عاجل

الجمعة 03/مايو/2024

خصوم الديمقراطية في تركيا يحرقون آخر أوراقهم

عمر نجيب

دخلت تركيا في أزمة سياسية ودستورية بعد أن تحركت القوى السياسية التي تصف نفسها بالمدافع عن العلمانية تساندها بعض قيادات الجيش التركي من أجل إجهاض عملية انتخاب وزير الخارجية عبدالله غل العضو القيادي في حزب العدالة والتنمية الحاكم، لرئاسة الجمهورية وفرض إجراء انتخابات تشريعية قبل أوانها أو القيام بانقلاب عسكري.

 المعركة التي يشنها خصوم حزب العدالة والتنمية حول موضوع رئاسة الجمهورية ليست سوى واجهة لمحاولة انقلاب على النظام الديمقراطي بدعوى الدفاع عنه وحمايته من انقلاب يدبره أنصار التوجه الإسلامي، وهذه ليست بأي حال محاولة انقلاب أولى بل هي تكررت منذ فوز حزب العدالة والتنمية سنة 2002 بالانتخابات التشريعية وبالتالي رئاسة الحكومة.

إن منصب رئيس الجمهورية في تركيا مراسمي في الأساس وهو أقل أهمية من رئاسة الوزراء التي في يدها السلطة التنفيذية غير أن من صلاحيات رئيس الجمهورية المصادقة أو رفض القوانين التي تصدرها الحكومة، كما يصادق على التعيينات في المناصب العليا حتى في الجيش رغم أن رئيس الحكومة هو دستوريا القائد الأعلى، وبالتالي يعتبر من يصفون أنفسهم بالعلمانيين رئيس الجمهورية الضامن لمنع “أسلمة” تركيا كما ان منصب الرئاسة يكتسي أهمية رمزية خاصة لأنصار مؤسس الدولة مصطفى كمال أتاتورك بصفته أول من تولى هذا المنصب بعد انهيار الدولة العثمانية. والرئيس الحالي نجدت سيزار عطل أكثر من 100 قانون أصدرتها حكومة أردوغان كما منع تعيين المئات من الشخصيات السياسية في مناصب هامة.

تكتيك الانقلابيين

تكتيك المعارضة العلمانية للقيام بانقلاب على الديمقراطية مشوش ومضطرب منذ البداية وهو كما وصفه مراقبون في الإتحاد الأوروبي بمثابة النفس الأخير لقوى سياسية على وشك الاندثار والغرق وسط الحراك والوعي السياسي الجديد في تركيا والذي كان من أبرز إفرازاته تيار الحركة الإسلامية التي عادت لتسيطر على الحياة السياسية رغم ثلاث عمليات انقلابية ضدها كان آخرها إجبار الجيش رئيس الحكومة الإسلامي نجم الدين اربكان على الاستقالة في 1997

في البداية شن العلمانيون حملة تضليلية ضد الترشيح المحتمل لرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، غير أنهم لم ينجحوا في كسب تأييد جزء هام من الشعب التركي أو تأليبه ضد حكومته، كما لم يحصلوا من الجيش سوى على بيانات وصفت بالخجولة بشأن الدفاع عن مبادئ العلمانية. الحركة المناهضة لحكومة اردوغان وصلت قمة جديدة حين حشد أنصارها ما بين 100 و 300 ألف متظاهر في أنقرة في بداية شهر ابريل.

لما لم تنجح تلك التكتيكات وحقق حزب العدالة والتنمية ضربة سياسية ذكية بترشيح عبدالله غل بدلا من اردوغان لمنصب الرئاسة اختلطت الأمور على خصومه فلم يملكوا سوى لعب مناورة الغياب عن الجلسة البرلمانية الأولى لاختيار الرئيس من أجل خلق إشكال سياسي يمكن أن يخدمهم مؤقتا إذا مالت المحكمة الدستورية لصالحهم او اذا استطاعوا جر الجيش الى القيام بانقلاب عسكري أو على الأقل التلويح به لإجبار حزب العدالة والتنمية على سحب ترشيح غل.

المحكمة الدستورية والانتخابات المبكرة

وهكذا طعنت المعارضة العلمانية في نصاب جلسة الانتخاب التي عقدت يوم الجمعة 27 ابريل، والتي حصل فيها غل على 357 صوتا من أصوات 361 نائبا شاركوا في الاقتراع مع العلم أن الفوز بالمنصب من الدورة الأولى يتطلب أصوات 367 نائبا من أصل أعضاء المجلس المكون من 550 نائبا.

وقد انسحب قبل بدء التصويت المنافس الوحيد لغل على المنصب وهو المنشق عن حزبه يارسونميز يارباي الذي لا يملك أي فرصة في الفوز.

المعارضة تأمل بما أن الفترة الدستورية للترشح قد انقضت ولم يعد ممكنا ترشيح شخص آخر، فرض أحد خيارين: فإما ان ينسحب غل ويحتكم الجميع الى انتخابات برلمانية مبكرة خلال أجل 90 يوما وإما أن يستمر في خوضه الدورات الانتخابية في حال أقرت المحكمة الدستورية قانونية الانتخابات، وأن يتحمل عواقب مواجهة محتملة مع الجيش.

المعارضة العلمانية نجحت في توريط الجيش في المواجهة الأخيرة مع الحكومة الأولى في تاريخ تركيا التي انتخبت ديمقراطيا وتمكنت من إتمام مدتها القانونية التشريعية كاملة، بعد إصدار المؤسسة العسكرية منتصف ليلة الجمعة السبت بيانا هدد بالتدخل عمليا من أجل حماية العلمانية التي اعتبر أنها في خطر بسبب ما يدور من نقاش حول الانتخابات الرئاسية. وأشار البيان في شكل غير مباشر إلى رفض الجيش المرشح الوحيد للرئاسة الوزير غل. وزاد تصعيد المواقف إعلان الجنرال كنعان ايفرين الذي تولى الرئاسة بعد انقلاب عسكري قاده العام 1980، أن على قيادة الأركان أن تضطلع بمسؤولياتها.

وقد رد الناطق باسم الحكومة جميل شيشيك، على بيان الجيش بالتأكيد أن الحكومة هي المسؤولة أولاً عن حماية النظام العلماني في البلاد، وأن الجيش يتبع لها وليس العكس، مشيرا الى أن بيان الجيش هدفه الضغط على المحكمة الدستورية العليا التي تدرس طلباً بإلغاء الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية.

كما ذكرت مصادر رئاسة الحكومة ان رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان الذي عقد اجتماعين طارئين لوزرائه وقيادات حزب العدالة والتنمية بعد صدور بيان الجيش، اتصل هاتفيا بقائد الأركان الجنرال يشار بيوك أنيط، وأبلغه رفضه للأسلوب الذي صيغ به البيان، مؤكدا انه لو شعر الجيش بأن النظام العلماني مهدد فإن من واجبه التوجه إلى مجلس الأمن القومي الذي هو عضو فيه وليس إثارة زوبعة إعلامية بهدف التأثير على المحكمة الدستورية.

استبعاد الانقلاب العسكري

اغلب المراقبين يرون ان لا أحد يتوقع قيام الجيش بانقلاب في تركيا الآن خاصة على ضوء المعارضة القوية لمثل هذا التصرف على الصعيد الدولي وخاصة من جانب الإتحاد الأوروبي، كما ان الوضع الداخلي في البلاد حيث ينمو الاقتصاد بقوة وتتوسع الاستثمارات الأجنبية وترتفع الصادرات بنسب غير مسبوقة بفضل علاقات انقرة الخارجية الناجحة، وتحظى حكومة اردوغان بشعبية داخلية، كما يحظى غل باحترام في الخارج بوصفه مهندس محاولة تركيا الانضمام الى الاتحاد الأوروبي، يجعل من عملية الانقلاب انتحارا سياسيا لمنفذيه وأنصاره.

وعلى أي حال وفي حال لم يتم إبطال الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية ستجرى دورة ثانية يوم الأربعاء المقبل، وإذا لم يحصل غل على الأغلبية المطلوبة فإن العملية الانتخابية يمكن أن تمتد إلى أربع دورات كالمعتاد وسيضمن غل الفوز في دورة 9 مايو لأن حزبه يحظى بالغالبية الساحقة في الجمعية الوطنية حيث يشغل نوابه 352 مقعدا من أصل 550. وإذا تمت الدعوة لإجراء انتخابات فإن الرئيس الحالي نجدت سيزار سيبقى في منصبه الى ان يستطيع برلمان جديد انتخاب خلف له. ومن المتوقع ان يفوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة التي يتعين على أية حال اجراؤها بحلول نوفمبر 2007 كما انه متقدم على منافسيه في استطلاعات الرأي.

إن موقف حكومة اردوغان أقوى من موقف خصومها، فالإعلام يؤيدها وجمعيات القوى الاقتصادية الصناعية والتجارية والبنوك توفر لها دعماً داخلياً وخارجياً قوياً للغاية.

الاستئصاليون يحرقون آخر أوراقهم

في ظل هذه الوضعية يرى المراقبون أن العلمانيين يحرقون أوراقهم الأخيرة، ففي النهاية لن يتدخل الجيش على الأقل بالصورة التي يريدها من شرع في تسميتهم في تركيا بالاستئصاليين، وفي حال إجراء انتخابات مبكرة في شهر أغسطس 2007 فإن العدالة والتنمية سيفوز مرة أخرى وربما بنسبة أكبر مما هو واقع حاليا.

الاتحاد الأوروبي وقف ضد تحركات الاستئصاليين فقد حذر مفوض توسيع الاتحاد الأوروبي اولي رين الجيش التركي وطالبه بالبقاء بعيدا عن السياسة. وقال رين للصحافيين “من المهم ان يترك الجيش مسألة الديمقراطية للحكومة المنتخبة ديمقراطيا وهذا اختبار سيظهر إن كانت القوات المسلحة التركية تحترم العلمانية الديمقراطية للعلاقات المدنية العسكرية”، مؤكدا رغم ذلك احترامه الكبير للجيش. وأضاف “من المهم أن يحترم الجيش أيضا قواعد اللعبة الديمقراطية ودوره الحقيقي في هذه اللعبة الديمقراطية”، مشددا على أن هذه المبادئ “في صلب مشروع انضمام تركيا إلى أوروبا”.

وحول بيان الجيش حول الأزمة، علق المفوض الأوروبي اولي رين قائلا “إننا ندرس الإعلان الذي نشر ليلة الجمعة السبت على الانترنت بعناية شديدة”، معتبرا إياه “مفاجئا وغريبا”. وأضاف “كما قلت بوضوح، إن هذا الأمر يمثل اختبارا لرؤية ما إذا كانت القوات المسلحة التركية تحترم الترتيبات الديمقراطية والقيم الديمقراطية الأوروبية”.

وحتى على الصعيد الداخلي تنهار رهانات أنصار الانقلاب، وهكذا انتقدت أحزاب المعارضة اليمينية بيان الجيش، معلنة رفضها أي وصاية عسكرية على العملية السياسية، لكنها حملت الحكومة مسؤولية التوتر مع الجيش بسبب إصرارها على ترشيح غل ورفضها التشاور مع المعارضة حول مرشح يقبل به الجميع. أما حزب الشعب الجمهوري المعارض الذي كان دعا الجيش إلى التدخل، فحض على حل الأزمات في إطار السياسة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات