عاجل

السبت 04/مايو/2024

عرض إجمالي لخطة الانقلاب على فريق المقاومة والثوابت

رشيد ثابت

أنفع ما في الخطة الأردنية الأمريكية أنها تسمي الأشياء بأسمائها؛ وأنها كتبت بلهجة مهنية بين زملاء معركة واحدة يقاتلون عدوا واحدا هو حماس؛ ولذلك فإنها خلت من أية مساحيق وتزاويق تجمل الفعل الخياني والتفريطي؛ وركزت على لب الموضوع؛ فلا حاجة لبيع أهمية التفريط لمن لهم المصلحة الاعتبارية الأولى فيه – أمريكا وإسرائيل – ولا حاجة لتحسين وجه المفرطين وسمعتهم أمام الشيطان بحجميه: الأكبر الأمريكي والأصغر الصهيوني! (هذا الاصطلاح نستعمله هنا عامدين؛ ونهديه للديوان الملكي الهاشمي مجانا؛ حتى يتسنى له اتهام معارضي خطته بأنهم عملاء للإيرانيين والهلال الشيعي!)

وقبل الدخول في عرض تفاصيل الخطة تجدر الإشارة الى أمر مهم؛ وهو أن سياق الخطة يوضح أن الأردنيين عكفوا على إعدادها مع الأمريكان دون علم المعنيين في فلسطين – التيار الانقلابي – ودون علم الصهاينة أيضا؛ وهذا أمر حقيقة يجب أن يثير تساؤلات لا حصر لها: فهل الأردن الرسمي يخشى سيطرة حماس لهذه الدرجة بحيث أنه يريد استعادة النفوذ الذي حققته لصالح التيار العباسي الدحلاني؟ وما هي مخاوف الأردن من سيطرة حماس: هل هو يرى في حماس قدرة على استقطاب فلسطينيي الخارج – ومنهم ثلثا الشعب الأردني والقسم الأكبر من قطاعه الاقتصادي الخاص – بما يهدد العرش الأردني على المدى البعيد؟ أم أن الأردن – كأي نظام رسمي عربي – يكره الإسلاميين ويخاف من نجاح أي تجربة لهم؟ أم أن المقصود هو اجتهاد إضافي واستباقي من هذا البيت الراعي للمؤامرات من عهد “لورانس” مرورا بأيام الجنرال “غلوب” – أو أبو حنيك كما كانوا يسمونه تحببا – وليس انتهاء بالخدمات الجليلة التي يقدمها العرش وقدمها لأمريكا في العراق والمنطقة بخصوص كل ما يحقق مصالح البيت الأبيض؟

الأرجح أن الإجابة هي مزيج من هذا وذاك؛ وأن النظام الأردني يخاف الإسلاميين عامة ويخاف حماس خاصة خوفا يجعله يقبل على التعاون مع من هو أجدر بالشك فيه – فتح – بالنظر لتاريخها الثابت والموثق بخصوص تهديد استقرار الأردن. لكن هذا هو حال المتحابين في ذات أمريكا وفي ذات هواهم: تأمرهم أمريكا والهوى فيختصمون؛ ويتصالح الهوى مع الهوى وترضى أمريكا فيتاحبون جهرا وخفية؛ وعلانية وفي ظاهر الغيب – كما تجسد في هذه الخطة السرية التي كتبت بمعزل عن عباس ودحلان – على الأقل في مراحل إعدادها الأولى!

أما الخطة فهي ليست جديدة في محتواها أبدا؛ فمن يتابع تصرفات فتح الأخيرة بين تعيين ربيب الشاباك مسؤلا عن الأمن؛ واستمرار تحكم صبيته بمؤسسة الانفلات الأمني؛ وتدفق المال الأمريكي الشريف جدا والنزيه جدا والخالي جدا من الغرض السيئ على مؤسسة عباس الأمنية؛ واستمرار التصريحات المستهجنة الغريبة الصادرة من الجناح الفتحوي في نفس جسم حكومة الوحدة – من يتابع كل هذا فهو يعرف أن هناك مؤامرة تطبق واقعا على الأرض! والحقيقة أن المرء ليعجز عن التعليق في بعض الأحيان على مساخر فتح بغير الضحك؛ وأي شيء غير الضحك وضرب كف بكف يصلح للرد على عزام الأحمد إذ يصرح مؤخرا أن الحكومة أمامها ثلاثة أشهر ليفك الحصار عنها؛ وإلا فإنها ستسقط وستجري انتخابات مبكرة!

يقول الأحمد ما قال هكذا بكل بساطة؛ ليذكرنا بأيام الطفولة؛ حين كان هناك صبي نزق وطائش يصر على عدم اللعب وتخريب اللعبة؛ وحتى اذا ما تم استيعابه فيها في بعض مراحل اللعب حرصا على وقت الجماعة فانه لا يلبث أن يخطف الكرة ويفر بها “للحارة المناوئة” معلنا انحيازه ضد أطفال حارته ومصرا على التخريب! ان لم يكن الأحمد لاعبا “خرٍّيبا” فما الذي يدفعه للتصريح بكل هذا الكم من الكراهية ضد حكومة بلاده والتي ينوب هو شخصيا رئيسها في إدارتها؟ بأي وجه يكشف ظهر حكومته سياسيا فكأنه يقول لأعدائها: حاصرونا ثلاثة أشهر أخرى حتى نسقط الحكومة – التي نحن الآن جزء منها! – وتمر مخططاتكم الانقلابية؟!

لكن وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم؛ ورغم ما اشتملت عليه الخطة من قبح شيطاني في التآمر على حماس وقرار الشعب الفلسطيني وثوابته إلا أنها نعمة من عند الله عز وجل؛ اذ كشفت أن بقاء السلطة في يد التيار الدحلاني العباسي هو رغبة أمريكية صهيونية عربية رسمية ملحة؛ وأنه أمر يستحق أن يهتم له القوم ويخططوا له ويدبروا؛ وكشفت أن كل ما تخوفت منه حماس من دوافع ومعاني أساليب وطرق عمل التيار الانقلابي هو في محله؛ ولم تعد تهمة التآمر وعمالة الانقلابيين للأمريكان والصهاينة مجرد إحساس داخلي بالريبة نحو فتح؛ أو مجرد وصف يجري على لسان خطيب مفوه أخذته الحماسة!

فالخطة وضعت كما يلخص أصحابها في مقدمتها تحت عنوان “القضية” – حسنا؛ لنعترف لهم بأنه باستثناء خلو الخطة من فهرست فإنها متكاملة شكلا وبناء – من أجل انقاذ مكانة محمود عباس سياسيا؛ واستعادتها عن طريق استمرار الحصار على الحكومة التي تشكلها حماس أو تشكل حماس جزءاً منها؛ وتمكين عباس من رشوة الشعب الفلسطيني عن طريق تحويل الأموال لمكتبه دون الحكومة؛ وزيادة قدرة أجهزته الأمنية على صعيد العدد والعدة لا لتحرير القدس؛ ولا لإجبار القوات الصهيونية على رفع حواجزها والفرار من الأرض المحتلة دون قيد أو شرط؛ بل من أجل تحقيق الجاهزية لقمع المقاومة وضربها بكل قوة – كل ذلك ليكون عباس جاهزا للفوز بانتخابات مبكرة ينتصر فيها بسلطان المال والسلاح الجاهز لضرب فلسطين وشعبها وقهر إرادتهم وحلق كرامتهم!

فهل عرفتم من كان يقف خلف الإضرابات ويحركها ضد حكومة حماس؟ وهل عرفتم سر الملايين التي تحول لمكتب الرئيس ليشتري بها ولاء الجمهور ورضوخه لينطق بكلمة التفريط مقابل ثمن بخس؟ وهل عرفتم معنى الانتخابات المبكرة؟ إنها ليست الا “الخطة باء” – مصطلح أجنبي يشير للخطة البديلة عن الخطة الأولى في حال فشلها – لعملية الانقلاب الأولى الفاشلة على حكومة حماس؛ والتي كانت الخمسة بلدي عمادها وعمودها!

لكن كما قلنا “وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم”؛ فمن كان لحماس بأدلة كهذه تدحض كل أفعال خصمها وتكشفه على حقيقته كبيدق في يد الأعداء؟ ومن كان لحماس بمثل هذه الاعترافات الدامغة عن حقيقة المشروع التفريطي والخياني وصلاته الأمريكية الصهيونية وحقيقة الرحم التي تربط أعراب أمريكا من المحيط إلى المحيط؛ وتدفع عميل الأردن للتداعي لشأن خائن فلسطين بالسهر والحمى؟!

بل إن خالد مشعل والمكتب السياسي لحماس مطالبون بأن يبرقوا للديوان الملكي ببرقية شكر مع “بوكيه” من الورد الجوري الأحمر؛ على الخطة إجمالا وعلى ما ورد في الخطة من أهداف بخصوص إحياء موات عملية السلام؛ وتحديدا العبارة التي تقول: ” تحديد أسس العملية السلمية والمتطلبات التي يجب على كل طرف أن يلتزم بها وذلك من خلال بناء معايير دولية يتمّ وضعها. وهذا يعني تجنب تضييع الوقت الثمين في محاولة تعديل أيديولوجية حماس، وإرجاع الساعة إلى ما قبل مدريد”

فهل كانت حماس تحلم بدعاية انتخابية وشهادة بالفضل – والفضل ما شهد به الأعداء – مثل هذه؟ إننا نشكر الديوان الملكي على هذه الشهادة؛ ونبرق بها لكل من خافوا على حماس حريصين عليها؛ وكل من تخاوفوا على حماس طاعنين فيها؛ ونقول لهم اتقوا الله وانزلوا من علياء إقصائكم واستعلائكم على الطائفة المنصورة من حماس؛ فهم قوم يئس منهم أتباع الشياطين كما يأس الشيطان من عباد الله المخلصين!

“تجنب تضييع الوقت الثمين في محاولة تعديل أيديولوجية حماس”…لقد آن لخالد مشعل الآن أن يمد رجليه!

في المرة القادمة سنلقي الضوء إن شاء الله على بيانات الخطة بشكل أدق وأعمق ونعرض لبعض أجزائها بالتفصيل؛ فإلى لقاء قريب.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات