدكتور مازن هنية المستشار الشرعي لرئيس الوزراء الفلسطيني حول الفكر المنحرف:

       الإسلام دين الوسطية والتيسير والمنهج الظاهري رافد أساسي للفكر المتطرف

       التطرف عامل ضعف داخلي هدَّام أشد خطرًا على الأمة من عوامل الضعف الخارجية

       وصف الحكومة بأنها لا تطبق الشريعة وصفٌ غير صحيح وبعيدٌ عن الحق والصواب

       من فجَّر نفسه فقد خضع لعملية تضليل كبيرة وقد سيطر على عقله سوء الفهم والهوى

       إذا ترتب على إزالة المفسدة مفسدة أعظم فالترك أولى وكل فعل ينتهي إلى مفسدة فهو فاسد

أكد الدكتور العلامة مازن هنية المستشار الشرعي لرئيس الوزراء الفلسطيني ورئيس لجنة الإفتاء في الجامعة الإسلامية؛ أن الإسلام دين الوسطية والسماحة والرحمة والتيسير، وأن أي منهج اجتهادي يجب ألا يخرج عن هذه القيم.

وبيَّن المستشار د. هنية أن المنهج الظاهري الذي اعتمده عدد من العلماء في زماننا، فهمًا للنص وحكمًا على الوقائع، إضافةً إلى الحديَّة في باب التشريع؛ يعد رافدًا أساسيًّا للفكر المتطرف؛ وقال: إن “من أهم ملامح التطرف والغلو الواقع؛ هو التعامل مع مسائل الفروع والاجتهاد كما لو كانت مسائل عقيدة، وهناك فارق كبيرة بينهما؛ فالعقيدة حدية، والتشريع سمته المرونة والسعة وتعدد الرؤية، فإذا حُكم على الفروع الفقهية بمنطق العقيدة فإن ذلك يفضي إلى خلل كبير”.

ولفت هنية -في مقابلة أجرتها معه صحيفة “الرأي” الصادرة عن الحكومة الفلسطينية برئاسة إسماعيل هنية- إلى أن أصحاب هذا الفكر (المنحرف) قد رسموا تصوراتٍ عن تطبيق الشريعة، وعن كثير من أحكام الوقائع المتطورة بمنهج حدِّيٍّ، يبتعد عن الحكمة والوسطية والسعة والمرونة والموازنة والأولويات التي يتسم بها التشريع الإسلامي، مضيفًا: “وكل ذلك من واقع الجهل، فهؤلاء ليسوا بعلماء مأذون لهم بالاجتهاد، وقد توَّجوا كل ذلك بالهوى فكان انحرافهم وضلالهم”.

وفيما يلي نص المقابلة:

* دار الحديث مؤخرًا عن وجود أفراد يتصفون بالغلو والتطرف، كيف تنظرون إلى هؤلاء الأفراد؟ وهل هي ظاهرة فعلاً؟!

** الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين؛ سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، وبعد.. بدايةً أشكركم على هذا الجهد، وأسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتكم، وبالنسبة للتطرف والغلو؛ يجب التأكيد أولاً على أن مثل هذا الفكر تأباه الشريعة فهو غريبٌ عنها، فإسلامنا دين سماحة ورحمة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “بعثت بالحنفية السمحة“، ويقول الله تعالى: (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ويقول أيضًا: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ).

ووصف الله تعالى الأمة فقال فيها: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) فأمة الإسلام هي خير أمة، فهي الأكثر حكمةً وصلاحًا ومنهجًا قويمًا، من هنا تكون النظرة لكل من شذَّ وتطرَّف، فإنه قد جافى الشريعة الإسلامية وانحرف عن منهجها القويم، وقيمها وأخلاقها العليا.

 

والمؤسف أن التطرف في الفكر والرأي والسلوك أصبح ظاهرةً في المجتمعات الإسلامية، وهي ظاهرة خطيرة تهدِّد المسلمين في دعوتهم وصحوتهم، فالتطرف يعطي صورةً عن الإسلام على خلاف حقيقته وهذا يشكِّل إساءةً كبيرةً لهذا الدين الحنيف.

لذا فإن التطرف بالنسبة للأمة الإسلامية عامل ضعف داخلي هدام؛ هو أشدُّ خطرًا على الأمة من عوامل الضعف الخارجية.

* برأيكم، ما هي الأسباب التي ولَّدت هذه الأفكار لدى هؤلاء الأفراد؟

** هذا الفكر ينشأ في ظروف غير عادية وتتقاطع فيه مجموعة من العناصر؛ منها: الحقد والعداوة للأمة، والجهل، والهوى، وقلة الحكمة والتعجل في الأمر، وهذا واضح في تاريخ الأمة، فحيث وجدت ظروف فتن ومحن وجدنا من يحقد على الأمة من أعدائها المنافقين، يسارعون إلى إثارتها بنشر الشائعات والأكاذيب، وتحريض المسلمين على بعضهم وفتنة عثمان بن عفان رضي الله عنه شاهد كبير على ذلك. 

والجهَّال من الناس هم الميدان الخصب فينفخ فيهم التضليل والأكاذيب، وعندما يتوج هذا بالهوى الذي يصمُّ الإنسان ويعميه عن الحق؛ فإن ذلك يدفعه إلى طريق الشر، وقتل الإمام علي رضي الله عنه هو أعظم شاهد على ذاك الأمر فقد قتله الخوارج تقربًا إلى الله، وقتلوه وهم يظنون أنهم يحسنون صنعًا، قتلهم الله.

ومن المعلوم أن الأمة الإسلامية تعيش حالة غير عادية، فقد تكالبت عليها الأمم حتى وصل حالها إلى ما هو عليه، من الهون والضياع؛ فتعيش الأمة حالةً من الظلم، وأخطر مظالم الأمة ما تعرضت له فلسطين وما زال مستمرًّا، فهذه الحالة من الفتنة المزلزلة للأمة إن لم يلتزم المسلم بأمر الله فإنها قد تخرجه عن صوابه وقيمه ومنهجه الأصيل.

عن خباب قال أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردةً في ظل الكعبة فشكونا إليه فقلنا ألا تستنصر لنا!! ألا تدعو الله لنا!! فجلس محمرًّا وجهه فقال: “قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض ثم يؤتَى بالمنشار فيجعل على رأسه فيجعل فرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب؛ ما يصرفه ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب ما بين صنعاء وحضرموت ما يخاف إلا الله تعالى والذئب على غنمه، ولكنكم تعجلون

فغضب النبي صلى الله عليه وسلم بسبب خروج هذا النفر من الصحابة عن الصبر وعن حكمة الدعوة، فدعوة الله منتصرة لا محالة، وأمرُه ماضٍ، وما علينا إلا التمسك بأصالة هذا الدين وحكمته حتى يأتي أمر الله. 

وهناك أهل حقد وضغينة بالمسلمين يبذلون من أجل تفتيت الصف، وتصوير الأمة الإسلامية على نحو يجعل بينها وبين الأمم حجابًا وحاجزًا.

وكل هذه المعاني تتجسَّد عند أهل التطرف والغلو في فلسطين، فينطلقون من حالة الاحتلال والمقاومة المرتبطة به -مع جهل، وجرأة على دين الله، وهوى- فينصِّب الجاهل من نفسه عالمًا يقول في أمر العامة فيَضل ويُضل، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: “إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبقِ عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا“.

فالجاهل لا يعلم أن لكل أمر حِكمةً وقيمًا تحكمه، فالجهاد له قيمه الشرعية التي تحكمه، وله مقاصد وغايات تضبطه، وسياسة أمر الناس وإقامة شرع الله فيهم أيضًا لها ضوابطها وقيمها الشرعية التي توقعها على جهة الصلاح، بل دعوة الناس إلى الخير لها ضوابطها وقيمها التي تجعلها إيجابيةً مثمرةً محببةً إلى القلوب والنفوس، فكل ذلك يفتقر إلى الحكمة التي تجعله محققًا لنا المصلحة دافعًا عنا المفسدة، وأي خروج عن هذه الحكمة إنما هو غلوٌ وتطرفٌ وانزلاقٌ عن جادة الصواب إلى تيه الظُلم.

* هل تختلف هذه الجماعات فكريًّ مع التيار السلفي؟

** إن الإسلام دين الوسطية والسماحة والرحمة والتيسير، وأي منهج اجتهادي يجب ألا يخرج عن هذه القيم، ونحن مع الاحترام لكل من يتصف بصفة العلم والاجتهاد، يجب القول بأن المنهج الظاهري الذي اعتمده عدد من العلماء في زماننا فهمًا للنص وحكمًا على الوقائع إضافة إلى الحدية في باب التشريع؛ يعد رافدًا أساسيًّا للفكر المتطرف؛ فمن أهم ملامح التطرف والغلو الواقع هو التعامل مع مسائل الفروع والاجتهاد كما لو كانت مسائل عقيدة، وهناك فارق كبيرة بينهما؛ فالعقيدة حدية، والتشريع سمته المرونة والسعة وتعدد الرؤية، فإذا حُكم على الفروع الفقهية بمنطق العقيدة فإن ذلك يفضي إلى خلل كبير.

وهذا يوجب على كافة العلماء الأجلاء الحرص الشديد، والبعد عن الجمود والتشدد وحرفية الفهم، حتى لا يأخذ الجهال من منهجهم منطقًا ضالاًّ ينطلقون به بجهالة وهوى.

* ما وجه اعتراض هذه الفئة على الحكومة الفلسطينية؟

** إن أصحاب هذا الفكر قد رسموا تصورات عن تطبيق الشريعة، وعن كثير من أحكام الوقائع المتطورة بمنهج حدِّيٍّ يبتعد عن الحكمة والوسطية والسعة والمرونة والموازنة والأولويات التي يتسم بها التشريع الإسلامي، وكل ذلك من واقع الجهل؛ فهؤلاء ليسوا بعلماء مأذون لهم في الاجتهاد، وقد توَّجوا كل ذلك بالهوى فكان انحرافهم وضلالهم.

وأما الحكومة فهي جهة مسؤولة، واجبها أن تتصرف بحكمة وبفهم عميق وإدارة الأمور بفقه الموازنات والأولويات، ومظلتها أن تسلك بالناس الأعدل والأرفق والأيسر، ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.

* كيف تفسِّر تفجير هؤلاء أنفسهم في أفراد الشرطة؟

** لا شك أن من فجَّر نفسه قد خضع لعملية تضليل كبيرة، وقد سيطر على عقله سوء الفهم والهوى، وكما قلت سابقًا يكفي لفهم هذا السلوك المبني على سوء الفهم والهوى فعل الخوارج من خلال قتلهم الإمام علي رضي الله عنه قربة لله، قتلهم الله.
 
* البعض يقول إن الخلاف بين هؤلاء الأفراد والحكومة هو على تطبيق الشريعة الإسلامية، كيف تردون على ذلك؟

** إن تطبيق الشريعة قضية يطرحها هؤلاء اعتراضًا على الحكومة، وإلا فإن سلوك هؤلاء هو نتيجة مجموعة عوامل قد أشرت إليها سابقًا.

ووصف هؤلاء للحكومة بأنها لا تطبق الشريعة وصفٌ غير صحيح، وبعيدٌ عن الحق والصواب؛ فهم يرسمون تصورًا لتطبيق الشريعة ويقيسون الأمور من خلال هذا التصور، وهذا غير صائب؛ لأن الحكومة عمليًّا ملتزمة بالشريعة منهجًا تقضي به بين الناس، إلا أنها حكومة موجودة ضمن واقع، والتحوُّل بهذا الواقع بك

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات