عاجل

الجمعة 03/مايو/2024

حين تخرج المعارضة عن الأخلاقية !!

أمين راشد

استرعى انتباهي في تلك السنة التي شكلت فيها حركة حماس الحكومة لوحدها .. ما تغنى به البعض في محاولة لتبرير ممارسة الهمجية والعربدة بشتى أنواعها والدهلزة والنفاق السياسي .. بالحق في المعارضة بكونهم دخلوا في دائرتها .. وكأن المعارضة من أجل المعارضة فقط .. وكأن القضية الفلسطينية عبارة عن معادلة جامدة تضعك في إحدى حدودها لتمارس فيها دورك وتحقق أهدافك ونجاحاتك الخاصة بعيداً عن المجموع العام المطلوب الذي يحقق مصلحة وطنية عليا ..

لكنه ليس غريباً أن نسمع مثل هذه الأفكار ممن استمرأ على نفوسهم عشق ذواتهم حتى أدى بهم إلى تعطيل وتهميش كل المبادئ التي نشأوا من أجلها .. وباعوا كل فكرهم وممارستهم الشريفة بمناقصة علنية وضيعة أدت إلى تشتيت واقعهم الداخلي وتبخيره وتحويله إلى “ركامات ” هنا أو هناك ..

تلك الأبواق التي نعقت وتغنت بأنها “المعارضة” حين مارست “حقها” .. كسرت كل الأعراف العامة والخاصة بعد أن شكلت أرذل معارضة عرفها التاريخ فلم تدع سُمّاً إلا بثته .. ولم تدع أسلوباً خبيثاً إلا اتبعته .. من حبك الافتراءات وترويج الإشاعات وإراقة الدماء والعديد العديد من الانتهاكات التي لو مزجت بماء البحر لأفسدته .. فكان حالها كالابن العاق الذي يريد أن يعاقب أهله على تكريمهم لأخيه المتفوق .. وأصل المعارضة أنها تنبع من وجود وجهة نظر أخرى .. تمارس باحترام بعيداً عن الخمسة بلدي والمهاترات التي لا تمثل سوى أخلاق أصحابها وطبيعتهم الواهنة .. وبعيداً أيضاً عن الأجندات الخاصة والمصالح الشخصية ..

فحماس في عام واحد في الحكومة عانت من معارضة وقحة .. ضربت بعرض الحائط الهمّ الفلسطيني ومصلحة المواطن والمجتمع .. فقامت بما خجل الاحتلال نفسه عن ممارسته والقيام به .. وأثارت النزاعات ونشرت الفوضى والفلتان .. وعندما نتحدث بذلك فإننا لا نفتري .. واسألوا الشارع الفلسطيني عن شبكات المخدرات التي أطلق سراحها .. واسألوهم عن لصوص المنازل ومحلات الذهب والمتاجر .. واسألوا الجميع عن السلاح الذي لا زال بارزاً في الشوارع .. مع كل هذا .. ها هي الآن تتغنى بالانضباط الأمني وتدعو الجميع لدعمه ولم تطهر أيديها بعد من رجس الآثام التي تقترفها صباح مساء ..

إن عاماً كاملا مكثت فيه حماس في الحكومة .. مورست فيه كل محاولات التثبيط والزعزعة والتركيع ووضعت فيه كل العراقيل أمام الحركة والحكومة الصامدة لم تعط فيها حكومة حماس الفرصة أبداً فلسطينياً وإقليمياً دولياً .. كان من الممكن أن يكون النهاية لتضحيات الشعب الفلسطيني وتبخيراً لكل الجهود المباركة ضد الاحتلال الغاشم لاستعادة الحقوق .. ولولا ذلك الصمود الأسطوري الذي دخل التاريخ من أشرف أبوابه .. ولو أن حماس في تلك السنة لم تقم بأي جهد يذكر ولم تحقق أي إنجاز في تلك الحكومة غير ذلك الصمود لكفاها .. فقد حفظ حقوق الشعب الفلسطيني وطهر تاريخنا من تنازلات استمرت لبضع سنوات .. وأقرّ حقيقة جلية واضحة لا يختلف فيها اثنان .. أن حقوق الشعب الفلسطيني لا يمكن التنازل عنها .. وأن هناك من هم على الثغور يفدونها بأرواحهم ودمائهم ..

إن حماس حينما دخلت في معارضة الحكومات السابقة التي أسست بالاتفاقيات الهزائمية -وعلى رأسها أوسلو- أرضية خصبة لتحقيق الأهداف الصهيونية ونبذت المقاومة ولم تعترف بشرعيتها .. مارست حماس المعارضة حينها بفضح المؤامرات الصهيونية وأصحاب الأجندات الخاصة وقامت بتثقيف الشعب الفلسطيني بمخاطر الاتفاقيات وما يعنيه نبذ المقاومة .. ومارست نشاطاتها الاجتماعية من خلال المؤسسات والنقابات المختلفة لدعم الواقع الفلسطيني وتكميلاً لجهود المخلصين .. فعانت حماس من ذلك أشد معاناة .. فاعتقل قادتها واستهدف مجاهدوها -ومحمود أبو هنود ومحيي الدين الشريف أمثلة على ذلك- .. وأغلقت مؤسساتها .. وطورد أبناؤها .. ولوحق خطباء المساجد .. وقمعت الحركة في أرضنا الفلسطينية حتى سالت دماء أبنائها .. وما كان من حماس إلا أن رفعت شعار “لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك” .. “ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون” .. ولا زالت السجون والمعتقلات الفلسطينية حاضرة شاهدة على ذلك في سجن طولكرم وجنين ونابلس وسجن الجنيد .. ومجزرة مسجد فلسطين في غزة .. والتنسيق الأمني ..

وحين نَسفَت انتفاضة الأقصى كل براثن أوسلو .. والتي كان أول من تلظى بنارها أصحابها أنفسهم الذي سوقوها وقدموا لها الغالي والنفيس .. ما كان من حماس وقتها إلا أن تعالت على جراحها .. -والكل يذكر حادثة قصف سجن نابلس الذي أُسر فيه البطل القسامي محمود أبو هنود .. فما كان منه إلا أن حمل السجين سجانه بعد القصف وأنقذه وأخرجه بعيداً عن القصف بعد إصابته- .. فانتشلت حماس بانتفاضة الأقصى كل المخلصين من كافة الفصائل .. ودخل الجميع خندق العمل المقاوم من جديد ..

ودخلت حماس الانتخابات التشريعية بعد أن نُسفت أوسلو .. من أجل القضاء على الفساد الذي استشرى في الوزارات والمؤسسات الحكومية السابقة ورفعت شعار التغيير والإصلاح .. وكان فوزها بمثابة سقوط آخر لأوسلو وعرابيه .. وبدلاً من تنقية صفوفهم –أصحاب أوسلو- وبحثهم عن خيار آخر يعيد الكرامة ويرجع الحقوق .. ما كان منهم إلا أن أطلقوا العنان لنزواتهم الهمجية تمارس دورها الذي عرجنا عليه في الأعلى بدعوى المعارضة ..

ولا زالت تلك الأبواق تنعق من مصادرها الصهيونية المشبوهة متهجمة على حماس؟؟!! .. وكأن حماس لم تستلم وزارات فاسدة !! وكأن الخزينة لم تكن مدانة بـ1.3 مليار دولار !! .. وكأنه لم تسرق 700 مليون دولار من الحكومة !! (حتى على مستوى خادم -آذن- في إحدى الوزارات كان لا يلبي طلبات الوزير لأن الوزير من حكومة حماس .. فإن طلب الوزير “كأس شاي” .. أحضر له “فنجان قهوة” لأن الخادم من المعارضة .. هذا إن لبى ذلك الخادم طلب الوزير) ..
فهذه هي الفرصة التي أعطيت لحماس في عام واحد !! وهذه هي المعارضة التي مورست على حماس !! وهذا حجم الضغط الذي تعرضت له حماس !! وندع لكم الحكم !!

إننا حينما نقف في هذه العجالة على مسمى واحد هو “المعارضة” .. من خلال الحالة الفلسطينية .. لنجد أن واقع التجربة يدعنا نستنتج ما يلي:

 

  • إن المعارضة لا تعني بحال من الأحوال أن أخرج عن أخلاقياتي الوطنية وأمارس الفساد وأطلق الحملات المسعورة للإطاحة بالخيار الحر للشعب .. فالخلاف ظاهرة صحية إلا إذا خرج عن الأخلاقيات والأعراف والتقاليد السامية ..
  • حماس في المعارضة لم يكن منها إلا أن رفعت شعاراً سمت فيه على جراحها .. محافظة بذلك على هدف سام عظيم تمثل بوحدة الصف الفلسطيني والتلاحم الشعبي .. وحمل الهمّ الكبير الذي يكفل تماسك المجتمع وسلامة بنيانه ..
  • حماس في الحكومة .. أطلقت العنان لحرية الرأي من جديد وقالت بصريح العبارة أن جاء الوقت الذي تقول فيه المعارضة كلمتها من دون اعتقال أو ملاحقة أو تجريم ..
  • معارضة الغير لحماس تمثلت .. بالمباشرة بعمليات الخطف وإطلاق النار وإزهاق الأرواح وتخريب مؤسسات المجتمع المدني في القطاعين الخاص والعام .. والحيلولة دون إعطاء الفرصة لحماس لممارسة دورها الحقيقي في الوزارات والمؤسسات الحكومية المختلفة .. فقاموا بالتعرض لمنازل الوزراء والنواب ودور القرآن والمدارس وغيرها والإضرابات التي عرقلت النهضة الحضارية .. مع ذلك أنقذت حماس الواقع الداخلي من خلال تنازلها في اتفاق مكة عن بعض الوزارات السيادية في سبيل تماسك المجتمع وتوجيه البوصلة إلى عدو واحد.. وتعزيز الثقة بين أبناء الشعب الواحد ..
  • المعارضة يجب أن تتوافق مع كافة الفصائل الأخرى -بما فيها المشكلة للحكومة- لتحقيق الأهداف العامة والمصلحة العليا الفلسطينية .. لا أن تقوم بالسعي وراء المصالح الخاصة بعيداً عن الثوابت التي تبنى على أساس سلامة المجتمع وتقوية البنى التحتية فيه ..

إن الفهم الخاطئ لطبيعة الواقع المعاش .. لا يؤدي بحال إلى نتائج صحيحة .. حتى لو كانت النوايا مخلصة .. فكيف لو كانت النوايا خبيثة ومبيتة من أجل الوصول إلى مآرب خاصة .. والوضع السابق الذي مرت به المناطق الفلسطيني يجب أن نتعلم منه الكثير .. ويجب أن لا يمر علينا مرور الكرام .. وعلينا قراءة التاريخ قراءة صحيحة نصل من خلالها للحقيقة المرجوة .. فنعلم الشريف من الخائن .. والواثق من الجاهل .. والمخلص من المفسد ..

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات