إخفاقات بالجملة
بعد مخاض عسير، وتسويف طويل، ومراوغة خبيثة، فرض الحال أن تظهر نتائج تحقيق لجنة مختصّة لتداعيات الحرب على لبنان في “إسرائيل”. ليس لأن للكيان الصهيوني مصداقية، أو نهجاً ديموقراطيا، ولكن لأن الظروف في داخل الكيان، والهزيمة فرضت نتائج التقرير على الصورة التي ظهر فيها، ولا شك أنها كانت صفعة مزدوجة لحكومة الثلاثي الفاشل، وللعرب “الهاربة” الذين راهنوا على هزيمة المقاومة، وتجاهلوا مواجهة الحقيقة، وهي”مرمغة” أنوف “الجيش الذي لا يُهزم” على التراب اللبناني، وإلى الذين ما زالوا حتى اليوم يحمّلون المقاومة اللبنانية المسؤولية، وأن ما حدث في صيف 2006 كان على خلفية حق العدو في الدفاع عن النفس، بينما كشف التقرير عدم وجود خبرة وقدرة للإعداد للحرب، وهذا يعني أن هناك تجهيزاً مسبقاً للاعتداء، وهذا التجهيز كان قبل المواجهة بشهور.
أما إدارة بوش، وسعيها لتأجيل وقف إطلاق النار مرات ومرات في حينه، فقد كان توقعاً لحدوث معجزة تعيد لجيش العدو غير المؤهل هيبته، وفي الوقت نفسه الاستهانة بقدرات قوة حزب الله ورجال المقاومة وصمود الشعب اللبناني.
محاولات باءت بالفشل بعد شهر ونيف من الحرب أظهرت بالتقادم ضعف حكومة العدو، وضعف تقديرها لقوة المقاومة التي لم يستطع اختراقها مخابراتياً ولا أمنياً، وهذا إلى جانب التنظيم والتفاني والإيمان ما ميّز أداء المقاومة وانضباطها.
إن مجرد إعلان اللجنة عن مسؤولية أدت إلى الفشل الذريع، يعني الهزيمة العسكرية، فهل هناك من تصريح أوضح لمن ابتلي بعمى البصر والبصيرة؟..
الأمر الذي يجب أن يُعلن على الملأ، رغم بعض المحاولات الإعلامية العربية والدولية المضللة، بأن الحرب والتخريب والتدمير، كان بسبب أسر المقاومة لجنديين “إسرائيليين”، في الوقت الذي أوضح التقرير صراحة بأن سبب فشل الحملة المجهزة مسبقاً، يقع على عاتق أولمرت المتهم بقضايا فساد، وللنقابي العمالي عمير، وزير الدفاع الذي لا يملك من الخبرة العسكرية ما يؤهله لخوض هكذا مغامرة، وإلى رئيس أركان الجيش، كرئيس لجهاز أخفق بالتقرير والتقدير، فالرد على كل الإدعاءات والأكاذيب والتضليل، هو ما أعلنته محكمة العدو نفسها.
أما الإخفاق في الملف الثاني، فهو ما يخص الملف الفلسطيني، فأسر الجندي “الإسرائيلي” “شليط” ما زال بعيداً عن اكتشاف مكانه وتحريره بالرغم من إحراق مكتبات جامعة غزة الإسلامية، والبحث عنه في الحرم الجامعي، وبالرغم من الاقتتال للقضاء على المقاومة بدءاً من كتائب القسام وانتهاءً بكتائب شهداء الأقصى الأحرار، لتحويل عناصرهم الشرفاء إلى مجموعة “زعران” تتقاتل وتفتك بالشعب الفلسطيني، وتسهر على الأمن “الإسرائيلي”، وهذا الأمر الذي لم يفهمه الكثيرون على مستوى الشارع العربي، وراح الكثيرون يطلقون التهم جزافاً على حماس، ويساوون بين القاتل والمأجور، وبين المدافع عن المقاومة والمطالب بضرورة إنهاء الفساد.
أخفقت حكومة أولمرت بالاعتماد على المأجورين والمتصهينين، الذين حتى هذه اللحظة يغسلون أقدام المحتل، لقناعتهم أنه سينجيهم، في وقت يُحاصرون فيه من المقاومة والشعب بعد فضح أساليبهم في ممارسة تعذيب الشعب في الغرف المظلمة، وبعد أن ثبت فشلهم في تنفيذ المهمة الموكلة إليهم بحذافيرها.
اتفاق مكة كان مخرجاً من أحد فصول المؤامرة، وإنقاذاً لجوقة تعمل ليل نهار بأوامر صهيونية مباشرة. أُخمدت المؤامرة، لكنها لم تتوقف، فليس لديهم خيارات كثيرة، فإما القضاء على المقاومة الفلسطينية، وإما الخروج من رحمة ودعم المحتل، وهذا ما ستثبته الأيام، فلن يستطيعوا القضاء على نضال شعب، إلا إذا قضوا عليه بالكامل، وسينتهوا كما انتهى كل العملاء، وهم أدرى بنهاية من عمل عكس التيار الوطني.
ولأول مرة من سنوات طويلة، يقود شيخ المقاوميين رائد صلاح الداخل الفلسطيني، مما يؤكد أن الهوية والانتماء الفلسطيني العربي، لم يستطع الاحتلال نزعهما وتذويب شعبنا في المجتمع العنصري، رغم أنهم الشعب المنسي عربياً وإسلامياً، ولم يتم دعم صمودهم من خلال مؤسسات اجتماعية وثقافية حفاظاً على الجذور.
إن توحد وتضافر جهود الشيخ الجليل رائد صلاح مع الشيخ تيسير التميمي والشيخ عكرمة صبري، والوطني الصامد المطران عطا الله، يشير إلى توحد الفلسطينيين باختلاف مناطقهم وأديانهم، ومتناغمة ومنسجمة مع المقاومة بمختلف فصائلها.
ثم السلطة الإعلامية والسياسية، وتعتمدان المناورة والمجاملة الدبلوماسية، وتلجأ إحداهما أو كلاهما إلى سياسة الباب الدوّار ظاهرياً، مع الإصرار على الثوابت الوطنية، تشكلان الجانب المرن من المعادلة الثورية، وهما المعول عليهما الآن، خاصة بعد مقابلات الرئيس المكوكية مع أولمرت الفاشل داخلياً وخارجياً، ومتوقع سقوط حكومته، لم تجدِ نفعاً وكانت أشبه بمباحثات سرابية، وقد فشل في رفع الحصار عن شعب فلسطين، وبقي على وتيرة استجداء العدو لدفع المال وهو حق فلسطيني، وكل ما يحدث وراء ستار المسرح ليس أكثر من منح عباس الوقت، للرضوخ لعملية تسليم الأرض والشعب، دون أي قيد أو شرط للغول “الإسرائيلي” ليلتهم باقي الأرض ومصادرتها، ويطهرها من سكانها الأصليين.
لا ننكر ضعف الآلة الإعلامية الثورية، ولا عدم وضوح السياسة آنياً، ولكن الوضع الداخلي في “إسرائيل” يرجح نجاح المساعي لإيجاد المناخ المناسب للتغيير، وصموده أمام ضخ الأموال لأجهزة أثبتت عبثية محاولاتها الدؤوبة للنيل من المقاومين، وثنيهم عن مسيرة النضال، وسلوك وسائل رخيصة بشراء النفوس الضعيفة تحت ضغط الحصار المالي الخانق، ولكنها لم تستطع إيقاف الرد على الاعتداءات اليومية الصهيونية على شعب محاصر، بالتعاون مع أبواق عربية خائبة مكشوفة النوايا ومتواطئة بفحش تصريحات علنية، بالمطالبة المستمرة بإيقاف إطلاق الصواريخ الموصوفة بالدخانية المزينة بالصور والشعارات الملونة الجميلة!.. فلتكن تلك الصواريخ “فتيش” كما زعموا، ولكنها تعلن استمرار المقاومة، وتؤرق المغتصبين في قرى ومدن فلسطينية، وتعكس عجز تحركات قبول العدو كجار له حقوق، إنها لمسألة مخزية أن يتفوه مثل هؤلاء المرتزقة وأبواق التطبيع، بعدم جدوى المقاومة.
لهذا كله فإن التحام وتوحد القوى الوطنية العراقية الصادقة، ستعجل بانسحاب القوات الغازية، وإبعاد بوش عن “البيت الأسود”، والذي لم يحقق أي رخاء لشعبه في ظل احتكار ثروات البلاد وصرفها على آلة الحرب من أجل لا شيء.
إن زوال الاحتلال يحسم كل المشاكل التي تحيط بوصم العرب والشعوب المهانة بالإرهاب، فنحن كأمّة عربية لم يكن ولن يكون لنا أي سبب لإقامة العداء بيننا وبين الشعوب الأخرى، فكلنا على ظهر هذه البسيطة شركاء في الإنسانية، إلا أن الدفاع عن الأرض والعرض، وعن المستقبل والحياة، لا يمكن اعتباره في أي وقت “إرهاباً”.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات
نقص السيولة ينذر بكارثة اقتصادية في غزة ودعوة لسلطة النقد الفلسطينية لفتح البنوك
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، اليوم الجمعة، إن مشكلة عدم توفر السيولة بعد توقف مصادر النقد في القطاع تنذر...
البرغوثي: المقاومة تدير ملف المفاوضات بفهم دقيق وذكاء عميق
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أكدّ الدكتور مصطفى البرغوثي الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية، أن المقاومة تدير عملية التفاوض في الوصول لاتفاق...
استطلاع رأي: 54٪ من الإسرائيليين يفضلون اتفاقًا مع حماس على اجتياح رفح
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام أظهر استطلاع للرأي أن أكثر من نصف الإسرائيليين يفضلون اتفاق هدنة مع حركة المقاومة الإسلامية حماس يشمل...
غوتيريش يعبر عن صدمته من عدد شهداء الصحفيين جراء العدوان على غزة
نيويورك – المركز الفلسطيني للإعلام كشف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الجمعة، عن صدمته بسبب استشهاد عدد كبير من الصحفيين جراء عدوان...
لأول مرة.. القسام ينشر مشاهد لقصف مواقع إسرائيلية من جنوب لبنان
جنوب لبنان – المركز الفلسطيني للإعلام بثت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، اليوم الجمعة، مشاهد قالت إنها لإطلاق مقاتليها...
حركة حماس والفصائل يشيدون بالمواقف اليمنية المناصرة للشعب الفلسطيني
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قالت حركة المقاومة الإسلامية حماس إنّها نثمن عالياً المواقف الشجاعة التي أعلنها الإخوة في قيادة حركة أنصار الله...
نادي الأسير: 4 صحفيين و4 صحفيات ما زالوا رهن الاعتقال والإخفاء القسري بسجون الاحتلال
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام طالب نادي الأسير الفلسطيني في اليوم العالمي لحرية الصحافة، الاحتلال الصهيوني بالإفراج عن الصحفيين والصحفيات...