عاجل

الثلاثاء 14/مايو/2024

الظواهري ودخول فلسطين من الباب الخطأ !

لمى خاطر

لعل أبرز ما ميز تسجيل الظواهري الأخير – في شقه المتعلق بفلسطين – تلك الإيحاءات التي تشي بأن ما يراهن عليه الرجل الثاني في تنظيم القاعدة هو الدفع باتجاه إحداث انشقاق في حماس يتيح للقاعدة أن تستفيد منه في تأسيس موطئ قدم لها في فلسطين، فالقاعدة إذ تدرك أن تأسيس تنظيم في فلسطين من الصفر أمر ليس في طاقتها نجد أن منظريها وعلى رأسهم الظواهري باتوا يحاولون بلورة نواة لهذا التنظيم من بين صفوف حماس وإنهاضه على أكتاف نفر من مجاهديها تتصور القاعدة أنهم موجودون ولا يحتاجون سوى لإشارة من رأس الهرم القاعدي للمضي قدماً نحو خطوة الانشقاق والميل نحو الفكر القاعدي وعقد لواء (البيعة) لأميرها!

ومن استمع لخطاب الظواهري الذي صيغ هذه المرة على شكل حوار لن يواجه عناءً كبيراً في إدراك مرامي الظواهري الخفية عند حديثه عن حماس، فتلميحه نحو ثلاث مرات إلى الدور المطلوب من (مجاهدي) حماس حيال مواقف قادة الحركة السياسيين يكاد يقول بوضوح إن الرجل يطالب أبناء الحركة وتحديداً أفراد جهازها العسكري بالانقلاب على قيادتهم، والالتحاق بالتنظيم الوحيد الذي يمارس الجهاد – في عرف الظواهري – ويحمل فكراً لا مكان فيه لأبجديات (ثقافة النعاج) كما أسماها الظواهري وعنى فيها فكر جماعة الإخوان المسلمين.

وقد حشد الظواهري عدة أسباب ليدلل من خلالها على أن حماس أصبحت ( شريكة في العدوان على حقوق الأمة ) منها عدم احتكامها للشريعة، وارتضائها مشاركة (العلمانيين العملاء) – على حد قوله – في حكومة وحدة وطنية، إضافة إلى علاقاتها مع المحيط العربي، وغير ذلك من هرطقات قوامها الوهم تتعلق باتهامات التفريط والتنازل والسقوط !

واللافت في تصريحات الظواهري هو حجم الأمية بالواقع الفلسطيني التي تكتنف تعابيره وأحكامه والتي تفضي بالتالي إلى استنتاجات شوهاء مثيرة للاستغراب والسخرية في الآن ذاته.

ويبدو أن الظواهري لم يسمع عن حماس وطبيعة نهجها ومحددات مسلكها إلا عند توقيع اتفاق مكة، فأسقط كل ما يعتمل صدره من مشاعر ضد (الإخوان) على حماس، فتخيل أن تضحيات الحركة الجليلة على مر تاريخها ليست سوى استثناء أفرزه غياب فكر السلفية الجهادية عن الساحة الفلسطينية، الأمر الذي دفعه للظن بأن الثلة المجاهدة من أبناء الحركة ستهرع للانضواء تحت لواء الفكر القاعدي لمجرد صدور إشارة من الظواهري أو دعوة شبه صريحة لهم لترك تنظيمهم.

وثمة أسباب متعددة تدفع الظواهري للتركيز كثيراً على الساحة الفلسطينية حديثاً وهو الذي لم يكن يتطرق لها إلا لماماً أو يستخدمها كأداة لشحن مشاعر العامة واستقطابها لمناصرة تنظيمه.

وعلى رأس تلك الأسباب جهل الظواهري بحقيقة حماس فكراً وممارسة، وبطبيعة الروابط القائمة بين التنظيم وأبنائه، يضاف إليه سوء ظن كبير بقيادة الحركة منشؤه تنكر الرجل لحقيقة أن هذه القيادة كانت على الدوام ثابتة على مبادئها وحاضرة في ميدان المقاومة، إن لم يكن عبر المساهمة المباشرة فيها فعبر دفع ضريبتها اعتقالاً واستشهادا، وقيادة هكذا حالها لا بد أن تكون وقاعدتها على وفاق وانسجام تامين، وهذا بدوره يفرز ثقة كبيرة من قبل قاعدة الحركة بقيادتها وتفهماً لسلوكها السياسي ما دام سائراً وفق الضوابط العامة للحركة المعروفة والواضحة للجميع.

ومن تلك الأسباب أيضاً أن اعتقاد الظواهري المبالغ فيه بصوابية الفكر الذي يمثله وتحامله غير المبرر على جماعة الإخوان يدفعه للشطط في أحكامه وتوصيفاته وتقييمه لمسيرة حماس وتوقعاته لمآلها، وبالتالي تشجيعه على تقديم نفسه كبديل لها على الساحة الفلسطينية.

يضاف إلى ذلك أن بداية أفول نجم شعبية القاعدة في بعض الساحات الأخرى وخصوصاً العراقية لصالح تنظيمات مقاومة إسلامية أخرى؛ هذا الحال يغري بالتطلع نحو الساحة الفلسطينية وضخ كثير من الجهود لإثبات الذات فيها لما لوضعيتها الاعتبارية من أهمية جعلتها بؤرة الاهتمام ومحط الأنظار على مر العصور.

كان الأولى بالقاعدة وبزعيمها إن أرادت أن تجد لنفسها مكاناً داخل فلسطين أن تسلك لذلك الهدف الطريق الصحيح وهو بناء النفس ذاتياً والسير في الاتجاه الوحيد الذي يحتمل القبول بولادة تنظيم جديد وهو اتجاه مقاومة الاحتلال، وترك الفعل يتحدث عن أصحابه ويثبت لهم مكاناً لا ينازعهم فيه أحد.

لكن مؤشرات وبوادر (القاعدة الفلسطينية) لا تبشر بخير، وخاصة إذا ما نظرنا لفعل بعض المجموعات المتخصصة في تفجير مقاهي الإنترنت وغيرها في القطاع، ولمنطلقاتها ومرجعيتها الفكرية، وإذا نظرنا في المقابل إلى دعوات الانشقاق الصادرة عن أيمن الظواهري وجرعاته التنظيرية الموجهة نحو حماس، مما يؤشر على أن مشروع هذا التنظيم يحمل مسببات وفاته مع إرهاصات ولادته الأولى.

لأنه يبدأ من نقطة خاطئة ويراهن على حسابات خاسرة، ولأن اختراقه وتحوله لمطية لكل راغب بالعبث في الواقع الفلسطيني سيكون أمراً في غاية السهولة، نظراً لغياب المركزية في العمل القاعدي ولغياب تأصيل سليم لمختلف المواقف والمسلكيات، وهذا يعني أن معاول الاختراق ستنفذ داخل جسده بسرعة ومن قبل جهات عدة، وستكون مسيرته مصبوغة بالسواد والمعارك الجانبية المنحرفة عن جادة الصواب مما سيفقده حاضنته الشعبية ويجعله مجرد حالة طارئة لا تلبث أن تتلاشى.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات