عاجل

السبت 04/مايو/2024

المرحلجي…؟!

خالد معالي

مصطلح  رجل مصلحجي يقال في الرجل الذي يتبع مصلحته ولو على حساب كرامته وأخلاقه ونظرة الناس له، المصلحجي لا يعرف مصلحة شعبه ووطنه بل هو يتبع مصلحته الشخصية ويبحث عنها، وهو لا يقيم وزنا للمشاعر والقيم السائدة في مجتمعه وبذلك يشكل تربه خصبة للاحتلال ومعول هدم وكابح لنهضة وتقدم وطنه، أما مصطلح المرحلجي فهو يطلق على السياسي الذي يتبع المرحلة بما لها وما عليها، ورسخ في أذهان الناس أن المرحلجي قريب من المصلحجي بفعل تقلب الأحوال والأزمان وصعوبة العثور على رجال يغلبون المبادئ على المصالح، خاصة بعد هجوم دولارات أوسلو على الشعب الفلسطيني.

الرجل السياسي المرحلجي أخطر بكثير على الأمة والشعب من الرجل المصلحجي لأنه يتحكم بمفاتيح ودهاليز السياسة ويتخذ القرارت نيابة عن الشعب، أما المصلحجي قتبقى دائرة أذيته محدودة ومحصورة في معارفه الشخصيين في الغالب.

القائد الراحل ياسر عرفات أتقن لعبة المراحل واتسم باللعب على التناقضات، إلا انه عندما اصطدم المبدأ مع المرحلة في كامب ديفيد، هنا قرر عرفات ألا يتنازل مع كثرة النصائح من المرحلجين من بطانة السوء، لإدراكه لمدى حساسية وقدسية قدس الأقداس لدى شعبه والعالم العربي والإسلامي، وعرف وقتها أن ساعة رحيله قد أزفت، وتمنى أن تكون على يد الاحتلال وليس على يد غيره، وأرادها شهيدا.. شهيدا.. شهيدا….؟! وكان له ما كان من لواحق الاحتلال.

يسجل التاريخ لعبد الحميد الثاني خليفة المسلمين في الخلافة العثمانية رفضه لتوطين اليهود في فلسطين، حيث فضل أن يُقتطع من لحمه على أن يقتطع جزء من فلسطين لليهود مما أودى بحياته في نهاية الأمر. وليس بعيدا عنا وقفة أسد فلسطين عبد العزيز الرنتيسي الذي رفض وقف المقاومة مقابل وقف اغتيال القادة والذي كان هو واحداً منهم، حيث ارتقى للعلا شهيدا مرفوع الرأس عاليا، المرحلية في الفهم الصحيح بعرف الأبطال والمخلصين لشعبهم وأمتهم تعني تقديم الغالي والنفيس من أجل عزة قومهم ووطنهم مهما بلغت التضحيات، هؤلاء أصناف من الرجال كانوا يتعاطون مع كل مرحلة بما يلزمها ضمن السنن الربانية والعلمية دون التخلي عن الثوابت والخطوط الحمر .

أما السياسي الذي يتعامل مع المرحلة على أساس المرحلجية أي بمفهوم الرجل السياسي المرحلجي، فإنه لا يقيم وزنا للثوابت أو الخطوط الحمر أو حتى مجموعة القيم والمفاهيم والأخلاق السائدة بين قومه وشعبه، وهو على استعداد لأن يبيع كل هذا لمن يدفع أكثر، وأحيانا بدون ثمن فمن يهن يسهل الهوان عليه، هذا الكلام لا ينطبق على صدام حسين مثلا.. لماذا….. ؟! ببساطة لأنه رفض الخنوع لأمريكا ولم يرتجف تحت حبل المشنقة.

ظاهرة الرجال المرحلجية برزت بشكل واضح في سنوات أوسلو الغابرة المغضوب عليها، حيث كان يبرر قتل وسجن الأبطال المقاومين للاحتلال من رجال القسام وغيرهم تحت غطاء المصالح العليا للشعب الفلسطيني وطبيعة المرحلة، ترى من يملك حق تحديد المصالح العليا للشعب الفلسطيني..؟! ومن أين استمد هذا الحق ومن أعطاه إياه ..؟!

في الحالة الفلسطينية يعلو أحيانا صوت رجال السياسة ذو طابع ومن نوع المرحلجية الداعين للتعامل مع المرحلة كما هي والتعاطي معها والاعتراف بالواقع، والتعامل على أساس ما هو موجود، ويسمون أنفسهم بالواقعيين المدركين لطبيعة المرحلة، وليس على أساس ما سيكون أو على أساس تغيير هذا الواقع والتعاطي معه للسير به نحو الفضل، هؤلاء يعلو صوتهم فقط كلما سرت في دمائهم الدولارات، أو ظنوا أن صوت المقاومة قد خبا، أو كلما اشتد الحصار والخناق على الشعب الفلسطيني…..

في الدول التي تحترم مواطنيها يكون رجل السياسة فيها يعمل فقط لمصلحة شعبه، ولا يستخف بشعبه ولا بأي فرد من أفراد الرعية، أما عندنا في العالم العربي والإسلامي فآخر ما يفكر به رجل السياسة هو مصلحة شعبه لأنه ببساطة يعمل فقط لمصلحة القلة القليلة من شعبه وهي الفئة الحاكمة، ورجل السياسة في العالم العربي هو رجل مرحلجي يعي ويدرك طبيعة المرحلة بشكلها السلبي، ويعمل ضمن إطارها ليحافظ على مصلحته الشخصية .. هنا يلتقي المصلحجي مع المرحلجي وهي من أسوأ أنواع الالتقاء، حيث تكون نتيجتها أيضا من أسوأ أنواع النتائج على الوطن والشعب في آن واحد، وحال الأمة العربية خير دليل على ذلك وهذا ما ينطبق عليها بالتمام والكمال.

المرحلجي يملك ثقافة الدعة والخنوع والاستسلام ويغلفها بالكلام الجميل والبراق وطبيعة وحساسية المرحلة، واترك الناس تعيش حياتها وتقبض الرواتب، رجال المرحلجية يريدون لنا أن نعيش ونحيا تحت حراب الاحتلال خانعين ذليلين، هؤلاء سبق ووعدونا بسنغافورة الشرق الأوسط عندما وقعوا اتفاقات أوسلو، وها نحن نحصد النتائج المرة واستيقظنا على حبل مشنقة الرواتب يلتف حول أعناقنا، هؤلاء لا دين لهم ولا وطن، هؤلاء يعتقدون أن الدولارات هي الحل والبديل الأمثل لجميع المشاكل والقضايا، يشترون الناس بدولاراتهم حيث لا قيمة للعواطف والمشاعر والقيم الإنسانية عندهم، مستغلين فقر الآخرين وحاجتهم وظروفهم الصعبة ظنا منهم أن ظلمهم المغلف بالشعارات البراقة والحلوة سيدوم، هؤلاء ومن لف لفيفهم لن يكون مصيرهم غير مزابل التاريخ ونظن أنها ستتردد في قبولهم لعظم ما قاموا به.

رجال السياسة من نوع المرحلجية أتوا على ظهر دبابة في العراق، وفي فلسطين معروفون بسيماهم من دينهم دنانيرهم، وفي أفغانستان النموذج واضح وجلي على يد كرزاي وعصابته، وفي الصومال كانت الدبابة الإثيوبية تعمل على نقل ركاب لرجال السياسة المرحلجية، في جميع الأحوال كل هؤلاء سيكون مصيرهم مصير العملاء والخونة، فهل نعمل على تقريب ساعة رحيلهم..؟! أم نتركهم يستخفون بنا..؟!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات