الجمعة 03/مايو/2024

الصهيونية والمحافظة الجديدة

الصهيونية والمحافظة الجديدة

صحيفة الاتحاد الإماراتية

أيديولوجيتان للهيمنة سادتا العصر الحديث: الصهيونية للهيمنة على الوطن العربي بل والعالم الإسلامي في أفريقيا وآسيا وعلى العالم الغربي، أوروبا والولايات المتحدة الأميركية أي على العالمين القديم والجديد معاً، والمحافظة الجديدة للهيمنة على العالم كله خاصة في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، مصادر الطاقة والثروة الطبيعية والعمالة الرخيصة والاستهلاك. وقد عانى العرب والمسلمون منهما معاً. احتلت أوطانهم، واستعبدت شعوبهم، وتابعت نظمهم السياسية تجد فيهما التأييد الخارجي بعد فقدانها الشرعية الداخلية.

وهناك اتفاق في النشأة والبنية والهدف بين الأيديولوجيتين والدولتين اللتين تبنيانهما، “إسرائيل” والولايات المتحدة الأميركية. فقد نشأت كلتا الدولتين على أنقاض شعب آخر، الشعب الفلسطيني، وسكان أميركا الأصليين. تحول الشعب الفلسطيني إلى مجموعة من اللاجئين خارج فلسطين، في المخيمات وفي أوروبا وأميركا وفي باقي بقاع العالم. وحلت محلهم هجرات يهودية من كل بقاع العالم تحت شعار “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”. وكما عاش ما تبقى من سكان أميركا الأصليين “الهنود الحمر” في محميات داخل وطنهم كذلك يعيش عرب 1948 في قرى داخل وطنهم المغتصب. وكما فشلت أميركا في جعل نفسها “بوتقة انصهار” للشعوب المهاجرة وظلت القضية العنصرية إحدى قضاياها الرئيسية بين البيض والسود والأسبان والآسيويين والعرب والمسلمين كذلك ظلت المسألة العرقية مسألة رئيسية في “إسرائيل” بين اليهود الشرقيين “السفرديم” واليهود الغربيين “الأشكناز”، بين الدينيين والعلمانيين، بين الأغنياء والفقراء، بين أنصار الحرب وأنصار السلام.

كلتاهما دولتان حديثتان، نتاج العصر الحديث. فقد وصل كولومبوس أميركا عام 1494 بعد سقوط غرناطة 1492 آخر معاقل المسلمين بالأندلس وبنفس الخرائط العربية التي تتحدث عن كروية الأرض. فعمر الولايات المتحدة حوالي خمسة قرون مقارنة بالشعوب العربية الإسلامية وعمرها آلاف السنين، مصر القديمة والعراق وحضارات ما بين النهرين وفلسطين أرض كنعان وشبه الجزيرة العربية وحضارة اليمن السعيد.

وقد تحولت الأيديولوجيتان من نزعتين دينيتين إلى أيديولوجيتين سياسيتين. فقد نشأت الصهيونية نزعة روحية في القرن التاسع عشر. ثم تحولت إلى أيديولوجية سياسية في القرن العشرين إثر اضطهاد اليهود في مجموع أوروبا شرقاً وغرباً بعد حادثة درايفوس الشهيرة في فرنسا، وبداية الاضطهاد النازي للملل والأعراق غير الجرمانية مثل اليهود والتي رفضت الانتماء الوطني واستثمار رؤوس أموالها في مشاريع التنمية الوطنية، وآثرت العزلة والخصوصية وحياة “الجيتو”. وحدث نفس التحول في النزعة المحافظة الجديدة التي نشأت نزعة دينية للمحافظة على التراث المسيحي ضد النزعة المادية الدنيوية الأميركية وقبل أن تتحول إلى أيديولوجية سياسية عند “المحافظين الجدد” في الإدارة الأميركية الحالية.

وتقوم الأيديولوجيتان على الاختيار الإلهي، حسب زعمهما. فقد اختار الله أميركا لإنقاذ العالم وقيادته وكما هو مدون على الدولار “نثق بالله”. بل إن بعض الفرق المسيحية الأميركية تدعي أن المسيح قد ظهر لها وأن نبوة جديدة قد أعطيت لأحد أنبيائها للتأكيد على إنقاذ الرجل الأبيض للعالم. فهي أيديولوجية من السماء. ودعاتها رسل وأنبياء. ومحققوها قديسون وأولياء. لا يخطئون. ولا توجههم مصالح. أطهار أتقياء أصفياء.. الخ!

وكلتاهما تقوم على وعد إلهي بالنصر حتى لو تكررت الهزائم، هزيمة “إسرائيل” في حرب أكتوبر 1973، وأمام “حزب الله” في حرب لبنان في يوليو 2006. فجيش الرب في “إسرائيل” لا يقهر. والقوة الأميركية قادرة على غزو العالم كله حتى ولو لم تصمد أمام المقاومة العراقية والأفغانية.

وكلتاهما لا تعترف بالآخر. ففي “إسرائيل” لا يوجد إلا “شعب الله المختار”. وغيرهم “جونيم” أي أغيار. يجوز لهم الذبح والقتل والتدمير وتجريف الأراضي والقضاء على الزرع والحرب والبشر، نساء وأطفالاً وشيوخاً. وفي أميركا لا يوجد إلا الحرية والديمقراطية، نموذج العالم الحر، والنموذج الأميركي هو النموذج الذي يقتدي العالم كله به.

كلتاهما تستعمل القوة والعنف وكافة أساليب الحرب والدمار لتحقيق أغراضها. ويذاع أن أقوى جيشين في العالم هما الجيش الأميركي والجيش الإسرائيلي. فأميركا بلا حدود. وتستطيع أساطيلها وصواريخها وطيرانها من خلال قواعدها المنتشرة في كل أنحاء العالم الوصول إلى كل قارات العالم الخمس. و”إسرائيل” أيضاً بلا حدود. حدودها هي ما يستطيع جيش الدفاع الإسرائيلي الوصول إليه إلى أواسط آسيا وأفريقيا وأوروبا. كلتاهما إمبراطورية للتوسع والانتشار، من النيل إلى الفرات في “إسرائيل”، وكل العالم الحُر في أميركا.

كلتاهما تعبد القوة والمال والثروة والسيطرة على المقدرات الاقتصادية والمالية للعالم، والبنوك والشركات والاستثمارات والصناعات الكبرى والشركات المتعددة الجنسيات، العابرة للقارات. ومن خلال الاقتصاد تسيطر على السياسة.

كلتاهما ذات مصالح مشتركة، السيطرة على النفط العربي الإسلامي وعوائده واستثماراته، والسيطرة على الأسواق العربية وكل مصادر الثروة الطبيعية في العالم. كلتاهما تتحكم فيها القيم المادية. دينية في الظاهر ومادية في الباطن. كلتاهما تشيعان ثقافة الاستهلاك بدعوى الرفاهية والوفرة. كلتاهما تبغي القضاء على استقلال الشعوب، ثقافياً وسياسياً واقتصادياً حتى تتم لهما السيطرة على العالم.

وبالرغم من الخلاف في الظاهر، “إسرائيل” دولة صغيرة، وأميركا قارة كبرى إلا أن الدولة الصغرى تقوم بدور الدولة الكبرى من خلال النفوذ في العالم. والدولة الكبرى تقوم بدور دولة صغرى قصيرة النظر دون وعي تاريخي ورؤية بعيدة لمصالحها ومستقبلها. وبالرغم من أن “إسرائيل” تعتمد في وجودها على العون الخارجي في المال والسلاح وإحساس الغرب بالذنب تجاهها لما اقترفته النازية وكافة أشكال الاضطهاد لليهود في العالم إلا أنها تقوم بلعبتها الخاصة وترسم سياسات الدول الكبرى لما اكتسبته من خبرات مختلف الشعوب وتراثها التاريخي الطويل. وكذلك أميركا بالرغم من أنها تملك كل المقومات الداخلية الاقتصادية إلا أنها خاضعة لجماعات الضغط المختلفة ومنها اللوبي الصهيوني لتوجيه سياسات الولايات المتحدة لصالحها.

هذا الاتفاق في النشأة والبنية والأهداف هو الذي يوحِّد بين الصهيونية و”المحافظة الجديدة”، بين السياسة الأميركية والسياسة الإسرائيلية إلى حد التطابق الأعمى. فغزو العراق لصالح “إسرائيل” أولاً، وتهديد إيران لحماية “إسرائيل” أولاً، والسلام والتطبيع لصالح “إسرائيل” أولاً. بل لقد وحدت الصهيونية المسيحية أو المسيحية الصهيونية بينهما في أيديولوجية واحدة تحقق الأهداف المشتركة.

ولقد خلقت الأيديولوجيتان والسياستان الصهيونية والأميركية موجة عداء لهما في كل أنحاء العالم حتى في قلب العالم الحُر، باعتبارهما عنصرية وهيمنة وتوسعاً. تبشر بعالم جديد يقوم على العدل وليس على القوة، على المساواة بين الشعوب وليس على الاستعلاء العنصري. وقد دفع ذلك بعض فلاسفة التاريخ والحركات المناهضة إلى التنبؤ بسرعة انهيار الأسطورتين، التفوق الإسرائيلي والتفوق الأميركي بل وبنهاية “إسرائيل” والإمبراطورية الأميركية في المستقبل طال الأمد أم قصر.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

عدنان البرش.. الطبيب الإنسان

عدنان البرش.. الطبيب الإنسان

غزة – المركز الفلسطيني للإعلاملم يترك الدكتور عدنان البرش (50 عامًا) مكانه ومهمته في إنقاذ جرحى حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية بغزة، حتى اعتقاله...