الإثنين 13/مايو/2024

أمريكا أولا.. !!

د. محمد عطية عبد الرحيم

يعاني الدولار الأمريكي هذه الأيام هبوطا حادا في أسعار صرفه دوليا ربما تجاوزت 15% من قيمته؛ ويرجع ذلك لتراجع النمو في الاقتصاد الأمريكي الذي يعاني ركودا كبيرا ويبدو أنه لن يتعافى في الأمد القريب.

 وهناك سبب آخر لهبوط الدولار وهو حروب أمريكا على العرب والمسلمين التي أدت إلى إيقاع خسائر اقتصادية كبيرة بالاقتصاد الأمريكي والاقتصاديات المرتبطة به. ولكن الاقتصاد الأمريكي مرن وضخم ويمكنه استيعاب والاستفادة من هذا الانخفاض في سعر الدولار بينما اقتصاديات الدول الأخرى التابعة للاقتصاد الأمريكي ستتضرر كثيرا فكما يقول الاقتصاديون فإن الاقتصاد الأمريكي يخسر خسارة اسمية بينما خسارة الاقتصاديات التابعة خسارة حقيقة.

لمزيد من الإيضاح أقول إن استخدام الدولار الأمريكي كأداة كبرى للتبادل التجاري جعل اقتصاديات العالم بأسره مرتبطة بالاقتصاد الأمريكي؛ وهذا الأمر يلمسه حتى آحاد المواطنين الذين تضررت مدخراتهم كثيرا وهبطت نسبة كبيرة جدا وهذا ببساطة يعني أن الجميع سواء أكانوا أفراداً أو دولا قد خسروا ما يقرب 15% من مدخراتهم والفرق ولا شك فيه يصب في مصلحة ورفاهية الاقتصاد الأمريكي لأن الجميع يتحمل جزءاً من هذه الخسارة وليس الأمريكان وحدهم فالجميع يشاركهم هذا الوضع .

وللتدليل على صحة ما أقول يذكر جميعنا بأن دول الخليج العربية الثرية جدا والتي تتخذ من الدولار عملة وحيدة لاقتصادها حاولت أن ترتبط اقتصادياتها بسلة عملات أخرى غير الدولار. وحاولت أن تؤسس لعملة خليجية موحدة بديلة للدولار؛ فصدر تحذير واضح من الإدارة الأمريكية لهم بأن لا يفعلوا ولم يفعلوا. وهبط الدولار أخيرا وهبطت معها مدخراتهم وبذلك ساهموا في رفعة الاقتصاد الأمريكي وتحملوا جزءاً كبير من خسارته.

ويزداد ما أقول وضوحا عندما نسمع بشكل جلي من وزراء المالية في الدول الخليجية بأنهم ملزمون باستخدام الدولار وحذروا مواطنيهم من المضاربة بالعملات الأخرى لأن الدولار الأمريكي سيتعافى. هذا التزام سياسي بسياسات أمريكا الاقتصادية والسياسية وهو كذلك التزام يضخ أموالهم في شريان الاقتصاد الأمريكي كمن يتبرع بدمه لمريض آخر تماما.

لقد كتبت هذا المقال لأعرف القراء بأن بعض العرب على استعداد لأن يبذلوا الغالي والرخيص في سبيل إرضاء أمريكا والدوران في فلكها مهما كان الثمن. فهم يخسرون الآن الكثير من الأموال ولا يبدون انزعاجا بهذا وعندما يطلب منهم المساهمة في مشاريع اقتصادية في العالم العربي الذي يعاني الفقر الشديد تجدهم يبخلون. وعندما تجود أنفسهم تجود بالفتات الذي لا يغني شيئا. فهم  يتركون الصوماليين والسودانيين والفلسطينيين والمصريين يتضورون جوعا، وبإمكانهم أن يستثمروا في هذه الدول وخصوصا السودان الذي تعلمنا دائما منذ الصغر أنه سلة الطعام للعالم العربي وتُرك يعاني الفقر والأزمات واستثمروا في بلدان أوربية وأودعوا أموالهم في البنوك الأوربية والأمريكية تستثمرها وتستفيد منها بل وتقرضها إلى دول أخرى بفوائد كبيرة وترتهن إرادتها واقتصادها.

دعنا نتصور وضعا مختلفا عما يحدث الآن يسود فيه التضامن العربي والإسلامي واستثمرت أموال المسلمين في بلادهم هل كنا سنعاني مما نعانيه اليوم؟ وهل كانت سترتهن إرادتنا كما هي مرتهنة الآن؟ بالتأكيد سيزدهر الاقتصاد العربي وسيتحرر العرب والمسلمون من التبعية المذلة للغرب.

هل لو خصص العرب عُشر ما خسروه نتيجة لانخفاض الدولار الأمريكي لإنقاذ القدس التي تتعرض للتهويد هل كان الحال سيكون كما هو عليه الآن علما بأن صندوق القدس الذي أسسوه لإنقاذ القدس ليس فيه دولار واحد! وهل تضور الصوماليون جوعا وبقوا ينتظرون مساعدات الدول الأوربية التي تستخدم للتدخل في شؤونهم وتنتهك سيادتهم؟ وهل بقي السودان المليء بالأرض الخصبة غير قادر على إشباع شعبه وهو في الأصل قادر بقليل من الاستثمار على أن يشبع العالم العربي طعاما؟

أتساءل إلي متى نسترخص أموالنا إرضاء لأمريكا ونبخل بها على إخواننا وعلى قضايانا المصيرية كالقضية الفلسطينية التي تُمثل شرف هذه الأمة وشرف إسلامها العظيم؟ ولماذا يُترك الفلسطينيون ينتظرون مساعدات الدول الأوربية المشروطة بالتنازل عن حقوق العرب والمسلمين في فلسطين وفي أقصاهم؟ وهم يستطيعون بكل تأكيد أن يحرروا الفلسطينيين والقضية الفلسطينية من ضغوط هؤلاء الأشرار فكل ما يحتاجه الفلسطينيون من مساعدات لا يساوي أقل من مليار دولار سنويا لا تمثل من دخلهم وخسارتهم نتيجة لانخفاض الدولار إلا شيئا يسيرا جدا.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

مواجهات عقب هجوم للمستوطنين جنوب نابلس

مواجهات عقب هجوم للمستوطنين جنوب نابلس

نابلس – المركز الفلسطيني للإعلام اندلعت مساء اليوم الاحد، مواجهات بين المواطنين والمستوطنين وقوات الاحتلال في بلدة قصرة جنوب شرق نابلس....