عاجل

الجمعة 03/مايو/2024

إخفاقات بالجملة

سوسن البرغوتي

بعد مخاض عسير، وتسويف طويل، ومراوغة خبيثة، فرض الحال أن تظهر نتائج تحقيق لجنة مختصّة لتداعيات الحرب على لبنان في “إسرائيل”. ليس لأن للكيان الصهيوني مصداقية، أو نهجاً ديموقراطيا، ولكن لأن الظروف في داخل الكيان، والهزيمة فرضت نتائج التقرير على الصورة التي ظهر فيها، ولا شك أنها كانت صفعة مزدوجة لحكومة الثلاثي الفاشل، وللعرب “الهاربة” الذين راهنوا على هزيمة المقاومة، وتجاهلوا مواجهة الحقيقة، وهي”مرمغة” أنوف “الجيش الذي لا يُهزم” على التراب اللبناني، وإلى الذين ما زالوا حتى اليوم يحمّلون المقاومة اللبنانية المسؤولية، وأن ما حدث في صيف 2006 كان على خلفية حق العدو في الدفاع عن النفس، بينما كشف التقرير عدم وجود خبرة وقدرة للإعداد للحرب، وهذا يعني أن هناك تجهيزاً مسبقاً للاعتداء، وهذا التجهيز كان قبل المواجهة بشهور.

أما إدارة بوش، وسعيها لتأجيل وقف إطلاق النار مرات ومرات في حينه، فقد كان توقعاً لحدوث معجزة تعيد لجيش العدو غير المؤهل هيبته، وفي الوقت نفسه الاستهانة بقدرات قوة حزب الله ورجال المقاومة وصمود الشعب اللبناني.

محاولات باءت بالفشل بعد شهر ونيف من الحرب أظهرت بالتقادم ضعف حكومة العدو، وضعف تقديرها لقوة المقاومة التي لم يستطع اختراقها مخابراتياً ولا أمنياً، وهذا إلى جانب التنظيم والتفاني والإيمان ما ميّز أداء المقاومة وانضباطها.
إن مجرد إعلان اللجنة عن مسؤولية أدت إلى الفشل الذريع، يعني الهزيمة العسكرية، فهل هناك من تصريح أوضح لمن ابتلي بعمى البصر والبصيرة؟..

الأمر الذي يجب أن يُعلن على الملأ، رغم بعض المحاولات الإعلامية العربية والدولية المضللة، بأن الحرب والتخريب والتدمير، كان بسبب أسر المقاومة لجنديين “إسرائيليين”، في الوقت الذي أوضح التقرير صراحة بأن سبب فشل الحملة المجهزة مسبقاً، يقع على عاتق أولمرت المتهم بقضايا فساد، وللنقابي العمالي عمير، وزير الدفاع الذي لا يملك من الخبرة العسكرية ما يؤهله لخوض هكذا مغامرة، وإلى رئيس أركان الجيش، كرئيس لجهاز أخفق بالتقرير والتقدير، فالرد على كل الإدعاءات والأكاذيب والتضليل، هو ما أعلنته محكمة العدو نفسها.

أما الإخفاق في الملف الثاني، فهو ما يخص الملف الفلسطيني، فأسر الجندي “الإسرائيلي” “شليط” ما زال بعيداً عن اكتشاف مكانه وتحريره بالرغم من إحراق مكتبات جامعة غزة الإسلامية، والبحث عنه في الحرم الجامعي، وبالرغم من الاقتتال للقضاء على المقاومة بدءاً من كتائب القسام وانتهاءً بكتائب شهداء الأقصى الأحرار، لتحويل عناصرهم الشرفاء إلى مجموعة “زعران” تتقاتل وتفتك بالشعب الفلسطيني، وتسهر على الأمن “الإسرائيلي”، وهذا الأمر الذي لم يفهمه الكثيرون على مستوى الشارع العربي، وراح الكثيرون يطلقون التهم جزافاً على حماس، ويساوون بين القاتل والمأجور، وبين المدافع عن المقاومة والمطالب بضرورة إنهاء الفساد.

أخفقت حكومة أولمرت بالاعتماد على المأجورين والمتصهينين، الذين حتى هذه اللحظة يغسلون أقدام المحتل، لقناعتهم أنه سينجيهم، في وقت يُحاصرون فيه من المقاومة والشعب بعد فضح أساليبهم في ممارسة تعذيب الشعب في الغرف المظلمة، وبعد أن ثبت فشلهم في تنفيذ المهمة الموكلة إليهم بحذافيرها.

اتفاق مكة كان مخرجاً من أحد فصول المؤامرة، وإنقاذاً لجوقة تعمل ليل نهار بأوامر صهيونية مباشرة. أُخمدت المؤامرة، لكنها لم تتوقف، فليس لديهم خيارات كثيرة، فإما القضاء على المقاومة الفلسطينية، وإما الخروج من رحمة ودعم المحتل، وهذا ما ستثبته الأيام، فلن يستطيعوا القضاء على نضال شعب، إلا إذا قضوا عليه بالكامل، وسينتهوا كما انتهى كل العملاء، وهم أدرى بنهاية من عمل عكس التيار الوطني.

المرحلة الحالية تشهد تغييرات على الساحة الفلسطينية، وعناصر اكتمال قيادات جديدة بدأت تخط ملامحها، وتفرض تواجدها بقوة، ولا يخفى على أحد أن نجاح أي ثورة أو تغيير إيجابي في العالم، لا بد له من مد شعبي حاضن، وأربع معطيات هامة وضرورية ولازمة.. السلطة الدينية، والمقاومة (الجيش الشعبي)، لا يهادنان ولا يساومان، ويعتبرهما تيار “الاعتدال” سلطة متطرفة، ولكنهما عماد بناء التغيير.

ولأول مرة من سنوات طويلة، يقود شيخ المقاوميين رائد صلاح الداخل الفلسطيني، مما يؤكد أن الهوية والانتماء الفلسطيني العربي، لم يستطع الاحتلال نزعهما وتذويب شعبنا في المجتمع العنصري، رغم أنهم الشعب المنسي عربياً وإسلامياً، ولم يتم دعم صمودهم من خلال مؤسسات اجتماعية وثقافية حفاظاً على الجذور.
إن توحد وتضافر جهود الشيخ الجليل رائد صلاح مع الشيخ تيسير التميمي والشيخ عكرمة صبري، والوطني الصامد المطران عطا الله، يشير إلى توحد  الفلسطينيين باختلاف مناطقهم وأديانهم، ومتناغمة ومنسجمة مع المقاومة بمختلف فصائلها.

ثم السلطة الإعلامية والسياسية، وتعتمدان المناورة والمجاملة الدبلوماسية، وتلجأ إحداهما أو كلاهما إلى سياسة الباب الدوّار ظاهرياً، مع الإصرار على الثوابت الوطنية، تشكلان الجانب المرن من المعادلة الثورية، وهما المعول عليهما الآن، خاصة بعد مقابلات الرئيس المكوكية مع أولمرت الفاشل داخلياً وخارجياً، ومتوقع سقوط حكومته، لم تجدِ نفعاً وكانت أشبه بمباحثات سرابية، وقد فشل في رفع الحصار عن شعب فلسطين، وبقي على وتيرة استجداء العدو لدفع المال وهو حق فلسطيني، وكل ما يحدث وراء ستار المسرح ليس أكثر من منح عباس الوقت، للرضوخ لعملية تسليم الأرض والشعب، دون أي قيد أو شرط للغول “الإسرائيلي” ليلتهم باقي الأرض ومصادرتها، ويطهرها من سكانها الأصليين.

لا ننكر ضعف الآلة الإعلامية الثورية، ولا عدم وضوح السياسة آنياً، ولكن الوضع الداخلي في “إسرائيل” يرجح نجاح المساعي لإيجاد المناخ المناسب للتغيير، وصموده أمام ضخ الأموال لأجهزة أثبتت عبثية محاولاتها الدؤوبة للنيل من المقاومين، وثنيهم عن مسيرة النضال، وسلوك وسائل رخيصة بشراء النفوس الضعيفة تحت ضغط الحصار المالي الخانق، ولكنها لم تستطع إيقاف الرد على الاعتداءات اليومية الصهيونية على شعب محاصر، بالتعاون مع أبواق عربية خائبة مكشوفة النوايا ومتواطئة بفحش تصريحات علنية، بالمطالبة المستمرة بإيقاف إطلاق الصواريخ الموصوفة بالدخانية المزينة بالصور والشعارات الملونة الجميلة!.. فلتكن تلك الصواريخ “فتيش” كما زعموا، ولكنها تعلن استمرار المقاومة، وتؤرق المغتصبين في قرى ومدن فلسطينية، وتعكس عجز تحركات قبول العدو كجار له حقوق، إنها لمسألة مخزية أن يتفوه مثل هؤلاء المرتزقة وأبواق التطبيع، بعدم جدوى المقاومة.

يأتي الفشل المدوي للخطط الأمنية والأخرى الاستراتيجية في العراق، والمقاومة العراقية بجميع فصائلها، جعلت من أرض العراق مقبرة للمحتلين، واستمرار الوضع الأشبه بحمامات دم جماعية ثمن باهظ لإسقاط أمبراطورية أمريكا الفاشية، والعراقيون قادرون على التحدي لآخر نقطة دماء، ولن تثنيهم الجدران، ولا الكم الهائل من الضحايا المدنيين الأبرياء، عن إيقاع الهزيمة بأعتى آلة استعمارية في عالم زعموا أنه ديموقراطي ومتحضر، وسيسقط بوش وأي سياسة تعتمد عولمة “القبضنة” الأمريكية، وسيدرك الشعب الأمريكي، أن دعم حكوماته لـ “إسرائيل”، ما هو إلا فناء للولايات المتحدة، وأن الشر لا يمكن أن يبني حضارة ولا ثقافة تجعله جزءاً في هذا العالم.

لهذا كله فإن التحام وتوحد القوى الوطنية العراقية الصادقة، ستعجل بانسحاب القوات الغازية، وإبعاد بوش عن “البيت الأسود”، والذي لم يحقق أي رخاء لشعبه في ظل احتكار ثروات البلاد وصرفها على آلة الحرب من أجل لا شيء.

 

إن واقع المقاومة العربية الآن يستدعي من الشعب العربي الالتفاف حولها، وبذل الدعم لها، وإن اختلفت بالرؤى والأيدلوجيات، والعمل على نبذ حسابات ضيقة حزبية أو طائفية، فمسيرة التحرير لا تحتمل هرطقات وتخاريف مبادرات تتعايش مع عصابات على أنه أمر واقع، والهدف منها عرقلة القوة الحقيقية والواقعية على الأرض، وهنا يأتي دور المقاومة المدنية لتوعية شعوب الأرض المضللة.

إن زوال الاحتلال يحسم كل المشاكل التي تحيط بوصم العرب والشعوب المهانة بالإرهاب، فنحن كأمّة عربية لم يكن ولن يكون لنا أي سبب لإقامة العداء بيننا وبين الشعوب الأخرى، فكلنا على ظهر هذه البسيطة شركاء في الإنسانية، إلا أن الدفاع عن الأرض والعرض، وعن المستقبل والحياة، لا يمكن اعتباره في أي وقت “إرهاباً”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات