عاجل

السبت 04/مايو/2024

قرارات تلفزيونية

د. محمد عطية عبد الرحيم

المتابع للشأن العربي الإسلامي يرى هذه الأيام عجبا يثير فيه الغثيان والسخط لما آل إليه الوضع في العالم العربي الذي يفترض فيه أنه مهد الحضارات ويتمتع بموقع إستراتيجي عظيم الشأن وبثروة نفطية هائلة لو استخدمت استخداما صحيحا لجعلت منه أمة رائدة تقود ولا تنقاد تصنع الحضارة ولا تستهلكها أمة لها حضور في المحافل الدولية ولا تتخذ القرارات ذات الشأن إلا بحضورهالا أمة يقرر شأنها ومصيرها في غيابها.

للأسف الشديد إن ما يجري في العالم العربي من ضعف وانهيار يصعب تبريره إذا افترضنا حسن النية في قادته وولائهم لقضايا الوطن العربي والإسلامي والترفع عن الارتباط بدول تسعى لتخريب وتدمير العالم العربي والإسلامي. فهي أمة يوحدها الكثير ولا يفرقها إلا العدو الحاقد الذي يسعى إلى تأجيج الأوضاع وترسيخ التشرذم والكراهية بين شعوب هذه الأمة بحيث لا تهتم الدول إلا بمصالحها. وتتحالف في كثير من الأحيان ضد رغبة شعوبها سرا وعلانية وطوعا وكرها مع العدو لاحتلال دول عربية أخرى .

ما دفعني لكتابة هذا المقال هو الشلل اللامنطقي الذي يدب في أشلاء هذه الأمة التي أغار عليها لدرجة تعرية عيوبها وتركيز الضوء على نقاط ضعفهابغية أن تستفيد وتثأر لكرامتها وتحرص على مصالحها.

فقادة العرب والمسلمين يدعون بأن القضية الفلسطينية هي أهم قضاياهم على الإطلاق وهم لن يهدأ لهم بال حتى يرجعوا للفلسطينيين حقوقهم ويعيدوا المسجد الأقصى لحضن العالم العربي الإسلامي. لكن الناظر والمدقق في أحوالهم يرى أنها تتناقض مع أقوالهم تناقضا صارخا بحيث يذكرنا بالمثل الفلسطيني (القول قول علماء والفعل فعل شياطين).

فمثلالقد انتظر الفلسطينيون طويلا بعد اتفاق مكة وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية لكسر الحصار وناشد الفلسطينيون قادة العالم العربي بأن يكسروا الحصار الاقتصادي والسياسي الظالم على الفلسطينيين الذي أهلك الحرث والنسل ودمر اقتصادهم وقدراتهم وأجاع أطفالهم ولم يحرك العرب ساكنا رغم أنهم أصدروا الكثير من القرارات بفك الحصار، ومن هذه القرارات قرار جامعة الدول العربية وقرار منظمة المؤتمر الإسلامي الذي ظهر فيه أصحاب الكروش أمام عدسات التلفاز ليقرروا كسر الحصار.

هذا حدث قبل أربعة أو خمسة أشهر ولم يحدث شيء مما قالوا ثم كرروا ذلك القرار في قمة الرياض التي جمعت قادة العرب ومضى شهران على هذا القرار ولا زال الفلسطينيون يعانون معاناة شديدة لا ترق لها قلوب من آثروا إرضاء الغرب والصهاينة على حساب إرضاء ربهم وأمتهم والتاريخ الذي لن يرحمهم.

هذه القرارات التلفزيونية تذكرني بأن ملك إحدى الدول العربية أصدر قراراً على شاشات التلفاز يقول فيه: لقد قررنا أن تتم معاملة الفلسطيني كمعاملة المواطن وعندما ذهبت في الصباح مدفوعا بحسن النية للسؤال على إمكانية الالتحاق بمؤسسات الدولة للدراسة عملا بمنطوق القرار قال لي موظف صغير إنه سمع بالقرار ولكنه لا يأخذ قراراته من التلفاز ولم يأت من الديوان الملكي شيء.

حقيقة تعجبت لهذا الموقف وفكرت طويلا فيه واليوم ازداد يقيني بما توصلت إليه من فهم وهو أن قادة العرب يتخذون قرارات تلفزيونية لإرضاء شعوبهم وإقناعهم بأنهم أمناء على قضيتهم الأولى فيسكتونهم بذلك، وفي الواقع هم يعملون القليل، بل ويضغطون على الفلسطينيين بشتى الطرق للخضوع لإرادة أمريكا وإسرائيل. ربما ضمن هذا الفهم يمكن تفسير قرار كسر الحصار على الشعب الفلسطيني في القمة وغيرها من المؤتمرات.

يجب أن نقول وبصراحة تامة ودونما خوف ولا وجل بأنه عمليا لا يمكن محاصرة الفلسطينيين إلا إذا اشتركت دول الجوار بفعالية في هذا الحصار.  

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات