السبت 04/مايو/2024

تركيا تدخل أهم مرحلة تحول في تاريخها منذ انهيار الخلافة العثمانية

عمر نجيب

شارك يوم السبت 14 ابريل 2007 ما بين 100 الف حسب مصالح الأمن و 300 الف شخص حسب المعارضة في مظاهرة وسط أنقرة قرب ضريح كمال أتاتورك ضد ترشيح رئيس الوزراء التركي الحالي رجب طيب اردوغان لمنصب رئاسة الجمهورية، وبرر قادة المتظاهرين موقفهم بأن تولي اردوغان المعروف بماضيه السياسي الإسلامي الرئاسة سوف يهدد علمانية تركيا التي اعتبرت أساس نظامها بعد هزيمة الخلافة العثمانية في الحرب العالمية الأولى.

المتظاهرون تشكلوا من خليط غير متجانس سياسيا أو اجتماعيا فمن بينهم كان الأكاديميون ورؤساء الجامعات والمنظمات غير الحكومية والاتحادات النقابية والطلاب واعضاء الحركات اليسارية واليمينية بكل اطيافها.

مثلما كانت تشكيلة المتظاهرين ملونة كذلك كانت الشعارات التي رفعوها فإلى جانب شعارات “تركيا علمانية وستظل علمانية”، و “الديمقراطية لا تعني تحمل الرجعية” ندد المتظاهرون بالولايات المتحدة واتهموها بالتعاون مع الإسلاميين ونددوا بالمحافظين الجدد ودعوا تركيا الى التحرر من التبعية للغرب والعودة الى أصالتها. المعلقون أشاروا الى ان تلك الشعارات تشكل دليلا على تخبط رؤيا المعارضة حيث انها طرحت مطالب يجاهد حزب العدالة والتنمية الذي يقوده اردوغان منذ سنوت لتحقيقها، وحاولت عبثا إلصاق تهمة التبعية لواشنطن على أحد أشد التنظيمات السياسية التركية معارضة للمشاريع الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، زيادة على أنهم تناقضوا مع انفسهم في الدفاع عن علمانية الدولة حين طالبوا بالعودة الى الجذور حيث ان تلك الجذور هي تركيا العثمانية.

كما أشار المراقبون أن المظاهرة تعتبر ضعيفة بالمقاييس التركية في بلد يضم أكثر من 70 مليون نسمة، وذكر هؤلاء انه قبل أشهر وبدون تنظيم قوى احتشد ولعدة مرات ما بين 200 الف الى مليون تركي للتنديد بالرسوم المسيئة للرسول او بالحرب الأمريكية ضد العراق او لمساندة الشعب الفلسطيني. وعلى اساس هذه المقارنة لا يكون خصوم اردوغان قد حققوا بحشدهم هذا سوى إبراز مدى تقلص قوتهم خاصة وأنهم استقدموا المتظاهرين من كل أرجاء تركيا بالحافلات والقطارات. 

وقد انتقد اردوغان مثل هذه المظاهرات ولكنه أشار الى إنه سعيد بأن يمارس الناس حقا ديمقراطيا بهذا الشكل، متهما حزب الشعب الجمهوري المعارض بتنظيمها دون أن يكون لها سند حقيقي من جانب الشعب، الا ان زعيم حزب الشعب الجمهوري دينيز بايكال رفض هذه الاتهامات، زاعما أن هذه المظاهرة الحاشدة نظمت برعاية المنظمات غير الحكومية في البلد، كما رفض اتهامات وسائل اعلام محلية بأن الولايات المتحدة ساندت خصوم اردوغان بقوة وقدمت لهم دعما ماليا كبيرا في نطاق برنامجها للدفاع عما تسميه القيم الديمقراطية.

ونقلت وكالة أنباء الأناضول عن اردوغان كذلك قوله “لا نهتم بالرتب والمواقع”، وأضاف “قد يصبح المرء رئيس وزراء أو رئيسا ثم ماذا؟ عندما يموت ينتهي في حفرة بمساحة مترين مربعين”.

أشد ما يخيف من يسمون أنفسهم أنصار العلمانية أنهم سجلوا في الأشهر الأخيرة توجها من طرف المؤسسة العسكرية لعدم معاكسة حزب العدالة والتنمية. وأحد أكبر الأدلة على ذلك عدم إعلان الجيش حامي الجمهورية مرشحه للرئاسة وعدم معارضته على الأقل علنا لترشيح اردوغان. كما سجل أنه خلال شهر ابريل الحالي صرح رئيس أركان الجيش التركي أنه يؤيد القيام بعملية عسكرية ضد المتمردين الأكراد في شمال العراق غير أن الأمر يعتمد على قرار سياسي من جانب الحكومة. هذا التصريح شكل انقلابا في القواعد السياسية التركية المتبعة منذ سنة 1921 حيث تركت المؤسسة العسكرية القرارات الأساسية للسلطة السياسة المنتخبة الممثلة في حزب له جذور وتوجه إسلامي وسطي وديمقراطي.

إذا كان الجيش التركي قد ظل حتى الآن في موقف حياد من المرشح القادم لرئاسة الجمهورية الذي سيبقى في المنصب لمدة عشر سنوات فإن الرئيس الحالي أحمد نجدت سيزر الذي سيغادر منصبه في 16 مايو 2007 اتخذ موقفا مناهضا لأردوغان وقال إن بلاده مهددة وإن الجمهورية “تواجه خطرا غير مسبوق”، على يد قوى خارجية وداخلية تحاول حسب قوله إضعاف النظام العلماني.

وقد رفض وزير الخارجية التركي عبد الله غل تحذير سيزر، قائلا “لا أوافق على هذه الكلمات، بالعكس ليس الأتراك فقط ولكن الأجانب أيضا يثقون في تركيا”، مشيرا إلى الأداء الاقتصادي “القوي” والإصلاحات السياسية.

الذين يستغلون التشدق بالدفاع عن العلمانية لمهاجمة حزب العدالة والتنمية والذين لا تخفى على احد روابطهم الخارجية، يخشون من ان يستمر هذا الحزب في السلطة لخمس سنوات أخرى فيخلط كل أوراقهم ويساهم في إفساد مخططات حلفائهم الأجانب.

لقد وصل حزب أردوغان وهو حزب يمين وسط إلى السلطة فى نوفمبر سنة 2002 لولاية مدتها خمس سنوات. ونجح الحزب خلال فترة حكمه في تحقيق نمو اقتصادى قوى وإصلاحات خاصة بحقوق الإنسان كما بدأ محادثات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.

وكشفت استطلاعات الرأى الحديثة زيادة شعبية حزب العدالة كما أظهرت أنه والحزب الشعبى الجمهورى المعارض هما وحدهما اللذان سيحصلان على أصوات كافية لدخول البرلمان تصل نسبتها إلى عشرة فى المائة.

وفي شهر مارس الماضي أعطى استطلاع رأي الحزب الحاكم نسبة تأييد بلغت 41 فى المائة والحزب الشعبى الجمهورى المعارض 13 فى المائة بينما لم تحصل الأحزاب الأخرى على العشرة فى المائة المطلوبة.

حزب العدالة والتنمية تمكن ان يعطي لأول مرة في تاريخ تركيا حكومة مدنية استطاعت ان تكمل فترة انتدابها كما نجح في ترسيخ مفهوم ابتعاد المؤسسة العسكرية تدريجيا عن التدخل في الشأن السياسي بشكل دكتاتوري حيث أطاحت من قبل بثلاث تجارب حكم لأحزاب كانت ذات توجهات إسلامية، ورغم ذلك فرض الشعب بأسلوب ديمقراطي عودة نفس التوجه بحزب العدالة.

فوز اردوغان بالرئاسة وهو منصب شرفي بالأساس ولكنه ذا بعد سياسي عميق، مضمون اذا قرر أن يتقدم بترشيحه. ويملك الرئيس حق النقض على كل التشريعات كما يعين عددا من المسؤولين الكبار بالسلطة. وإذا وصل أردوغان إلى المنصب، فستضاف إلى الأكثرية النيابية التي يملكها حزبه صلاحيات الرئاسة، ما سيتيح له فرصة تغيير تركيا.

ومن المقرر أن يجتمع حزب أردوغان لتسمية مرشحه بعد يومين فقط من فتح البرلمان الذي يضم 555 مقعد باب الترشيحات التي يستمر تقديمها حتى الـ25 من شهر ابريل، على أن ينتخب الرئيس الشهر المقبل.

ويسيطر حزب العدالة والتنمية على أغلبية المقاعد، مما يعني أن أردوغان يستطيع أن يفوز بسهولة بالمنصب، إذا حصل على أغلبية الثلثين أي 376 صوتا في الجولتين الأوليين، وسيكون الأمر أسهل في الجولة الثالثة لأنه لن يحتاج حينها إلا إلى 276 صوتا.

معركة الرئاسة في تركيا جزء من عملية تحول ضخمة في تركيا سيكون لها تأثيرها على كل المنطقة العربية الإسلامية، وتوجه تركيا الجديد للدفاع عن مصالحها وتاريخها وروابطها الطبيعية وهذه العملية ستتكرس في الانتخابات البرلمانية التي ستجرى فى أكتوبر أو نوفمبر القادمين.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات