الجمعة 03/مايو/2024

مع صقر فلسطين الخالد (2)

أسامة العربي

كم من رجل يعد بألف رجل وكم من رجل يمر بلا عداد ، والرنتيسي الذي خاض كافة ميادين النزال مع هذا العدو الغاشم يعد بآلاف الرجال ، فميدان المعركة قابله ميدان صراع الأفكار الذي صال فيه العدو وجال لفترات طويلة ، ونال فيه من النصر ما لم ينله بالحروب ،ومعارك الأفكار تبقى هي الأخطر على الشعوب ، وما الهزيمة النفسية التي شاعت في المحيط والتي كرست الهزيمة العسكرية إلا نتاج معركة صراع الأفكار ، ميدان خاضه الشهيد وكان القائد فيه بامتياز، فلم يفتر إشعاعه بعد ترجله ، وما استقال من مهمته التاريخية القيادية فبقيت أفكاره حية لما استشرفه من معطيات حاضره ، وهنا يكمن السر في هذا الطراز الفريد من القيادات ،وما زالت كلماته قائمة يرسلها مع الأحداث على نصل السيف لعدو خبره الرنتيسي عن كثب ، ومن كلماته القائمة (( شاس بن قيس عد إلى قبرك فنحن شعب واحد)) ،تلخيص المفكرين المبدعين لدوافع الأحداث التي عصفت بالمجتمع الفلسطيني ،وإن قدمها للصهيوني على حد السيف ، فيقدمها لمن حوله لتنشيط الوعي ، فالوعي التاريخي بهذا العدو ضرورة من ضرورات الإحاطة بمجمل أبعاد الصراع معه ، فشاس بن قيس اتخذه القائد كرمز للمكر اليهودي عبر التاريخ الذي قاد أفعال هذه الشرذمة طوال مسيرتها بين شعوب الأرض ، مكر ما قبل زكريا عليه السلام الذي شُق نصفين ،وما قبل مكر البغي اليهودية بيحيى عليه السلام ،والتي طالبت برأس يحيى مهرا لها من حاكم تقدم لخطبتها ، المكر اليهودي الذي أدى إلى نسف الباخرة باتريا بمن فيها من المهاجرين اليهود عام 1942 زاعمين فيما بعد أنهم انتحروا جماعيا وفضلوا الموت على مغادرة( الوطن)، وصولا إلى المكر اليهودي المتمثل بخطة دايتون .

بقدر ما في الكلمة من تحذير بقدر ما فيها حث على الفعل كلما تجددت نفس الظروف التي استشرفها القائد ، تسلل شاس بن قيس من قبره ،ورمى به الحضن الصهيو امريكي ليقيم في المجتمع الفلسطيني ،والأهداف المرجوة من عودة شاس النيل من انجازات الشعب ووحدته التي شغلت الرنتيسي و قيادة حماس طوال هذه المسيرة ،فالوحدة هي سبيل توحيد الطاقات لتكون في وجه العدو ،والوحدة هي الضمان لإمداد المقاومة بأسباب الاستمرار والنصر ،وكاد العدو أن ينتصر في ميدان الأفكار ،ولكن حياة فكر الإمام والرنتيسي في قيادة حماس الحالية ،والتي حولت هزيمة معركة السلاح سابقا الى دوافع للنصر وحققته ، حولت عودة شاس الى التفاف المجتمع حول تلك القيادة وللسير نحو مصير واحد ، ومع تسلل شاس جاء دور الفعل الذي طلبه الرنتيسي لإعادته إلى قبره ، فقاد الشيخ المجاهد هنية والمخلصون من أبناء الشعب هذه المهمة ، آخذين في الاعتبار اقل الخسائر على الشعب والمقاومة ، فكان اتفاق مكة. سيحاول شاس مع امتداد صراع الأفكار التسلل من قبره مرارا وتكرارا وسيتلون تلون الحرباء ، وما على الفلسطيني الا الإبقاء على فكر الرنتيسي متقدا في حياته ليبقى شاس مذموما مدحورا في قبره .

بإغراء العطر الفواح من هذه الزهرة التي أهدانا إياها الشهيد البطل عبد العزيز الرنتيسي من حديقة أفكاره ،يندفع المرء مهرولا الى مرج الزهور ،فمرج الزهور تعبقت أرضه الصلبة وازدادت صلابة بصلابة الرنتيسي وإخوانه ، وهناك ما زال البشر والحجر والتراب يبكي عبد العزيز ،وبمرج الزهور يجد الفلسطيني خاصة في مواقف وكلمات الرنتيسي زاده الذي يعينه على مواصلة مشروعه التحرري ،ويجد المسلم عامة فيه زاده نحو مشروع نهضوي رائد قائم على انسجام تام مع مقوماته الروحية .

ومن مرج الزهور هناك قول للرنتيسي ورد على لسان الشيخ محمد الحاج ،نشر في مجلة فلسطين المسلمة ،على إثر استشهاد القائد عبد العزيز الرنتيسي ((ليس كل شيء شهادات وعندنا في فلسطين وفي أي دولة عربية هناك أناس كثر عندهم شهادات عالية. وبدل أن يحيوا الرغبة في العلم والدين نجدهم يميتون الناس بدل إحيائهم، ولكنه الإخلاص المفقود، فالإخلاص لله تعالى في أي عمل يقوم به، يوفقه عز وجل ويجعل الخير على يديه))

مع أن الشهيد يحمل شهادة علمية مقدرة الا إن إخلاصه للحقيقة كان أسمى من الانقياد بعقدة التسامي الأرعن ،التسامي الذي ناب فيه بعض المفكرين عن الأنظمة بقيادة المجتمعات بالشعارات الخاوية التي تنقل الفرد الى برج عاجي لا يلامس الواقع بأي مساحة مهما صغرت ، وبهذا القول يخلط الرنتيسي الفعل المادي بالإرادة أو القيم الروحية بل يجعل القيم الروحية بداية اي عمل ، وبهذا القول ينطلق الفعل المادي برقابة ذاتية نابعة من روح الشخص مختارا لها بإرادة يلفها الرضا والحب تدفع بالإنسان لأقصى إنتاجية ممكنة، رقابة ذاتية تمتد الى حين الاستهلاك ،وإنتاجية ليست مقطوعة عن الرقابة الذاتية بل تغذيها باستمرار لتتناسق مع دوافع الفعل المادي ،وليبقى الفعل في خدمة المجتمع وتحرس ناتجه ليبقى محققا للهدف الذي قام عليه ،وهو شرط من شروط تحقيق المشروع النهضوي الإسلامي ليحافظ على خصوصيته الحضارية ويقدم الخير للبشرية .

وهذا القول يقودنا الى الفعل الغربي الذي تحكمه او يرتبط بمقدار تحقيق مصلحة شخصية بغض النظر عن الناتج الذي يتلقاه المجتمع ، ولقد شهد العصر الحالي ثورة في التقدم العملي للحد الذي لم يقدر الإنسان على مواكبته فأبرز تخصصاً في التخصص ، ولو أخذنا الانفتاح الفضائي في وجه وسائل الاعلام المرئية مثالا لوجدنا التطور مذهلا ،ولو أخذنا أثر الفعل لهذا الانفتاح الذي لم يحكمه ضابط قيمي او روحي لوجدناه مذهلا ، فقياس معدلات الجريمة المقترفة الناجم عن تعزيز العنف المرافق لهذا الانفتاح مذهل بقدر ما في هذا الانفتاح من تطور.

ويتابع الشيخ محمد الحاج بشهادة له عن الرنتيسي (( والشهيد أبو محمد كان الخير كل الخير على يديه. الدكتور عبد العزيز وإخوانه المبعدون تركوا أثراً طيباً في نفوس أبناء مرج الزهور. بدليل أنه عندما ذهبت الدفعة الأولى وبعدها الثانية، المشاهد التي رأيناها من خلال وداعنا لهم، وكأننا ودعنا أحب الناس لنا. وعندما ودعته عند المعبر بكيت وبكيت، وما زالت بلدتنا إلى اليوم في سيرتهم وشعاراتهم على جدراننا لم تمحها السنين.

أتوقف بكلمة الشيخ محمد الحاج العفوية عن الشهيد الرنتيسي والتي تعبر عن الحب الجارف لهذه القيادة على أمل أن تكون بداية الانطلاق مع زهرة أخرى من أزهار الرنتيسي ومن مرج الزهور

حقيقة لا بد من التأكيد عليها لا يمكن بأي حال الوفاء لقائد عظيم كالرنتيسي مهما بلغت الكلمات من معانٍ ومن وصف ولكنها محاولة لأن تكون كلمات الرنتيسي مشعلا وليسامحني الرنتيسي وأحباؤه على عدم الإحاطة بكل جوانبها .

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

عدنان البرش.. الطبيب الإنسان

عدنان البرش.. الطبيب الإنسان

غزة – المركز الفلسطيني للإعلاملم يترك الدكتور عدنان البرش (50 عامًا) مكانه ومهمته في إنقاذ جرحى حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية بغزة، حتى اعتقاله...