الأحد 19/مايو/2024

مأساة فلسطينيي مخيم الرويشد مستمرة رغم إغلاقه وتوفير ملاذ آمن لهم

مأساة فلسطينيي مخيم الرويشد مستمرة رغم إغلاقه وتوفير ملاذ آمن لهم
لم يكن إعلان المفوضية العليا لشؤون اللاجئين عن إغلاق مخيم الرويشد، الواقع داخل الأردن على مسافة 60 كيلو متر من الحدود مع العراق، بعد ترحيل آخر مجموعة من الفلسطينيين الذي سبق لهم أن فرّوا إليه من عمليات القتل والخطف التي تستهدفهم في العراق، إلى البرازيل؛ سوى فصل من فصول مسلسل معاناتهم الإنسانية الطويلة التي بدأت منذ عام 2003 ولم تنته حتى الآن.

ورغم ما قد يبدو بأنّ إغلاق مخيم الرويشد انتهاء لرحلة معاناة قاسية، وبداية انفراج لمأساة دامت حوالي خمس سنوات تمثلت في توفير “ملاذ آمن لهم”؛ فإنّ منظمات فلسطينية مختصة بحق العودة؛ أوضحت أنّ معاناة اللاجئين ما تزال مستمرة، وأنّ أهم أوجه المعاناة تتمثل في قلق اللاجئين الفلسطينيين من التلويح بخيار “توطينهم” بدلاً من تفعيل حقهم المقرر في العودة إلى أرضهم وديارهم في فلسطين.

                                       رفض عربي لإقامتهم

وكانت أطراف فلسطينية عدة، قد طالبت بتمكين النازحين الفلسطينيين من العراق من الإقامة في أقرب نقطة ممكنة من ديارهم في فلسطين، أي في المحيط الإقليمي العربي، وهو ما لم يلق إلاّ استجابة محدودة جداً.

ووفقاً لهذه المنظمات؛ فإنّ لاجئي مخيم الرويشد تعرضوا لعمليات تهجير سابقة إلى كندا (حوالي مائة شخص)، ودفعة أخرى تمّت قبل ما يزيد عن ستة أشهر إلى استراليا، والدفعة الأخيرة إلى البرازيل (ما يزيد عن مائة شخص) ليصل إجمالي من تم ترحليهم 208 أشخاص.

وقد ذكر الباحث المتخصص في شؤون اللاجئين الفلسطينيين ياسر البدرساوي، مدير مركز العودة الثقافي بنابلس، أنّ بقاء اللاجئين الفلسطينيين في العراق أو على الحدود سواء مع الأردن أو سورية عالقين في ظروف مأساوية، سيؤدي إلى تكرار محاولات تهجيرهم إلى خارج النطاق الإقليمي للمنطقة، سواء إلى كندا أو النرويج أو غيرها من الدول الاسكندنافية أو الأوروبية، وستكون هذه سابقة خطيرة في ما يتعلق بحق اللاجئين في العودة إلى الديار والممتلكات.

ويبدو أنّ اللاجئين في مخيم الرويشد الذين مُنعوا من دخول الأردن، ورفضت دول عربية ـ باستثناء موافقة السودان على ذلك مؤخراً وقبول سورية إدخال 287 لاجئاً إلى أراضيها ـ استقبالهم للإقامة فيها؛ قد اضطروا مرغمين ـ بعد أربع سنوات ـ  للقبول بالهجرة إلى البلاد التي قبلت استضافتهم. إنه الاضطرار الذي يأتي بالأخص مع وجود أطفال صغار وكبار في السن ومرضى بين هؤلاء. ومثلما أوضحت مفوضية شؤون اللاجئين؛ فإنّ أولئك الفلسطينيين كانوا “في هذا المخيم يعانون أوضاعاً في منتهى القسوة وسط بيئة صحراوية تملؤها العقارب من دون أي مكان آخر يلجأوون إليه”.

                                     حـق العـودة في خطـر

وقد ناشدت تلك المفوضية، منذ سنة 2006، دول العالم توفير “ملاذ آمن” للفلسطينيين الموجودين في العراق، قائلة إنهم يقعون بشكل متزايد ضحايا لأعمال الخطف والقتل دون أن يجدوا “سبيلاً للخروج”. وذكرت المفوضية في هذا الصدد أنها اتصلت بدول أخرى ـ غير سورية ـ لقبول فلسطينيين على أراضيها ولكن لم ترد أي ردود ايجابية حتى الآن ـ أي حتى نهاية 2006 ـ  إلاّ من كندا التي سمحت بدخول 64 فلسطينياً بعد أن ظلوا محصورين في الصحراء الأردنية لسنوات.

ويرى مراقبون أنّ رفض الحكومات العربية استقبال الفلسطينيين أسهم في تحقيق الرغبة الصهيو ـ أمريكية التي تسعى جاهدة لإصدار شهادة وفاة نهائية بحق العودة، ومنع الفلسطينيين من الرجوع إلى أراضيهم المحتلة، وتوطينهم في الأماكن التي يرحلون إليها.

                                       تفاعلات في ملف ساخن

معاناة الفلسطينيين في العراق ما زالت ملفاً ساخناً لأكثر من سبب:

ـ استمرار عمليات استهدافهم داخل العراق من قبل مليشيات طائفية تصفية وخطفاً، وقد وصل عدد الباقين منهم ثلاثة عشر ألفاً بعد أن كان عددهم قبل احتلال الجيش الأمريكي للعراق يزيد عن واحد وعشرين ألف فلسطيني، حيث فرّ الآلاف منهم إلى خارج العراق طلبا للنجاة.

ـ  لا يزال أكثر من 1450 فلسطينياً من العراق عالقين على طول الحدود العراقية السورية في مخيمي “التنف” و”ابن الوليد” في ظروف بائسة، بحسب مفوضية اللاجئين، وتشير تقارير جهات حقوقية فلسطينية إلى أن الهروب الأكبر كان باتجاه سورية حيث أقام اللاجئون بمخيم التنف القريب من الحدود السورية وبلغ عدد قاطنيه 304 إلاّ أنّ عدد اللاجئين فيه ازداد ليصل إلى ما بين 700 و800 لاجئ فلسطيني بعد الهجمات الأخيرة التي استهدفت اللاجئين في العراق، منوهة بأنّ مخيم الوليد القريب منه يضم 230 لاجئاً.

ـ الإحساس المؤلم بظلم ذوي القربى سيظل يلاحق لاجئي مخيم الرويشد وبقية الفلسطينيين الذين لم يستطيعوا مغادرة العراق، أو المحاصرين في مثلث الحدود السورية العراقية (مخيما التنف والوليد) بعد أن أُديرت لهم الظهور وتُركوا هم وأسرهم عرضة للضياع والعذاب والقهر والويلات، وأُوصدت في وجهوهم الأبواب، في لحظات محنتهم الممتدة، التي مضى عليها على المستوى القريب نحو خمس سنوات، وعلى المستوى البعيد حوالي ستين سنة. وتكتسب هذه المشاعر أهميتها بالمقارنة مع ترحيب البعيدين (البرازيليين) و”لأسباب إنسانية” محضة. ويكفي للمقارنة بين الموقفين ما ذكره الأمين العام لوزارة العدل البرازيلية، لويز باولو باريتو بقوله؛ إنّ “البرازيليين فتحوا أذرعتهم مرحبين”، مضيفاً “سيتمتع الفلسطينيون بحقوق المواطنة نفسها التي يتمتع بها البرازيليون .. وسيستلمون هويات شخصية وجوازات سفر، كما سيحصلون على مساعدات مالية شهرية لمدة عامين حتى يتمكنوا من إعالة أنفسهم”. وأكثر من ذلك، كما يضيف الوزير البرازيلي فإنّ أولئك اللاجئين الفلسطينيين “سيتمكنون من المحافظة على تقاليدهم، وارتداء ملابسهم التقليدية، وتناول طعامهم المفضل، وممارسة معتقداتهم الدينية دون الخوف من التعرض لاعتداء أو انتقام”.

 
ورغم كل ما في الأمر؛ فإنّ الفلسطيني وكما برهنت عليه تجارب الماضي والحاضر، لا يساوم على حق العودة، ولا يفرِّط بانتمائه لفلسطيني، مهما تنوّعت جوازات السفر وتعددت المنافي وابتعدت السفين عن مرافئ يافا وحيفا وعكا، ولكنّ التحديات والمشاق والمفارقات الأليمة هي التي تتفاقم خلال ذلك.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات