عاجل

الجمعة 03/مايو/2024

تقرير استراتيجي يستبعد مصالحة وطنية فلسطينية في الأشهر القريبة

تقرير استراتيجي يستبعد مصالحة وطنية فلسطينية في الأشهر القريبة

رسم تقرير استراتيجي سيناريوهات الانقسام والحوار في الساحة الفلسطينية، والأبعاد المرتبطة بخيار الخيار الوطني الفلسطيني، مستبعداً حصول مصالحة وطنية فلسطينية في الأشهر القليلة القادمة.

وأكد التقرير الذي أصدره مركز للدراسات في بيروت، أنّ الدعوة للحوار بين حركتي “فتح” و “حماس” اليوم، هي جزء من حوار مستمر بين الحركتين منذ أكثر من 18 عاماً، وأنّ الإشكالات الأساسية العالقة بينهما لم تُحلّ، حيث كانت الملاحظة الرئيسة في تلك الحوارات أن قيادة فتح لم تكن تلجأ إليها إلا عندما تكون مضطرة لذلك، إما للظهور أمام الكيان الصهيوني والمجتمع الدولي بأنها تمثل كل الفلسطينيين، أو لتوفير الغطاء لتمرير صفقات سياسية، أو لتهدئة الأوضاع بانتظار اجتياز مرحلة أو استحقاق معيّن، حسب تقديرات واضعيه.

الحوار وآفاق المصالحة الوطنية

وأكد تقرير “مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات”، لشهر تموز (يوليو) الجاري حول “الحوار بين فتح وحماس وآفاق المصالحة الوطنية”، والذي شارك في إعداده عشرون متخصصاً وباحثاً في الشأن الفلسطيني، أنّ “فتح” و”حماس” تفتقران إلى وجود مرجعية أيديولوجية أو مؤسسية مشتركة، وفضلاً عن أزمة الثقة بينهما؛ فإنّ الضغوط الخارجية الصهيونية والأمريكية ما تزال تمثل عنصراً مؤثراً في صناعة القرار الفلسطيني.

ومن الواضح، حسب التقرير، أنّ استمرار حالة الانقسام الذي تشهده الساحة الفلسطينية بين الفصيلين الأكبر فيها، يلحق ضرراً بالغاً بالقضية الفلسطينية، كما يُعطّل سير كلا الطرفين قدماً في أيٍّ من مشروعي المقاومة والتسوية. وعليه؛ فإنّ هناك ضرورة ملحّة لمعالجة أسباب الانقسام الداخلية والخارجية، خصوصاً وأنّ مجمل العوامل الدافعة باتجاه الحوار، تتفوق على العوامل المعيقة له.

واستبعد التقرير امكانية حصول أي مصالحة وطنية شاملة، في الأشهر المقبلة، وأكد أنّ أي شكل يتم التوصل إليه من أشكال المصالحة سيكون “تكتيكياً” لتمرير المرحلة، استجابة لعدد من العوامل الداخلية والإقليمية والدولية.

جولات الحوار السابقة وخلفياتها

وأعاد التقرير إلى الأذهان أنّ أول حوار رسمي بين “فتح” و”حماس” كان في صنعاء في آب (أغسطس) 1990، وفي آب (أغسطس) 1991 عُقد لقاء بينهما في الخرطوم، وكان الرئيس الراحل ياسر عرفات يرغب في انضمام حماس إلى المنظمة والمجلس الوطني المرتقب في الشهر التالي والذي كان بصدد اتخاذ قرار المشاركة في مؤتمر التسوية في مدريد. ثم عُقد لقاءان متتاليان، أولهما في تونس في أواخر سنة 1992، وثانيهما في الخرطوم في مطلع سنة 1993. وفي نهاية 1995 عُقد حوار بين السلطة الفلسطينية و”حماس”، حاولت خلاله “فتح” الموجودة في السلطة إقناع “حماس” بالمشاركة في انتخابات الحكم الذاتي، أو على الأقل الحصول على ضمانات بعدم سعي “حماس” لإفشال الانتخابات. وبالفعل فقد قاطعت “حماس” الانتخابات، لكنها التزمت بعدم إفشالها.

ومنذ 1996 وحتى انتفاضة الأقصى عام 2000؛ لم تعد السلطة التي ترأسها “فتح” تشعر بضرورة الحوار مع “حماس” وقوى المعارضة، بعدما تمكنت من بسط سيطرتها على مناطقها، وبعدما تمكنت من توجيه ما سماه التقرير “ضربة قاسية لحماس” في ربيع 1996.

وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2002 عُقدت مفاوضات القاهرة بين “فتح” و”حماس”، ثم في مطلع 2003 ونهاية العام ذاته بمشاركة كافة الفصائل. وفي آذار (مارس) 2005، انعقدت جولة الحوار في القاهرة بمشاركة “فتح” و”حماس” وباقي الفصائل، حيث تم تبني برنامج فلسطيني ينصّ على الحق في مقاومة الاحتلال، وعلى الإعلان عن تهدئة تستمر حتى نهاية العام. كما تم الاتفاق على إجراء انتخابات تشريعية، وعلى القيام بإعادة تنظيم منظمة التحرير وإصلاحها وفق أسس تُمكِّن جميع القوى الفلسطينية من الانضمام إليها.

أما الحوارات التي تلت فوز “حماس” في الانتخابات التشريعية؛ فرغم تعددها ونقاشاتها الطويلة المتسفيضة، ورغم توصلها إلى وثيقة الوفاق الوطني في عام 2006، وإلى اتفاق مكة في عام 2007؛ فإنّ نتائجها ما لبثت أن ذرتها رياح الممارسات على الأرض والانفلات الأمني والاغتيالات.

أسباب الانقسام عميقة

ولفت التقرير الانتباه إلى أنه على الرغم من أنّ حدوث حالة الانفصال بين الضفة والقطاع جاء مع الأحداث التي انتهت بسيطرة حركة “حماس” عسكرياً على قطاع غزة في منتصف حزيران (يونيو) 2007، والإجراءات التي اتخذتها قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله رداً عليها؛ إلاّ أنّ أسباب الانقسام الحقيقي أعمق من ذلك، وتتلخص، حسب واضعي التقرير، في “غياب المرجعية الأيديولوجية المشتركة التي تجمع بين الطرفين، وبالتالي عدم وجود ما يحدد ما هو ثابت لا يقبل المساومة، وما يمكن أن يخضع للتكتيك وتقدير المصالح”. وهو الأمر الذي ينعكس بطبيعة الحال على البرنامج السياسي لكلا الطرفين، وعلى تحديد الأولويات، وعلى مقدار التنازلات التي يمكن تقديمها، وعلى رؤيتهما التكتيكية والاستراتيجية لمشروعي المقاومة والتسوية، وغياب المرجعية المؤسسية التي يفترض أن يحتكم إليها الطرفان، وأن تضبط آليات اتخاذ القرار الوطني، وآليات التداول السلمي للسلطة، وشرعية تمثيل الشعب الفلسطيني. حيث إن منظمة التحرير الفلسطينية التي تشكل مظلة مقبولة من كلا الطرفين تعاني من تراجع دورها، وضعف تأثيرها في الواقع الشعبي الفلسطيني، وشيخوخة مؤسساتها القيادية، وتهميشها لصالح مؤسسات السلطة الفلسطينية. إضافة إلى عدم تمثيلها لكافة الاتجاهات السياسية على الساحة الفلسطينية؛ نظراً لعدم وجود تمثيل للقوى الصاعدة التي أصبحت تشكل قوة أساسية على تلك الساحة فيها، وخصوصاً حركة “حماس”.

كما يلحق بغياب الثقة بين الطرفين، خصوصاً وأن تجارب الحوارات والاتفاقات السابقة لا تشكّل دافعاً للثقة. فالكثير من عناصر “حماس” يرى أنّ “فتح” لا زالت محكومة بعقلية الهيمنة واحتكار السلطة، وعدم توفير فرصة حقيقية لإعادة ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، كما أنهم لا يثقون بقيادة حركة فتح للمسار السياسي الفلسطيني، خصوصاً بعد مسلسل التنازلات والاعتراف بالكيان الصهيوني، والتنسيق الأمني معها، وتوقيع اتفاق أوسلو وتبعاته. إلى جانب اتهام العديد من العناصر القيادية لـ”فتح” بالفساد، وتشرذم الحركة وترهلها، مما يُصعّب على “فتح” ضبط عناصرها في حال أي اتفاق مع “حماس”. كما لا يثق الكثير من عناصر “فتح” بقيادة حركة “حماس” للمسار السياسي الفلسطيني، ويتهمونها بعدم الواقعية والتسبب في تشديد الحصار على الشعب الفلسطيني، وعدم امتلاك حلول عملية للتعامل مع مشكلات الشعب وهمومه، وبتعطيل مسار التسوية وحلم الدولة الفلسطينية، كما قال التقرير.

 

دور جوهري للعامل الخارجي في الخلاف

واعتبر التقرير العامل الخارجي جوهرياً في الخلاف، وقال إنه يتجسّد في صورة تدخلات وضغوط سياسية وأمنية واقتصادية. وجاء فيه أنّ التدخلات السياسية تأتي من خلال الشروط الصهيونية والأمريكية على الحوار، والضغط على رئيس السلطة محمود عباس لمنعه من التحاور مع “حماس” إلا في حال استجابت لما تسميانه شروط المجتمع الدولي، وعلى رأسها الاعتراف بالكيان الصهيوني، والتخلي عن سلاح المقاومة.

أما التدخلات الأمنية الخارجية؛ فتأتي من خلال الخطط والبرامج والتمويل لتقوية أجهزة الأمن الفلسطينية ودفعها لمواجهة المقاومة وقمعها. كما يتم استخدام الحوافز الاقتصادية والدعم المادي أحياناً، وأساليب الحصار والتدمير والمصادرة أحياناً أخرى، من أجل تركيع الشعب الفلسطيني، أو تغليب طرف على آخر.

رغبة شعبية في الوفاق بين “فتح” و”حماس”

واعتبر التقرير أنّ استمرار الشرخ الفلسطيني الحاصل يلحق ضرراً كبيراً بالقضية الفلسطينية ككل، كما أنه يمنع أياً من الطرفين من المضي قدماً في مشروعه دون الطرف الآخر، وهو ما يشكّل دافعاً لكليهما للخروج من حالة الانقسام إن أرادا إنقاذ مشروعهما.

ويسجل التقرير وجود رغبة شعبية فلسطينية عارمة في اتفاق “فتح” و”حماس”، وعودة التلاحم إلى الصف الوطني الفلسطيني.

وأشار التقرير أيضاً إلى الأزمة السياسية الحالية التي يمر بها رئيس حكومة الاحتلال إيهود أولمرت، والتي تضعف حكومته وتزيد من احتمالات سقوطها وإجراء انتخابات مبكرة، وهو ما يضعف قدرة هذه الحكومة على إحراز أي تقدم فعلي في مسار التسوية. ويلحق بذلك تعرّض المشروع الأمريكي في المنطقة لأزمة في الوقت الراهن، وفشل الرهانات عليه وهو غير راغب في فرض ضغوط على الجانب الصهيوني، وغير قادر على فرض خياراته على المنطقة. وهو ما قد يسهم في إضعاف دور العامل الخارجي المعارض للحوار، خصوصاً مع اقتراب نهاية ولاية الرئيس الأمريكي جورج بوش دون تحقيق أي تقدم فعلي في وعده حول إقامة الدولة الفلسطينية.

لكنّ التقرير أكد أنّ ذلك لا يعني انعدام عوائق الحوار، ومنها الشروط الصهيونية والأمريكية على الحوار العامل الأبرز بين هذه العوامل، وهو يستمد قوته من ارتباط تمويل مؤسسات السلطة واستمرار عملها بتلبية هذه الشروط، وعدم قبول البيئة العربية والدولية لوجود التيارات الإسلامية في الحكم، والتخوف من تأثير نجاح هذه التجربة أو امتدادها إلى أماكن أخرى، وخصوصاً في دول الجوار، وعدم استجابة “حماس” للشروط الدولية على الرغم من وجود الحصار، وعلى الرغم من كل الإجراءات الصهيونية والدولية لإسقاطها، مما يعني أنّ الأطراف الرافضة لبقاء “حماس” في الحكم ستواصل الضغط عليها، بغض النظر عن أي نتائج من الممكن أن تصدر عن الحوار، وهو ما قد يُضعف من تأثيراته العملية، وبالتالي من جدواه.

ثلاثة سيناريوهات متوقعة

وقدم التقرير ثلاثة سيناريوهات قال بأنها متوقعة، أولها استمرار الانقسام الحالي، أو الذهاب باتجاه مصالحة وطنية شاملة باعتبارها درعاً للطرفين، أو المصالحة التكتيكية وهو الأقرب للحدوث بتقديم تنازلات متبادلة لكنها شكلية ومؤقتة.

واقترح التقرير إجراء مراجعات داخلية لدى كل من “فتح” و”حماس”، وإقرار كل طرف بالأخطاء التي أقدم عليها، كخطوة تسهم في إعادة الثقة بينهما، وإعادة توحيد مؤسسات السلطة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإعادة بناء الأجهزة الأمنية على أسس وطنية ومهنية، وتشكيل حكومة وحدة انتقا

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات