الجمعة 26/أبريل/2024

القرار الفصل

سوسن البرغوتي

يبدو أن المتظاهرين بتحدي “إسرائيل” شاهرين سلاح”المبادرة العربية”، وكأنها ترياق الحلّ لكل المشاكل العالقة ولصالح الشعب الفلسطيني، ما زالوا يعتمدون سياسة اللحظة ورد الفعل، وهو ما يعكس بوضوح خلو جعبتهم من أي خطط أو تصور لأداء وطني قومي جاد، بل وفي الحقيقة يدل على سطحية التعامل مع عدو يتفوق بالحنكة والمناورة السياسية، مما يجعل الأصوات العربية الرسمية أشبه بزبد البحر، لا يلبث أن يتناثر ويتلاشى أمام هدير الاعتداءات الصهيونية المستمرة، والضاربة عرض الحائط بكل القوانين الدولية.

هل نستطيع أن نفهم على ماذا يستند من يطالبون “إسرائيل” بإنهاء ملف الصراع لعقود، وإحلال مفردة النزاع، التي توحي بأن الصراع الوجودي القومي العربي مع الصهيونية ليس أكثر من نزاع بسيط بين أحباب، وكأننا نختلف مع الجار حول ترسيمات حدود!؟..

لقد بدت المؤتمرات الصحفية والتصريحات العربية أشبه بكرنفال خطابي، لا يلبث أن يتبدل ويتغير ثم يسود الصمت، وكل ذلك تبعاً للإملاءات الأمريكية، والتي بدورها تتخبط في قراراتها، بسبب الهزيمة التي مُنيت بها في العراق وأفغانستان، ومن جهة أخرى الإلحاح “الإسرائيلي” بضرب إيران بحجة تهديدها للكيان الصهيوني بامتلاكها سلاحاً نووياً، و”إسرائيل” مدججة بكل أنواع السلاح الفتاك!.

من يطالب بمثل هذا الأسلوب للتعامل مع من يحتل الأرض دون حق، بادعاء أنها شرعية القانون الدولي، نتساءل، وماذا عن القانون الذي يجري تطبيقه في لبنان الآن؟، هل هو بإرسال قوات دولية لمراقبة وعد الخروقات “الإسرائيلية” اليومية؟، وما الغاية من تواجد تلك القوات على أرض لبنان إذا لم تحقق وقف إطلاق النار، ومحاسبة المعتدي دائماً، وهو كما يبدو للجميع وبوضوح الجانب “الإسرائيلي”، أما المطالبة بمحكمة دولية لشأن داخلي تماماً، فهذا أبعد ما يكون عن استقلالية وسيادة دولة.

تخفق الشرعية الدولية في تطبيق القانون لمحاسبة فعل الهدم المتعمد لمدينة القدس وتهويدها، وفي التطهير الجاري على قدم وساق في العراق، لماذا إذن تصدر القوانين ولا تنفذ بالتساوي أسوة بجميع القرارات الأممية، التي استطاعت أمريكا أن تفرضها على ليبيا سابقاً والعراق قبل الاحتلال، وتلوح بعصا الحصار الدولي على السودان، وتخرس الشرعية الدولية عن احتلال إثيوبيا للصومال؟، وأين هي محكمة العدل الدولية التي أصدرت قراراً يدين بناء الجدار العازل في فلسطين، واليوم الاحتلال الأمريكي المتبجح بالديمقراطية، يبني جدراناً للعزل في بغداد؟.
تلك المرجعية الواهية المفصّلة على قياس المصالح، يستخدمها الساسة العرب كمطية لإخفاء ضعفهم وعجزهم عن مواجهة حقيقية لقضايا جوهرية سياسية تمس هموم الناس وحريتهم.

في ظل غياب تطبيق القوانين الدولية، تتحول قضايا احتلال الأقوياء لأرض وشعوب من قضية مصيرية سياسية اجتماعية إلى  قضية لاجئين تستدر العطف، وهو في حقيقة الأمر لا يمت للإنسانية بصلة، إذ كيف يتفق السلوك الإنساني مع من يسرق حقوق الآخرين وممتلكاتهم؟!.

نشط العرّابون لإحياء مبادرة وُلدت من رحم اليأس، ومن تيار يمتثل لأوامر وتوجيهات أمريكية، وليس أخيراً على مسلسل التنازلات المهينة وما يتردد الآن بالبحث عن وسائل وسبل إلى شطب حق العودة وتعويض أهل الشتات عن حقهم الطبيعي في وطنهم، والأولى تأسيس وتقوية لجان المطالبة بحق العودة والثبات عليه، وتعويضهم عما لحق بهم من مآسي التشرد، وكل هذا إرضاء لسطوة أمريكا، فهل المطلوب اليوم استكمال سلب إرادة وأحلام الشعب الذي يعاني على مسيرة نصف قرن ونيف التشرّد واللجوء؟!.

المبادرة ساقطة وباطلة منذ ولدت، لا تستند على شرعية إنسانية ولا سياسية، أما المطالبة العربية المتخاذلة بالتطبيع مع العدو فهي على طريق استجداء “إسرائيل” للاعتراف بهم، وكف شرورها عن عروشهم، ولو كان الثمن مسح اسم فلسطين من خارطة الوجود.
السياسات العربية التي تسمى “معتدلة”، تمر الآن في مأزق مزدوج، فمن ناحية هي ملتزمة بتحالفها مع الإدارة الأمريكية، ومن ناحية أخرى، تدرك أن دورها بـ “الفوضى الخلاقة” قادم لا محالة، هذه السياسة الآنية، لا نستطيع أن نجد لها تأويلاً غير أن تكون غباءً أو بغاءً، وكلا الأمرين يجسدان الحالة العربية الرسمية المستعصية على التفكر والفهم والتدبر جراء الوهن والعجز الذي نخر عقر الديار.

في هذا الزمن ونحن نتابع ظهور دول تلعب دوراً أساسياً متحدياً على الساحة الدولية، نجد في المقابل أنظمة عربية لا تتعدى أن تكون وسيطاً رخيصاً لأمريكا، بتقرير مصير الأمة العربية نيابة عنها منقوصة السيادة والقرار، فقد استحدثت لهم إمبراطورية أمريكا وحليفتها، مهام تحويل وتحوير القضية الفلسطينية ونقلها من قضية سياسية بامتياز إلى قضية إنسانية، وكأننا نستجدي ونستثير شفقة الشعوب، لرفع معاناة بشرية، وليس كمفهوم واضح في التصدي لاحتلال أرض وتشريد شعب في أصقاع العالم، وكأن الحصار الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني في مناطق لم تُحرر إلا بالعنوان، هو حالة معاناة إنسانية، المطلوب إغاثتهم، كمن يتضرر من كارثة طبيعية أو مجاعة أو انتشار أوبئة، وغير ذلك من كوارث الطبيعة…

لعل التضليل الذي ساد نتيجة الاحتلال الأمريكي للعراق، وتشريد الآلاف من جنوب لبنان، تتبع جميعها لهذه النقلة الهابطة في قاموس المعالجة المؤقتة، كغيرها من الفرقعات الإعلامية التي أتحفونا بها، وتستدعي المجتمع الدولي للتعامل معها على هذا الأساس..

تعقدت وتشابكت الملفات والقضايا، مع ضعف وانهيار النظام العربي، مما أدى إلى استبدال أساسيات وأبجديات لحق تقرير مصير الشعوب، وبدأت الأوراق الصفراء تتهاوى واحدة تلو الأخرى في الخريف العربي، معلنة الاستسلام واسترضاء “إسرائيل” بشطب حق العودة، والاكتفاء بإخراس الشعب الفلسطيني بالشتات بالمال، وهم يقبضون على كل رأس (غنم) يبيعونه مقابل لا شيء..!.

المخرج الوحيد للمقاومة الفلسطينية، من نكبة البيع الجماعي، والتي استجدّت بعد مؤتمر القمة، هو حل السلطة الفلسطينية وحكومة الوحدة، والعودة إلى تشكيل جبهة مقاومة للاحتلال، ترتكز على الثوابت أولاً وأخيراً، وتحميل  المحتل أعباء تسيير الأمور الحياتية الملزم بها، خاصة وأنه لم تتحرر أي مدينة فلسطينية فعلياً، وأن لا أحد له الحق في مقايضة  القضاء على القضية الفلسطينية وشعبها مقابل “الاستسلام”، ومن يريد أن يبيع، فليشهر ممتلكاته في المزاد العلني، لكن ليس على حساب مصير شعب بأسره، والذي يبلغ عدده أكثر من سكان بلد نهض على حساب حروب أمريكا و”إسرائيل” في فلسطين ولبنان والعراق.

وعلى الشعب الفلسطيني بفصائله وكافة ألوانه وتوجهاته السياسية والفكرية، أن يعي خطورة ما يخطط في الخفاء، وأننا ندفع غالياً لخيار المصالحة الوطنية الصورية، فالخلافات الحادة ما زالت قائمة والمؤامرة مستمرة، ولا أحد يراهن على ما يخطط له تيار أوسلو غداً، فالإمدادات لم تنقطع والمعسكرات تُعد لإفناء المقاومة من أجل أمن “إسرائيل”.

كفى حوارات وتصريحات، وكفى متاجرة بالقضية، فالأمر ليس أكثر من جينات يحملونها من الجاهلية، فمقولة “اليوم خمر وغداً أمر”، تعني أن  الأنخاب لهم، والغد لا يمكن إلا أن يكون بوضع النقاط على الحروف، فإما فلسطين من بحرها إلى نهرها، وإلا فعلى الشعب الفلسطيني في الداخل والضفة والقطاع، والشتات.. السلام. وإذا كانت منظمة التحرير مجرد عنوان مفرغ من محتواه فلا تلزمنا.. فالشعب الفلسطيني قادر على تجميع طاقاته، ليشكل أفضل منها، والسفارات الفلسطينية في الخارج ما هي إلا مناظر تجميلية دون أي تفعيل أو حماية للفلسطيني في الخارج.أما سلطة أوسلو التي بُنيت على باطل فلن تأتي لنا بالخير، لأنها أداة أمريكية بامتياز.

لذلك كله فالفصائل الفلسطينية معنية ومسؤولة مباشرة عن هذه الإسقاطات المستجدة، إلا إذا زلّ المقاومون في إغراءات سلطة زائفة، ووجدوا أن الحل في تنصّبهم بوظائف مشبوهة مرفوعة على أنقاض هلاك وتصفية كل الشعب الفلسطيني..  .

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

45 ألف مُصلٍّ يؤدون الجمعة في الأقصى

45 ألف مُصلٍّ يؤدون الجمعة في الأقصى

القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلامأدى 45 ألف مواطن صلاة الجمعة اليوم في المسجد الأقصى المبارك، في حين منعت قوات الاحتلال، العشرات من الشبان...