الأربعاء 08/مايو/2024

سكان مخيم العين شامخون رغم زلزال الاجتياح الذي أتى على مساكنهم

سكان مخيم العين شامخون رغم زلزال الاجتياح الذي أتى على مساكنهم

بات مخيم العين، الصغير في مساحته وعدد سكانه، والواقع على المدخل الغربي لمدينة نابلس، وكأنه تعرّض لزلزال، ترك ظلاله على غالبية مساكنه ومحتوياتها، إلاّ أنّ المفارقة هي مشاعر الأهالي الجيّاشة وعنفوان الصمود الذي كان يلفّ تعبيراتهم، لدى استقبالهم الوفود والطواقم الصحفية التي تقاطرت إلى المخيم لمعاينة حجم أضرار العملية العسكرية التي نفذها جيش الاحتلال على مدار ثلاثة أيام متواصلة.

الحجر ولا البشر

وكانت بقايا بناية أبو ناصر مبروكة، شاهدة على حكاية دمار حوّلت ستة وتسعين شخصاً، جلّهم من الأطفال، إلى المبيت في العراء، بعدما فقدوا مساكنهم من شدّة التدمير الذي استهدفها. وتقول مواطنة فلسطينية مسنة وهي تجلس على أنقاض المنزل المدمر “الحمد لله، الله سلم الرجال، بالحجر ولا بالبشر”.

وتقول إحدى الجارات، إنّ عائلة مبروكة قدمت شهيدين إضافة إلى سبعة أسرى حتى الآن في السجون، فيما تطارد سلطات الاحتلال مجدي مبروكة لكونه قائد كتائب أبو علي مصطفى، الجناح العسكري للجبهة الشعبية.

ويتناول شهود عيان في المخيّم حكاية المسن / حسين السعيد، الذي تجاوز السبعين من عمره، حيث استخدمه جنود الاحتلال درعاً بشرياً أثناء تقدمهم لاقتحام المنازل وتفتيشها، دون رعاية لكبر سنه ووضعه الصحي.

أما هناء أبو سريس، في العقد الثالث من عمرها، فتروي حكايتها عندما احتلّ الجنود الصهاينة منزلها “حشرونا في زاوية لا تزيد مساحتها عن المتر المربع الواحد لمدة تسع ساعات، وكان معنا عشرون جندياً وكلبيْن، فيما استمرّ الجنود بإطلاق النار باتجاه المنازل المجاورة”.

مواطنة رفضت الإشارة لاسمها قالت إنّ الجنود حشروها مع أفراد أسرتها في غرفة واحدة، وصادروا كافة أجهزة الاتصال التي بحوزتهم، إلاّ أنها تمكنت من تخبئة جهاز خلوي، ودخلت داخل خزانة الملابس وحدّثت الإذاعات المحلية، موجهة نداء لتوفير سيارة إسعاف لوالدهما المريض بالقلب.

قائد القسام

وكانت قوات الاحتلال قد اعتقلت المجاهد نهاد رشيد شقيرات “أبو النسيم”، البالغ من العمر أربعة وثلاثين عاماً، والذي تتهمه السلطات الصهيونية بقيادة كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، في مخيم العين.

وأكد شهود عيان في المخيم أنّ شقيرات حاول الانسحاب من المنزل الذي كان يتحصّن فيه بعد أن نفذت ذخيرته؛ إلاّ أنّ جنود الاحتلال باغتوه وتمكنوا من اعتقاله بعد عملية ملاحقة طويلة. وادعى قائد جيش الاحتلال في الضفة الغربية أنّ شقيرات، والذي كانت تطارده أجهزة الأمن الفلسطينية أيضاً، كان يدير البنية التحتية لكتائب القسام في منطقة نابلس.

ومن الجدير بالذكر أنّ شقيرات تعرّض للاعتقال في سجون الاحتلال عدة سنوات، كما أنه شقيق الاستشهادي عناد شقيرات، الذي نفذ عملية استشهادية عند أحد الحواجز العسكرية للجيش الصهيوني في منطقة جنين عام 2002، ما أدى في حينه إلى إصابة عدد من الجنود الصهاينة. كما تم استهداف منزل عائلته في مخيم العين بالهدم على أيدي قوات الاحتلال قبل قرابة ثلاثة سنوات.

وفي منزل جاد حميدان، المطارد من “كتائب أبو علي مصطفى”، لم يكن شكل الخراب مغايراً عن دمار باقي منازل المخيم، فيما أضحت كافة محتوياته تالفة مع بحث الأطفال عن بقايا مقتنياتهم الشخصية.

مشاهد وشهادات

ويشير المصور الصحفي عبد الرحيم قوصيني، إلى أنّ صحفيِّي نابلس مكثوا الاثنتين والسبعين ساعة التي استغرقها الاجتياح يرقبون مجريات العملية، وأضحى عملهم التقاط الصور لحركات الجنود وأعمال التدمير التي يقومون بها. ويلفت قوصيني الانتباه إلى أنّ حكايات مؤلمة تم توثيقها تظهر قسوة الجنود الصهاينة في التعامل مع الجميع بمن فيهم الطواقم الطبية.

أما المواطن عنان بركان، فيقول إنّ جميع محتويات منزله وبخاصة الأثاث قد تم تدميره، ولم تبق قطعة ملابس إلاّ وأُلقيت على الأرض، منوهاً إلى أنّ هذا هو حال كافة جيرانه أيضاً.

ويرى الدكتور غسان حمدان، رئيس لجان الإغاثة الطبية في محافظة نابلس، والذي عاين المخيم في الساعات الأولى لانسحاب قوات الاحتلال؛ أنّ الملفت للنظر هي حالة العنفوان للسكان والتي لم تتمكن كل مشاهد الدمار من التأثير عليها، معتبراً ذلك نصراً رغم حجم التدمير والخراب. وقال الدكتور حمدان إنّ ما جرى هي عمليات انتقام نفذها جيش الاحتلال وليست ملاحقة “مسلحين مطلوبين”.

مخيم العين صخرة عنيدة

ويقول محمود ذياب، عضو اللجنة الشعبية للخدمات، إنّ الدمار شمل غالبية مساكن مخيم العين، فيما بلغ عدد المعتقلين تسعة وأربعين معتقلاً، إلى جانب سقوط الشهيدين أديب سليم الداموني، البالغ من العمر ثمانية وثلاثين عاماً، ومحمد خالد البالغ من العمر سبعة عشر عاماً.

وفور انسحاب قوات الاحتلال منه؛ تقاطرت الوفود الشعبية والجماهيرية إلى أزقة مخيم العين للتضامن مع الأهالي، حيث شوهد وفداً من الحركة الإسلامية بنابلس ولجنة المرأة التابعة للجبهة الشعبية.

ورغم الدمار الواسع الذي حلّ بهم؛ فقد شارك الالاف من سكان المخيم والمناطق المجاورة في تشييع جثمان الشهيدين انطلاقا من مستشفى رفيديا بنابلس باتجاه وسط المدينة، ومن ثم إلى مقبرة المخيم، لمواراتهما الثرى، بعد بقائهما في ثلاجات المشفى بانتظار انسحاب قوات الاحتلال.

وإذا كان الاجتياح الأخير قد أُسدل الستار عليه بعد أن استغرق ثلاثة أيام؛ فإنّ بطولات مجاهدي مخيم العين واستبسال شبابه وصمود سكانه ستبقى حاضرة في الوعي الفلسطيني العام، ولن يُسدَل عليها الستار، وهو ما عنته كتائب القسام عندما أكدت في بيان أصدرته بهذا الشأن أنّ “مخيم العين صخرة فلسطينية عنيدة تتحطم عليها جماجم الصهاينة”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات