الخميس 02/مايو/2024

الجيش الإسرائيلي.. بين صدمة فينوغراد وإمكانية التأهيل!

الجيش الإسرائيلي.. بين صدمة فينوغراد وإمكانية التأهيل!

بكل المعايير والمقاييس العسكرية، والإستراتيجية والأمنية، انتهت حرب تموز/يوليو الإسرائيلية ضد حزب الله بالقلق والإحباط من أداء قيادة الجيش قبل الحرب وأثناءها، ووفق أقل القراءات حدة فإنها لم تكن مُرضية، مما أدى لتشكيل عدد من اللجان الرسمية والبرلمانية والبحثية لمعرفة أين الخلل، وكيف حدث الإخفاق، ولم حصل ما حصل أساساً؟ كان أهمها لجنة ((فينوغراد)) الرسمية التي قدمت تقييماً سيئاً ومعيباً بحق ((الجيش الذي لا يقهر))، من خلال عدد من الاستخلاصات والنتائج الواردة في أكثر من سبعين صفحة عرضت على الهواء مباشرة على لسان رئيسها القاضي ((فينوغراد))، باستثناء الجزء السري الذي بقي طي الكتمان، وبعد نشره فوراً، بدأت تصفية الحساب بين السياسيين تارة، وحملات الترميم وإعادة التأهيل للجيش تارة أخرى.

· أوجه الخلل.. عسكرياً واستخباراتياً

قدّم التقرير تفصيلاً مستفيضاً لما واجهه الجيش، والمؤسسة العسكرية عموماً، من مشاكل وعقبات، إدارية وميدانية في الوقت ذاته، التي أثرت بدورها -إلى جانب جملة من الأمور الأخرى- في الإدارة العسكرية الفاشلة للحرب، وبعيداً عن إعادة سرد بنود تقرير لجنة التحقيق من الممكن وضع أبرز نقاط الإخفاق:

1- فشل الاستخبارات العسكرية: لعل الإخفاق الأكبر الذي وقع فيه الجيش يكمن في نجاح حزب الله، الذي يخوض حرب عصابات، في ((خطف الدولة بأكملها)) بعد سنوات عديدة من التسلح والتخفي، بحيث استفاق الجيش ليجد الحزب أكثر تنظيماً، ومقاتليه أكثر تدريباً عما كانوا عليه في جولات القتال السابقة، مما أسفر عن تغير الوضع مع مقاتليه في ساحة المعركة. ولعل أسر الجنديين في عملية ((الوعد الصادق)) افتتح سلسلة الأخطاء الأمنية الاستخباراتية، حيث نجح مقاومو الحزب في مباغتة الجيش الصهيوني مرة أخرى، كما نجح مقاتلو حماس في غزة في أسر جندي آخر، مما أشار لوجود خلل استخباراتي ذريع.

سلسلة الإخفاقات الأمنية والاستخبارية ساهمت بدورها في بروز شروخ أولية في الإسناد الذي منحته القيادة السياسية العليا للجيش منذ بداية المواجهة، وعبّرت محافل سياسية ووزراء في الحكومة في محادثات مغلقة عن قصور الاستخبارات في جمع المعلومات عن تعاظم حزب الله، والاستعدادات المكثفة التي أعدّها للمواجهة مع (إسرائيل). ومالت تحقيقات ((فينوغراد)) إلى أن المشكلة الأم هي في أجهزة الاستخبارات، لاسيما ((الموساد)) وجهاز الاستخبارات العسكرية ((أمان))، ربما تعود في عدم وجود ((أب)) لجمع المعلومات في لبنان، ولذلك ألقى ((الموساد)) المسؤولية على شعبة الاستخبارات في الجيش، فيما ردت الأخيرة التهمة للموساد. ثم جاءت سلسلة من الإخفاقات الأمنية متمثلة بعدد من المفاجآت التي قدمها حزب الله خلال المعركة، لتثير تساؤلات مقلقة في ضوء عدم تزود الجيش بمعلومات من قبل الاستخبارات بأن لديه صواريخ وأسلحة بهذه القدرة.

2- الإخفاق الميداني للجيش: لم يكن أعضاء لجنة ((فينوغراد)) بحاجة لجهد كبير ليصلوا إلى ذات القناعة التي وصلها بعض القادة العسكريين، وهي أن الإدارة الاستراتيجية العسكرية للحرب كانت فاشلة، والبراهين البارزة على ذلك كثيرة، لعل أهمها: عجز القوات البرية في وقف حرب الاستنزاف، التي واصل حزب الله شنها حتى اللحظة الأخيرة، وعدم استكمال القوات البرية استيلاءها و((تطهيرها)) للحزام الضيق في الجنوب اللبناني، في ظل أن الجيش بقي يقاتل ((عرضاً)) بدلاً من ((عمقاً)) في قطاع ضيق للغاية، ولم يستكمل مهمته في عدة أسابيع. كما فشلت الاستراتيجية القائمة على تجنيب ((الداخل)) أي هجوم خارجي، وحرص على خوض حروبه كلها بنقلها فوراً لأرض أعدائه.

فضلاً عن الأحاديث التي استعان ببعضها تقرير ((فينوغراد)) الختامي من قبل ضباط المشاة والمظليين حول الإخفاقات التي تكبدتها قواتهم، ومنهم العميد يوسي هايمان ضابط المشاة والمظليين، الذي عبّر عن المسؤولية الملقاة على عاتقه، لأنه لم يفلح في الإعداد الأفضل لسلاح المشاة، وحدات النظامي والاحتياط، ولم ينجح في منع تآكل السرايا والفصائل المهنية، كالراجمات، الدورية، الهندسة، وأخيراً جاءت العرائض التي أرسلتها مجموعة من المقاتلين لقادة الجيش ورئيس الحكومة ووزير الدفاع، احتجاجاً على الأداء الفاشل لقياداتهم العسكرية في ميدان الحرب، وقبل ذلك وبعده، عدم وضوح هدف الحرب الذي لم يحدد بصورة واضحة أمام الجنود والضباط، والإجماع الذي ساد أوساط المحللين العسكريين على أن ما تلقاه الجيش أمام حزب الله هو ((ضربة قاضية))؛ ((تلقينا صفعة)). وبالتالي وجدوا أنفسهم ليس أمام فشل عسكري فقط، بل فشل استراتيجي لم تتضح بعد تبعاته وإسقاطاته السلبية بعيدة المدى، كالملاكم بعد أن يتلقى الصدمة، فما زال الإسرائيليون جاثمين على الأرض في شبه إغماء محاولين فهم ما حدث!

3- تبدد قوة الردع الإسرائيلية: التي أصيبت في مقتل من خلال عدة شواهد أوردها تقرير ((فينوغراد))، تلميحاً وتصريحاً، لعل أهمها المعارك البرية لا سيما مارون الراس وبنت جبيل، حيث تبددت هذه القوة تحت وطأة ضربات حزب الله، وأثبتت المعارك أن بالإمكان تحقيق تكافؤ في التدريب النوعي، إذا ما تحولت العقيدة القتالية من اعتماد الكمية إلى النوعية، وجاء صاروخ الكاتيوشا ليبدد الحلم نهائياً بأن تحارب (إسرائيل) وراء الحدود وتبقى في مأمن داخلي مطمئن.

كما كشفت الحرب، عن الضعف الملحوظ والمتزايد في الروح المعنوية التي سكنت الإسرائيليين، بل إن قوة الردع تهاوت وتجلت حين فشلت العملية البرية، مما سيجعل قادة الجيش ((يعدون على أصابعهم العشر)) قبل اختراق الحدود، وضرب مواقع المقاومة، خوفاً من أطنان المتفجرات، التي أثبتت أنها قادرة على صبها فوق رؤوسهم يومياً، بالرغم من عنفوان المظلة الجوية الضاربة.

* برامج ميدانية

1- خطة تيفين الترميمية: ربما كانت أول الاستخلاصات من تقرير ((فينوغراد)) مبادرة الجيش إلى إعداد الخطة متعددة السنين المسماة ((تيفن))، وتوجد هذه الأيام في مراحل الإعداد، خاصة بالأعوام 2008 – 2013، التي ستأخذ بالحسبان الدروس المستخلصة من الحرب، وستحل محل الخطة السابقة ((كيلع))، التي وجد الجيش صعوبة في تطبيقها قبل الحرب بسبب مصاعب الميزانية، الغريب في الأمر أن الخطة المشار إليها، تزيد من اعتماد الجيش على سلاح الجو من حيث الإبقاء على ميزانياته التي ستبقى على مستواها الحالي، في ظل تكليفه بالقضاء على التهديد النووي الإيراني، وما زال جملة من قيادات الجيش يعتقدون أن سلاح الجو أثبت قدرات ((هائلة)) في الحرب، وإن كانت التوقعات منه مبالغاً فيها بسبب مفهوم مغلوط!!

ومن المتوقع لسلاح البحرية أن يستثمر أموالاً طائلة في غواصتين جديدتين ستُبنيان في ألمانيا، لتنضما إلى ثلاث غواصات ((دولفين)) نووية موجودة لدى الجيش حالياً، وليس واضحاً بعد ما إذا سيتقرر في المقابل التزود بسفن أكبر من تلك التي يستخدمها اليوم.

2- السلاح البري: حسب الخطة المتبلورة فإن ميزانية القوات البرية ستزداد ابتداء من العام 2008، بسبب الإهمال الذي أصابه على مدى السنين الماضية، وأدى لأزمة خطيرة في منظومتها، وخطط حل كتائب وألوية ستلغى، كما أن مستقبل الدبابات يبدو أكثر وضوحاً مما في الماضي، وسيواصل الجيش إنتاج دبابات ((ميركافاه 4)) في الخطة الخماسية القادمة. كما سيعمد للتطوير والتسلح بوسائل ((تحصين فاعل)) من إنتاج سلطة تطوير الوسائل القتالية ((رفائيل))، والصناعات العسكرية ((تاعس)) لحماية الآليات المدرعة، ويفترض بالمنظومات التي توجد في مراحل التطوير المتقدمة، أن تهاجم صواريخ ((العدو))، وتدمرها قبل أن تضرب المركبات المدرعة.

3- التدريبات الميدانية: سيخصص الجيش وفقاً للخطط التي أعدت عقب الحرب الأخيرة مصادر كثيرة جداً للتدريبات كدرس مركزي من الحرب، وسيشارك فيها العديد من القوات التي لم تتدرب من قبل، وتطبيق مبدأ تدريبي جديد يعني بتعميق التداخل بين الأذرع المختلفة: البحر، الجو، والبر، من خلال المناورات المشتركة، وتطوير الوسائل المناسبة.

* موازنات مالية

في حملات الدفاع والتبرير والتسويغ التي ساقها ضباط الجيش وقادته عن فشلهم الذريع، بدءاً بوزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان، ورؤساء الأسلحة المختلفة، البري والبحري والجوي، جاءت الاتهامات الموجهة لرئاسة الحكومة ووزارة المالية بقلة الموازنات المخصصة، مما جعلها في أعقاب استخلاصاتها لتقرير ((فينوغراد)) تطالب برفع موازناتها، وجاءت الاستجابات على النحو التالي:

1- زيادة موازنة القوات البرية بنحو 750 مليون دولار، للتغلب على النواقص التي خلفها تقليص موازنتها في الأعوام الأخيرة، علماً بأن الاستثمارات والتطوير العسكري للجيش استهلكت حيزاً هاماً من الموازنة المالية التي وصلت ذروتها بنسبة 30% من إجمالي الموازنة المحلية.

2- الاهتمام بالدعم اللوجستي، وإمداد الوحدات والفرق العسكرية بالمعدات اللازمة، وآخر ما تفتقت عنه قريحة الصناعات العسكرية، عبر تكبير المواقع العسكرية، سواء القوة البشرية أو قوة التسلح، وإقامة المزيد من الألوية، وجمع كميات كبيرة من الأسلحة.

3- في الوقت الذي حرص فيه الجيش على جمع كل الإمكانيات التكنولوجية التي لا تستخدم في غالبيتها، وتحصيل كل الوسائل القتالية التي سرعان ما تصبح قديمة، مما يولد في النهاية شعوراً خطيراً في أوساط القادة والضباط الميدانيين بعدم الثقة، على العكس فإن هناك تراجعاً ملموساً في الروح المعنوية!!

ورغم هذا الإنفاق العسكري الطائل، فإنه لم يترافق إسرائيلياً تغيير في الذهنية الاستراتيجية، سواء في جهاز اتخاذ القرارات، أو لدى الجيش ذاته، وبات السيناريو الذي يشكل كابوساً مستمراً له يتمثل في هجوم عربي منسق، بقوات تقليدية كبيرة على حدود الدولة، فجاءت مقاومتا حماس في الداخل، وحزب الله في الخارج، لتأتي بكابوس من نوع جديد!

وأكبر دليل على عدم مجاراة تلك التغيرات مع الإنفاق المالي الطائل، الوصف الذي أطلقه الخبير العسكري عوفر شيلح حين قال إن حرب أكتوبر 1973 اعتبرت حرباً قديمة بسلاح قديم، وجاءت حرب الخليج 1991 لتعتبر حرباً قديمة بسلاح جديد، فيما اعتبرت حرب العراق 2003 حرباً جديدة بسلاح جديد، والسؤال المطروح على واضعي النظريات العسكرية الإسرائيلية: ماذا نطلق على الحرب الدائرة مع حماس وحزب الله؟

وهكذا اقترب تقرير فينوغراد من القول بأن الحرب التي خاضها الجيش الإسرائيلي ضد المقاومتين الفلسطينية واللبنانية، تشبه ذات الحرب التي خاضها الجيش الأمريكي في فيتنام، حين قال الأمريكيون عنها: لم نحارب هناك ثلاث عشرة سنة، وإنما حاربنا هناك فقط سنة واحدة، مضاعفة إلى ثلاث عشرة مرة!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات