الثلاثاء 07/مايو/2024

التنسيق الأمني مع العدو .. صبر فصائيلي بدأ ينفد وتململ شعبي متصاعد

التنسيق الأمني مع العدو .. صبر فصائيلي بدأ ينفد وتململ شعبي متصاعد
استغرب مراقبون هرولة فريق سلطة رام الله إلى لقاء التنسيق الأمني الثلاثي الأمريكي ـ الصهيوني ـ  الفلسطيني، الذي حضره سلام فياض (رئيس “الحكومة” غير الدستورية)، في القدس يوم الجمعة (14/3) رغم الإجماع الوطني الفلسطيني، المصر على وقف كافة اللقاءات والمفاوضات مع الاحتلال، خصوصا مع استمرار مجازره في الضفة الغربية (بيت لحم وطولكرم)، و”محرقته” في غزة.

                                 صفعة  “باراك” لفريق “رام الله”

ومع أن التنسيق يصب في صالح حكومة الاحتلال، فقد وجه وزير الحرب الصهيوني إيهود باراك صفعة إلى فريق رام الله، حينما تغيب عن الحضور مكتفياً بإيفاد ممثل الوزارة عاموس جلعاد إلى الاجتماع الذي حضره إضافة إلى المبعوث الأمريكي الجنرال المكلف بتطبيق خارطة الطريق الجنرال وليام فرايز، سلام فياض.

وسواء كان التغيب “لانشغاله بالتخطيط (لبناء مستوطنات) أوترتيب الغارات” ضد الشعب الفلسطيني في غزة، على حد قول أحد أركان هذا الفريق (شاهد من أهله) هو صائب عريقات الذي يشغل منصب رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية، حيث جدد باراك تهديداته بأن الحرب مع من أسماهم بـ”الإرهابيين” في إشارةٍ إلى فصائل المقاومة الفلسطينية، “لم تنته بعد ولازالت مستمرة” في غزة وبيت لحم والقدس، بعد المجزرة التي تفاخر بها والمتمثلة باغتيال قياديين وكوادر من سرايا القدس وكتائب الأقصى قبل أيام قليلة، أو لعدم اكتراثه أساساً بالترتيب لأي تسوية أو رغبته بأي تهدئه مع سلطة محمود عباس، وقد نقل عن مسؤول في وزارة الحرب بالحكومة الصهيونية قوله: إن غياب باراك يعكس تحفظه تجاه مفاوضات التسوية التي وصفها يوما بأنها ثمرة للخيال.

                                 اعتراضات الفصائل الفلسطينية

وقد جاءت اعتراضات الفصائل والفعاليات الفلسطينية الوطنية على اللقاء لعدة أسباب وجيهة:

فمن حيث التوقيت؛ فإن اللقاء كما ورد على لسان الناطق باسم الحكومة الفلسطينية الشرعية برئاسة إسماعيل هنية، “يأتي بعد أيام قلائل على المجزرة الصهيونية البشعة في بيت لحم، وقتل أبناء شعبنا الفلسطيني بدم بارد، وبعد أسبوع واحد فقط على المحرقة التي ارتكبت في قطاع غزة”. 

وعلى صلة بالموضوع نفسه؛ طالبت كتائب الأقصى الجناح العسكري لحركة “فتح” في بيان لها “الرئيس الفلسطيني بوقف كافة الاتصالات مع الاحتلال وخاصة الاجتماع المقرر غداً (البيان صدر قبل لقاء القدس الثلاثي بيوم) كما دعته لوقف كامل للتنسيق الأمني مع الاحتلال، والذي “جلب الدمار والهلاك”.

وقد أتى البيان بعد قيام قوة صهيونية خاصة باغتيال خمسة مقاومين فلسطينيين من “سرايا القدس” الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، وكتائب الأقصى الجناح العسكري لحركة “فتح” في مدينتي بيت لحم وطولكرم يوم الأربعاء (12/3).

                                     جريمة بحق دماء الشهداء

وبهذا المعنى، فإن الفعاليات الفلسطينية ترى أن لقاءات السلطة بقيادة العدو بعد كل هذه الجرائم الصهيونية والدماء الفلسطينية الطاهرة التي لم تجفّ؛ “جريمة في حق الشعب الفلسطيني وطعنة غادرة لدماء الشهداء”، وفقاً لما عبرت عنه حركة المقاومة الإسلامية “حماس” على لسان الناطق باسمها الدكتور سامي أبو زهري، وربما يكون في رأي بعضها الآخر مقدمة  لعدوان أوسع على الشعب الفلسطيني، أو بمثابة غطاء سياسي للاحتلال لارتكاب المزيد من الجرائم.

كما أنها تكشف عن زيف ادعاءات فريق سلطة رام الله الذي ادعى أنه علق المفاوضات إلى أن تحدث تهدئة شاملة، دون أن يصبر على إعلانه أكثر من أسبوع، بينما لا تزال اعتداءات جيش الاحتلال مستمرة في الضفة والقطاع، وهو ما تبجح به وزير الحرب الصهيوني بدون مواربة.

أما من حيث الجوهر؛ فإن الاعتراضات تمثلت في أن التدخل الأمريكي، لا يكون إلا في جوانب أمنية محضة، حماية لمصالح الكيان الصهيوني، على حساب المصالح العليا والحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، حيث يستهدف التنسيق الثلاثي إجهاض المقاومة.

وفي هذا الصدد؛ قالت حركة “حماس” إنّ كلام الإدارة الأمريكية في هذا اللقاء الأمني وحصر تدخلها في المواقف الأمنية يؤكد طبيعة الدور الأمريكي في الصراع العربي ـ الصهيوني، وهو “دور أمني بحت، يهدف لحماية الاحتلال الإسرائيلي على حساب المصالح الفلسطينية، دون أن يكون هناك أي ثمن سياسي مقابل”، على حد تحذيره.

                                         ضرب المقاومة

ووفقاً للمتحدث باسمها سامي أبو زهري؛ فإنّ “ما يؤكد هذا الهدف التصريحات الصادرة عن دبلوماسي أمريكي الذي اعتبر أنّ سلطة رام الله مقصِّرة في محاربة الإرهاب (المقاومة)، وهذا ما يظهر أنّ غاية ما تريده الإدارة الأمريكية هو ضرب المقاومة ليس أكثر”، كما جاء في التصريح.

وانسجاماً مع ذلك؛ فقد وجه المبعوث الأمريكي الجنرال وليام فرايز الجمعة (14/3) اتهاما إلى السلطة الفلسطينية في ختام أول اجتماع ثلاثي منذ مؤتمر أنابوليس “بعدم مكافحة الإرهاب”، في إشارة إلى المقاومة، في حين اكتفى باتهام الكيان الصهيوني بعدم تسهيل حياة الفلسطينيين، دون الإشارة إلى الإخلال بأمور أخرى كالاستيطان الذي لم يتوقف رغم انعقاد مؤتمر أنابوليس نهاية العام الماضي، واعتداءاتها المتكررة ضد الفلسطينيين.

يذكر أن “أنابوليس” الذي عقد في نوفمبر/ تشرين الثاني 2007 برعاية الرئيس الأمريكي جورج بوش يفترض أن يطلق تحركاً سياسياً لبدء ما يعرف بمفاوضات الوضع النهائي بين الفلسطينيين والصهاينة، استناداً إلى خطة خريطة الطريق، على أن تشهد المرحلة الأولى حل المنظمات الفلسطينية المسلحة وتجميد البناء في مغتصبات الضفة وإزالة ما يعرف بالمغتصبات غير الشرعية فيها.

وفي حين قامت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة في رام الله بعدد من الإجراءات العملية خلال الأشهر الماضية لتصفية المقاومة، كالاعتقالات التي نفذتها بحق المقاومين، لا سيما من حركة حماس، ومصادرة أسلحتهم، وإغرائهم بالتخلي عن المقاومة مقابل ترتيب عدم ملاحقتهم من قبل الكيان الصهيوني، والذي ثبت عدم احترامه من قبل جيش الاحتلال، فإن الحكومة العبرية استمرت في مشاريعها الاستيطانية، وزادت من عدد المعابر والتضييق على حركة الفلسطينيين، والتوغلات، والاغتيالات بحق المقاومين.

                                  قفزة في توغلات الاحتلال بالضفة

وقد كشف المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، أن قفزة ملحوظة طرأت على أعمال التوغل اليومية التي تنفذها قوات الاحتلال الصهيوني في مدن الضفة الغربية وقراها ومخيماتها، في الآونة الأخيرة، في ظل التنسيق الأمني المتواصل بين الأجهزة الأمنية التابعة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ونظيرتها التابعة لسلطات الاحتلال.

وطبقا لتوثيق المركز الحقوقي في تقريره الأسبوعي الجديد، فقد نفذت قوات الاحتلال سبعاً وأربعين عملية توغل على الأقل في مدن وبلدات ومخيمات بالضفة الغربية، خلال الأسبوع الممتد من السادس وحتى الثاني عشر من آذار (مارس) الجاري، بينما رصد المركز ذاته خمساً وأربعين عملية توغل في الضفة خلال الأسبوع الذي سبقه وهو ما مثّل في حينه ارتفاعاً قياسياً ملحوظاً.

واختطفت القوات الصهيونية خلال أعمال التوغل التي شهدها الأسبوع الممتد من السادس وحتى الثاني عشر من آذار (مارس) الجاري ثمانية وسبعين مواطناً فلسطينياً، من بينهم اثنا عشر طفلاً. وباختطاف المذكورين يرتفع عدد المواطنين الفلسطينيين، الذين اختطفتهم قوات الاحتلال على هامش توغلاتها منذ بداية هذا العام إلى 642 مواطناً، فضلاً عن اعتقال عدد آخر على الحواجز العسكرية والمعابر الحدودية وخلال مظاهرات الاحتجاج السلمي على استمرار أعمال البناء في الجدار التوسعي الاحتلالي، وضد سياسات فرض العقاب الجماعي من خلال استمرار إقامة الحواجز العسكرية وإغلاق الطرق. 

                                     الثمار المرّة التنسيق الأمني

وتنفذ القوات الصهيونية هذه التوغلات في ظل ما يسمى “التنسيق الأمني” بين الأجهزة الأمنية التابعة لمحمود عباس ونظيرتها التابعة لسلطات الاحتلال، وبينما تخوض أجهزة عباس اقتحامات متواصلة في أرجاء الضفة تقوم على هامشها بتنفيذ أعمال اختطاف يومية في أوقات النهار، تعقبها أعمال الاختطاف التي تنفذها قوات الاحتلال في ساعات الليل والصباح الباكر.

وكثمرة لتنسيق فريق رام الله مع الاحتلال بناء على مقتضيات الشق الأمني لخارطة الطريق، فقد أكدت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” أن الاعتقال السياسي ضد أبنائها في الضفة الغربية، على يد أجهزة أمن السلطة في الضفة الغربية، ازدادت وتيرتها بعد مجازر الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة، “على عكس ما كان متوقعاً”، في إشارة إلى إمكانية تذليل العقبات من أجل حوار وطني غير مشروط معها، لرص الصف الوطني في مواجهة عربدة الاحتلال، وعدوانه.

                                             نار المقاومة

ويرى مراقبون أن المسار الذي يصر فريق رام الله على المضي فيه رغم الثمرات المخيبة له، وبخاصة لجهة استمرار المفاوضات واللقاءات مع قيادة حكومة الاحتلال، رغم الاعتداءات والعمليات الواسعة ضد المواطنين الفلسطينيين، والاستهداف المتواصل للمقاومين في ظل التنسيق الأمني بين أجهزة السلطة ونظيرتها الصهيونية سيجعلهم في مواجهة مع جملة أمور:

1ـ تملل في قواعد حركة “فتح” من الأداء السياسي لقيادة الحركة التي يقف على رأسها محمود عباس، وهو ما دفع كتائب الأقصى؛ الجناح العسكري لفتح على ما يبدو ـ كأحد المؤشرات على ذلك ـ ، لإصدار بيانها، الذي دعت فيه عباس إلى ما يلي:

ـ إقالة حكومة سلام فياض رئيس “حكومة” رام الله ” الذي أسقط المقاومة من برنامج حكومته”، وتشكيل “حكومة جديدة بقيادة وطنية شريفة، تسير جنبا إلى جنب بالتفاوض والكفاح المسلح والنضال والمقاومة” على حد تعبيرها.

ـ وقف كافة الاتصالات والتنسيق الأمني مع الاحتلال.

ـ فتح صفحة جديدة مع حركة حماس، والرجوع إلى طاولة الحوار ، واعتبرت أن ذلك ” الطريق الوحيد لإعادة لحمة الشعب الفلسطيني، ولتقوية الجبهة الداخلية” التي تقاوم العدو الصهيوني وفقا لما أوردته في بيانها.

2ـ استمرار فريق رام الله في فقدان رصيده لدى الشعب الفلسطيني، في ضوء مواصلة لقاءاته العبثية مع المحتل، الذي لم تتوقف اعتداءاته، سواء بالقتل أو الاستيطان أو بتدنيس المقدسات وخاصة المسجد الأقصى المبارك، ودون أن يقدم أي ثمن سياسي مقابل ذلك، مقابل ارتفاع  أسهم خيار المقاومة والانحياز الشعبي له.

3 ـ تصاعد برامج المقاومة رداً على استهدافها، بفعل التنسيق الأمني بين الأجهزة الأمنية الصهيونية وأجهزة عباس، وصولاً إلى أن تأكل نيران المقاومة المتواطئين مع الاحتلال والمتعاونين معه، كما حدث في غزة قبل تسعة  أشهر.

ويرى مراقبون أن فريق سلطة رام الله مازال ـ على ما يبدو ـ  يراهن على التنسيق الأمني مع الاحتلال مذعناً للأوامر الأمريكية، دون أدنى استفادة من تجربته الطويلة المخيبة للآمال في تعامله مع الجانبين، ودون اعتبار لرغبة جماهير شعبه والفصائل الفلسطينية وأجنحتها المقاومة، وشريحة كبيرة من قواعد فتح، بإيقاف هذه العملية التي أضرت بأمن الفلسطينيين، وحالت بين حوار داخلي يقوي الجبهة الداخلية، للرد على عدوان سلطات الاحتلال المتواصل، وهو ما من شأنه أن يدني نار المقاومة من المتعاونين مع الاحتلال في وقت لن يطول كثيراً.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات