الجمعة 03/مايو/2024

المحافظون الجدد يصرون على حماية تراث العنف لشن مزيد من الحروب

عمر نجيب

صباح يوم الاثنين 16 ابريل وبالضبط في الساعة 7 و15 دقيقة حسب التوقيت المحلي في غرب الولايات المتحدة الأمريكية شرع شخص وربما شخصان حسبما ذكرت البلاغات الرسمية التي صدرت خلال ذروة الأزمة، في تنفيذ مذبحة داخل جامعة التكنولوجيا الموجودة في بلدة بلاكسبرغ بولاية فرجينيا، والواقعة على بعد نحو 400 كيلومتر باتجاه جنوب غرب العاصمة واشنطن.

 في البداية قتل ذكر وأنثى وبعد أكثر من ساعتين وحوالي الساعة 9 و50 دقيقة بالتوقيت المحلي انتهت المجزرة ليصل مجموع القتلى الى 33 بمن فيهم من يعتقد أنه مرتكب المجزرة وما بين 14 و28 جريحا حسب مصادر أخبار مختلفة من بينها إدارة الجامعة. طوال ساعتين من بدء تنفيذ المجزرة وحتى ختامها تدخلت أجهزة أمنية متعددة انطلاقا من شرطة أمن الجامعة ومرورا بشرطة مدينة بلاكسبرغ والولاية وحتى وحدات النخبة التابعة لمكتب التحقيق الفيدرالي. ورغم كل هذه الأجهزة الأمنية الضخمة وكل إمكانياتها لم تستطع أن تحد من فداحة المجزرة بل أكثر من ذلك تبين أن مرتكب القتل الجماعي لم يقتل برصاص الأمن الأمريكي وإنما بسلاحه، مما دفع بعض المعلقين إلى وصف التدخل الأمني بأنه كان مثل عملية استعراضية لتصوير فيلم بوليسي.

بعد مرور أكثر من 24 ساعة على المجزرة استمر الغموض يكتنف دوافع مرتكب الجريمة وهويته الحقيقية وملابسات المجزرة، فباستثناء الإعلان بعد أكثر من 24 ساعة أن القاتل رجل آسيوي الملامح وانه كان طالبا بالجامعة ويقيم بمدينة الطلبة. القوة الأولى في العالم تمكنت فقط وبعد حوالي 36 ساعة من المجزرة من تقديم إيضاحات جديدة. وهكذا ذكرت السلطات الأمريكية أن القاتل هو تشو سيونغ هوي عمره 23 عاما وهو طالب من أصل كوري جنوبي، وحل بالولايات المتحدة مع والديه وعمره ثمان سنوات وحصل أبوه وأمه على الجنسية الأمريكية ويقيم بصورة مشروعة في البلاد، وتمسكت السلطات الأمريكية بالغموض حول جنسية القاتل في حين لمحت صحف محلية إلى أنه لا يحمل الجنسية الأمريكية رغم أن والديه يحملانها ولم تقدم تفسيرا لذلك.

الشرطة ذكرت أن هوي ترك رسالة مطولة قبل أن ينتحر هاجم فيها أبناء الأغنياء والمجون لتبرير ما قام به.

وأفادت محطة “أي بي سي” التلفزيونية بأن سيونغ هوي كتب في رسالته المؤلفة من صفحات عدة والتي وجدت في غرفته “لقد دفعتموني إلى القيام بهذا”، مشيرة إلى أن القاتل هاجم “الدجالين” أيضا في رسالته.

ونقلت صحيفة “شيكاغو تريبيون” عن محققين قولهم إن “القاتل أظهر مؤخرا سلوكا عنيفا وحالة من الشرود”. كما قال المحققون إن تشو سيونغ هوي “لاحق النساء مؤخرا وأشعل النيران في إحدى غرف الحرم الجامعي” ولكنها لم تذكر كيف لم يتابع.

وقد عثرت السلطات الأمريكية على إيصال شراء مسدس من عيار تسعة مليمترات بتاريخ 13 مارس الماضي في حقيبته التي كانت تحتوي أيضا على سكينين ورصاصات.

إذا عدنا إلى الساعات ال 24 بعد المذبحة، نسجل فوضى غير مقبولة في تصريحات وتقديرات مصالح الأمن. فقد أعلن متحدث باسم الشرطة الاتحادية الأمريكية “أف بي آي” أنه لا توجد دلائل على أن الحادث “عمل إرهابي”. إلا أنه أكد أن كل الفرضيات تبقى قائمة خلال التحقيقات التي تجريها حاليا الولاية بدعم من “أف بي آي” فيما وصف بأكثر الحوادث دموية داخل مؤسسة تربوية في تاريخ الولايات المتحدة، في حين أعلن رئيس جامعة فرجينيا للتكنولوجيا تشارلز ستيغر في مؤتمر صحفي أن الجامعة في حالة صدمة ورعب.

الشرطة المحلية قدمت روايتها فذكرت أن منفذ الهجوم كان يحمل مسدسين وقد انتقل بعد نحو ساعتين من عملية القتل الأولى إلى قاعة رئيسية أخرى في مبنى كلية الهندسة، وأطلق زخات الرصاص بداخلها ليقتل نحو 30 قبل أن ينهي حياته.

مجريات المجزرة كشفت أن القوة الأولى في العالم والتي تخوض حروبا في كل أركان الأرض تحت شعار محاربة ما تمسيه الإرهاب والتي تصرف أكثر من 780 مليار دولار سنويا على قواتها المسلحة وأجهزة أمنها واستخباراتها، وقفت عاجزة ومقصرة في مقاومة مذبحة في عقر دارها. الاتهام ليس صادرا من طرف أجنبي بل من داخل الولايات المتحدة نفسها. فقد تحدثت فيه وسائل الإعلام الأمريكية عن وجود تخبط وفوضى في وسط أجهزة التحقيق والأمن مشيرة إلى تقصير كبير من جانب السلطات. وقد ذكر مثلا ان التحذيرات داخل الجامعة انطلقت عبر مكبرات الصوت تعلن حالة الطوارئ وتأمر الطلاب بالبقاء داخل المباني والابتعاد عن النوافذ، في حين تم إغلاق بوابات الحرم الجامعي، وبمعنى آخر فقد أدى هذا الأمر الى ارسال الطلبة الى حيث ينتظرهم القاتل.

وقد انتقد الناجون من حادث إطلاق النار السلطات لأنها انتظرت طويلا لتحذير الناس بأن هناك مسلحا مطلق السراح. في حين تقدم بعض الطلاب وأوليائهم بشكاوى إلى القضاء عن أن الجامعة لم تصدر أية تحذيرات في الفترة بين الحادثين بخلاف رسالة الكترونية بعث بها العاملين بالجامعة.

كما أفادت الأنباء بأن التحذير الذي أطلق بعد الهجوم الأول كان عبر البريد الإلكتروني فقط، وأنه تأخر كثيرا بحيث وصل للطلبة في الوقت الذي كان الرصاص ينهمر داخل قاعة أخرى. وقد أبدى الطلبة غضبهم من تأخر التحذير وعدم إغلاق البوابات الرئيسية منذ البداية وعدم تدخل الشرطة بفعالية رغم وصولها بالعشرات مدججة بالسلاح وأحدث أجهزة الكشف عن تواجد الأشخاص حتى خلف الجدران.

وهاجمت العديد من الأوساط الأمريكية سلطات الأمن مشيرة إلى تقصيرها في كل المجالات فزيادة على العجز في الحد من حجم المذبحة ظلت غامضة او ضائعة في الكشف عن هوية مرتكب المجزرة أو تحديد هوية القتلى وذلك بعد 24 ساعة من الحادث وكأن الجريمة وقعت في ادغال أفريقيا أو في جبال افغانستان ومستنقعات العراق وليس في قلب الجناح الغربي للولايات المتحدة. كما اشارت الى تقصير اجهزة الأمن في الجامعة التي تأسست عام 1872 ويدرس بها زهاء 26 ألف طالب خاصة رغم انها شهدت مؤخرا سجلا من حوادث العنف مثل مقتل حارس ورجل شرطة في أغسطس 2006 أثناء مطاردة سجناء فارين حاولوا الاختباء داخل الجامعة.

كما تعرضت الجامعة مرتين خلال شهر ابريل لإشاعات بوجود قنبلة، أحد هذه التقارير وقع الأسبوع الثاني من ابريل، وقد وصل القلق الى حد دفع إدارة الجامعة الى عرض جائزة قدرها خمسة آلاف دولار لمن يبلغ عن أي معلومات حول تقارير القنبلة.

للرد على هذه الانتقادات ولتهدئة النفوس أعلن حاكم ولاية فرجينيا تيم كاين إن الولاية ستجري تحقيقا مستقلا في طريقة تعامل الشرطة مع حادثي إطلاق النار. وأوضح كاين أنه بناء على طلب من مسؤولي الجامعة فإنه سيعين مسؤولين مستقلين لدراسة كل ملابسات الحادث، بدءا من وجود معلومات عن وجود المسلح، قبل وقوع حادثي إطلاق النار، وحتى طريقة استجابة مسؤولي الجامعة والشرطة مع الحادث.

البعض قال تهكما بعد هذا القرار انه أسلوب تقليدي للفرار من الحقيقة وصياغة المبررات ونسج الأكاذيب، تماما كما يحدث في العديد من لجان التحقيق مثل اغتيال كيندي، وطرحوا أسئلة كثيرة عن عدد الرصاصات التي استخدمت لقتل 33 شخصا وجرح الآخرين وكيف لم يحدد عشرات من رجال الشرطة موقع القاتل إلا بعد أن أكمل جريمته.

أسئلة كثيرة يجب طرحها حول عجز الولايات المتحدة في عقر دارها، في حين انها تكون سباقة وبعد ساعات قليلة من وقوع حادث عنف في بلد اجنبي في تحديد المسؤول او المسؤولين والجهة الآمرة بل وتقدم حصيلة للخسائر تتفوق احيانا في دقتها على ما يصدر من جانب الأجهزة المحلية في الدول المعنية. ورد فعل وتحذيرات الولايات المتحدة في شهر ابريل الحالي على أحداث العنف في المغرب والجزائر مثال على هذا التناقض في الفعل ورد الفعل.

خلال عقدي الستينات والسبعينات وبموازاة مع حرب الفيتنام والحركة المناهضة لها وكإفراز للصراع بين المروجين للحروب الأمريكية وخصومها تصاعدت معدلات العنف الداخلي في الولايات المتحدة الأمريكية وتصاعدت وتيرة الجرائم وثقافة المجازر والقتل المجاني. ظاهرة القتل المجاني تجددت بقوة في الولايات المتحدة منذ بدء المحافظين الجدد سلسلة حروب وتدخلات في العالم بعد هجمات 11 سبتمبر.

 الحادث ألقى كذلك بالضوء مجددا على النداءات المتزايدة لفرض قيود على حمل السلاح الشخصي وهو حق يكفله القانون الأمريكي، وقد تصاعدت هذه النداءات مع ارتفاع مستويات الجريمة خاصة في صفوف الصبية والمراهقين. إلا أن الدعوة لضرورة فرض تراخيص لحمل السلاح تلقى معارضة شديدة من عدد كبير من صناع القرار الأمريكي في مقدمتهم الرئيس جورج بوش ومحافظيه الجدد الذين يريدون أن يحموا تراث العنف الذي بدونه لا يستطيعون شن الحروب العدوانية في الخارج ويغذونها بشباب بلادهم.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

المقاومة تصدى لتوغل الاحتلال في جنين

المقاومة تصدى لتوغل الاحتلال في جنين

جنين- المركز الفلسطيني للإعلامتصدّت المقاومة لقوات الاحتلال الإسرائيلي صباح اليوم الجمعة، بعد اقتحامها جنين وحصارها منزلا في بلدة جبع جنوبًا، شمال...