الإثنين 13/مايو/2024

رسائل فرفور السياسية ليست سابقة في عالم أفلام الكرتون

رشيد ثابت

بعض العرب والمسلمين مصاب للأسف برهاب يجعلهم في موقع تقبل تهم الإقصاء والإرهاب في حقهم من قبل الصهاينة والأمريكان؛ ومن قبل الخط المعادي للعروبة والإسلام في الثقافة الغربية عموما؛ ولذلك يسارع هذا البعض للاستجابة للاتهامات الغربية القادمة في هذا الخط  بإعلان تنصل فوري من كل ما تتهم به جهة غربية جهة عربية إسلامية ما في شأن الحريات وحقوق الإنسان؛ ودون تحقق ودون تثبت من القضية مادة النقاش!

من هنا سارع بعض الإعلاميين للأسف للانسياق خلف الدعاية التي ثارت مؤخرا بخصوص توظيف قناة تلفزيون الأقصى لشخصية كارتونية في خدمة السياسة – سارع هؤلاء الإعلاميون لإعلان البراءة من التهمة والتقرب للنفاق الغربي بخصوص الحريات والطفولة والإنسانية؛ واعتبار ما فعلته قناة الأقصى خطأ وفعلا غير مهني.

أولا؛ تجدر الإشارة أنه من ناحية مبدئية فإن من حق الشعب الخاضع للاحتلال أن يتصرف سياسيا وإعلاميا واقتصاديا وعسكريا وعلى كافة الصعد بما يخدم قضيته في الحرية والاستقلال؛ ويحق لفلسطين والفلسطينيين فعل أي شيء في كل ساحة وميدان – طالما أن هذا لا يتعدى على حقوق الآخرين – في سبيل تحصيل حقوقهم؛ وأولى بمن يغضب من الغربيين بافتعال وبرود مصطنع من أجل طفولة شوهتها رسالة مسلسل للأطفال – أولى به الانتباه لحال الفلسطينيين الذين يقتل أطفالهم حتى قبل أن يكونوا في حال تأهلهم لمتابعة التلفزيون؛ وما حدث في جنين مؤخرا من قتل الأجنة في بطون أمهاتهم ليس عنا ببعيد؛ ومر دون صدور كلمة يتيمة من مرجعية غربية واحدة معتبرة؛ في إدانة ما جرى ويجري لهذا الشعب منذ عقود!

أما التذرع بأن استخدام أفلام الكرتون في خدمة السياسة هو أمر غير مهني ولا إنساني؛ فهو تذرع داحض؛ ولا يصدر حقيقة إلا عن شخص واضح أنه لا يعرف عماذا يتحدث؛ ولا يعرف ماذا كان صناع أفلام الكرتون الكبار ينجزون على مدى العقود المنصرمة.

 لحسن الحظ فإن عهدنا بالطفولة ليس بعيدا؛ ولذلك يسعدني أن أضع بين يدي القارئ بعض المعطيات البسيطة التي تكشف كيف أن أفلام الكرتون من “هوليوود” و”والت ديزني” ومن “وارنر بروذرز” كانت ولا تزال توظف في خدمة السياسة على نحو مكثف ومقصود؛ وتحديدا في خدمة السياسة الاستعمارية للولايات المتحدة.

وهذا البحث السريع سيقتطف بعض الأمثلة في عجالة؛ ولا ينوي دراسة كل تاريخ الرسوم المتحركة المثقل على عكس ما يظن البعض بالرسائل السياسية الموجهة!

ولنبدأ من فرفور نفسه؛ أو من “ميكي ماوس” الذي حاكاه فرفور. ففي العام 1929 ظهرت حلقة للفأر الخارق “ميكي ماوس” بعنوان معركة “بارن يارد”. في هذه المعركة “البريئة” و”الطفولية” تقاتلت القطط الغازية المجحفة المعتدية مع الفئران البريئة اللطيفة؛ وكان النصر حليف الفئران. وبالرغم من أن الحلقة لم تذكر صراحة الحرب التي كانت تعرِّض بها؛ إلا إن القطط كانت ترتدي خوذات عسكرية تشبه تلك التي ارتداها الجيش الألماني في الحرب العالمية الأولى. أما الفئران المنتصرة فقد كانت تنفذ استعراضا عسكريا على نغمات موسيقى أغنية “ديكسي”؛ وهي أغنية كان جنود الجيش الأمريكي الاتحادي يغنونها في الحرب الأهلية الأمريكية. كذلك كانت أغنية احتفال الفئران بالنصر معزوفة على لحن أغنية “معركة صرخة الحرية” التي غناها المقاتلون الأمريكيون في نفس الحرب المذكورة أعلاه.(1)

هذا فقط مثال من أمثلة كثيرة تم فيها توظيف أفلام الكرتون من شركة “والت ديزني” الأمريكية لخدمة الغزو الثقافي الأمريكي للعالم كله؛ وإن كان يحق للسيدة “ديان ديزني ميللر” أن تكيل بمكيالين وتعلن اشمئزازها من توظيف قناة فلسطينية لشخصية كرتونية من صنع والدها في خدمة السياسة؛ ربما لأن هذه السياسة معادية للولايات المتحدة؛ فأي عذر يبقى للمثقف الفلسطيني والعربي للسقوط في فخ تقليد الأمريكان دون تدبر؟

وليست “والت ديزني” وحدها في الميدان؛ فشخصيات شركة “وارنر بروذرز” الكرتونية لم تخرج عن إطار خدمة السياسة والثقافة الأمريكية في كل مكان؛ فهناك الأرنب الظريف “باغز بني” الذي استخدم في الحرب العالمية الثانية لإنتاج حلقات تسخر بأعداء أمريكا في ذلك الوقت؛ وهم “أدولف هتلر” و”هرمان غويرنغ” من قيادات الحزب النازي في ألمانيا؛ والجندي الياباني والثقافة اليابانية بشكل عام.(2)

ومن خلال البحث في الانترنت يمكن العثور على صفحة متطلب أو مادة جامعية ستدرس هذا الصيف في جامعة “إنديانا” في “بلومبينغتون” وسيكون هذا “الكورس” الجامعي بعنوان: “باغز باني – أيقونة الفولوكلور الأمريكي” ويقول واضعو المادة ذات الثلاث ساعات معتمدة أن الأرنب المحبوب تعامل في تاريخ حلقاته مع جوانب من التاريخ الأمريكي؛ والثقافة الأمريكية الشعبية وحتى العلاقات الخارجية للولايات المتحدة! (3)

وفي العام 2003 نشرت مجلة الرسوم المتحركة العالمية أو   ” أنيميشن وورلد ماغازين” مقالة أوضحت فيها كيف أن وكالة المخابرات الأمريكية “سي آي أيه” مولت إنتاج فلم الرسوم المتحركة “مزرعة الحيوان” عن الرواية الشهيرة بنفس الاسم لجورج أورويل؛ وذلك في إطار الحرب على الشيوعية والاتحاد السوفييتي. (4)

والحقيقة أن مجرد تذكر كيف يظهر المجتمع الإسلامي في أفلام الرسوم المتحركة لعلاء الدين والسيندباد من انتاج هوليوود؛ وكيف أن الغول “شرِك” كان يحفر الهلال والنجمة – الشعار الإسلامي الشائع- على باب بيت الخلاء في الفلم الكرتوني الشهير – إن مجرد تذكر هذه الأمثلة من ضمن عشرات أخرى كفيل بالتأكيد على حقيقة أن أفلام الكرتون كانت في خدمة السياسة من زمان؛ وأن توظيف شخصية كارتونية في خدمة السياسة لم يكن بدعة ضد الطفولة وضد الإنسانية انتظر العالم حماس لتفجرها!

ربما لا يريد أعداء الأمة فعلا عدم توظيف أفلام الكرتون والسينما والتلفزيون في خدمة السياسة؛ لكن يبدو أن نوع السياسة الموظفة يحدد قبولهم لهذه الأعمال من عدمها!

فلا عليكِ منهم يا حماس؛ ولا عليك منهم يا تلفزيون الأقصى؛ ولا عليك منهم يا “فرفور” فحججهم مردودة عليهم؛ وأطفالنا أحبوك؛ ويكفي أنك سبب في إغاظة أعداء الأمة؛ فامض على بركة الله ولا تعبأ بنفاق الغربيين في حقوق الطفولة وكذبهم في شأن الحريات!

 

http://en.wikipedia.org/wiki/The_Barnyard_Battle (1)

http://en.wikipedia.org/wiki/Bugs_Bunny  (2)

http://summer.indiana.edu/index.php?nodeID=specialPrograms&programsID=49 (3)

http://film.guardian.co.uk/features/featurepages/0412090892500.html (4)

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات