السبت 04/مايو/2024

جونستون..سهم الحقيقة

رزق الغرابلي
ويستمر اختطافه..كان ألان جونستون قادرا على أن يمكث هناك في بريطانيا يعمل في وكالة محلية أو في شركة أجنبية، أو أن يتخذ من بيته الآمن مقرا يدع جسمه يأخذ أقساط الراحة، لا يعكر مزاجه أحد، ولا يخدش مشاعره أحد، مكرما بنعم بريطانيا وحريتها وديمقراطيتها، لكن الأمر أكبر من ذلك، والأفق في روح الرجل أبعد وأبعد، فالرجل يحمل بين جنباته معينا من العطاء لم يسمح لنفسه أن يطمسه، أو أن يحجبه عن الأحرار في سبيل راحة الجسم المتهالك بعد حين، فانطلق يحدوه العزم، ليكون شعاعا يضيء على من عاشوا عصورا من الظلمات ولا زالوا. 
 
فاختار بؤرة الصراع فلسطين، واتخذ من نفسه جبلا أو قمرا متى طلع لأهل الغرب كان أمرا جللا قد أراد الإفصاح عنه، فيصدر الإشارات من بين الثكالى والأرامل والقتلى والجرحى على أرض فلسطين، ويطلق النداءات لأهل الغرب المتعامين عن قضيتنا وجراحنا، ويطلق الصرخات من فوق جبله ليسمع شعوبا قد أصمتها أنظمة ادعت إنسانية، وادعت وطنية ليقول لهم: قوموا من سبات عميق قد ألم بكم، وأنقذوا يا أهل الحرية شعبا قد طواه النسيان، أو قد طواه الطغيان، ويصرخ الرجل ويعلو صوته إلى أن بدأ شعاعه يصل لأبصارهم، وصوته لأسماعهم، فأيقنوا أن هذا الرجل في بؤرته تلك ومن على جبله ستعلو يده وسيبطش بسمعتنا إن عاجلا أو آجلا، فكان أن أوحوا إلى أوليائهم هنا ليطمسوا خياله، وليكتموا صوته، وليطفئوا نوره، وبدأ العمل الجاد واختطف ألان جونستون.

الرجل الأمة الذي استطاع أن يوصل صوته من بين الجراح إلى كل البطاح في أرجاء الغرب الأصم الأعمى..خرج من بين أهله وبنيه وشعبه ونعيمه، إلى أرض منكوبة يحيط بها الموت من كل مكان، فقد أدرك معنى انسانيته، وأبى أن تنحدر هذه الإنسانية السامية إلى مراتع الدونية والشهوات غير الآدمية، فانطلق يدوي في آفاق فلسطين أن شعب فلسطين شعب مجروح يحتاج لمن يضمد جراحه، فخاطر بنفسه، وعانى مع أهل غزة الأمرين، ولم يكل ولم يمل لأنه يدرك أنه صاحب رسالة.

في زحمة الفوضى والفلتان، خرج جميع الأجانب من فلسطين، وبقي بجسده وروحه، يعايش الآلام لحظة بلحظة، ويروي الحقيقة دونما تخدير ولا تدوير ولا تحوير، لتصل إلى أولئك الذين أيقن أنهم قد صمموا على أن لا يسمعوا، وصمم هو أن يخترق بصوته آذانهم، ويزيل بنور رسالته الغشاوة عن عيونهم، فكان سهما للحقيقة يصوبه حيث العمى هناك في الغرب، فاستنفر من يكره الحق حلفاءه وأولياءه، ليكسروا هذه الشوكة القليلة أمثالها، ولتسقط هذه الهمة التي سمت أفعالها، وليحطموا جبلا قد علا وارتفع، فاختطف جونستون، فوجب علينا كشرفاء وقد داهمتنا الحيرة في أتون هذه المعركة بين كلمة الحق التي صدع بها جونستون، وبين فضيحة أولئك الذين صوب جونستون سهامه إليهم إلا أن نقول: عذرا ألان، والعبرة في اعتذارنا له ولأهله تكمن في أنه رجل ترك أهله ليصنع من نفسه لسانا ينافح عن الحق والكرامة الفلسطينية، ولأنه انتدب نفسه ليسمع صوت الضعفاء من أهل الأرض إلى أهل الأرض.

إن ( انتفاضة ) ألان جونستون يجب أن تكون، وإن ( الثورة ) على أولئك المندسين لا بد أن تبدأ، وليكن نزولا إلى الشارع بكل معنى الكلمة، ليس انتصارا لشخص ألان، وإنما دفاعا عن رسالة ( الكلمة ) النادرة التي كانت تصل إلى كل الأمم عبر لسان جونستون، إنه يستحق منا انتفاضة تبدأ بكل من قال أنا صحفي، مرورا بكل حر يريد لكلمة الحق أن تعلو، إلى أن تصل بكل إنسان يأبى حياة الخنوع والمذلة.

نعم، عذرا ألان جونستون، وقد عرفنا فيك حبا منقطع النظير لفلسطين ولأهل فلسطين، ويكأنك حصلت على هويتك من باحات وزارة الداخلية الفلسطينية، عذرا إليك وقد تجمعت أشتات المصائب في قلوبنا والتمت بين جوانحنا حين استمر اعتقال لسانك، وحين أصر هؤلاء أن تبقى السلاسل تقيد قلمك.

عذرا إليك يا صاحب الكلمة القوية، والحجة البينة، والحق المبين، وقد عرف الفلسطينيون فيك مهنية عالية سامية، وصدقية في نقل الخبر خالصة، لا تعرف الكذب ولا التدجيل، شعارك: سأقول الحق من بلد الحق إلى أهل الباطل الذين عمت عيونهم وطمسوا بأنفسهم على قلوبهم.

ستبقى يا عزيزي رمزا للكلمة والنخوة، فلم يجبرك أحد على المجيء إلى هنا إلا ما كان فيك من بقية إنسانية وعطاء، وسيبقى خاطفوك رمزا للجبن والعار، إنهم لا يمكن أن يكونوا يحملون جنسية فلسطينية أو حتى عربية، فأرضنا أطهر من احتواء أشكالهم، وقد ضربوا عرض الحائط بكل قيم الشعب الفلسطيني العزيز الشريف وأدبياته، الذي يحترم الضيف العزيز، ويفسح المجال واسعا لأهل الحق والأحرار ممن يستعدون للبذل من أجل هذه الأرض الطاهرة.

عذرا، فالخجل يعتري قلوبنا ودمعة تحرقنا، وقيد يحيط معاصمنا، ولا نملك المستحيل، ولكن عهد أن تكون على رؤوس الأحرار تاج وعلى جبينهم رمز وفي أعناقهم وسام.

وإلى الخاطفين نداء بالإفراج عن الرجل، والتاريخ لن يرحم، وسيكتب من اللعنات مجلدات تبقى تذبح رقابكم إلى الأبد، ولتصلكم رسالتي هذه بعد أن تعلموا أننا قد غسلنا أيدينا منكم ومن أشكالكم سبع مرات أولاهن بالتراب، وأننا قد شهدنا أمام كل حر شريف أننا برءاؤ منكم ومما قد فعلتم إلى يوم القيامة، كفرنا بكم قد بدت البغضاء من أفعالكم وما تخفي صدوركم أكبر…ففعلتكم أكبر من كونها مجرد اعتداء على شخص وحجزه وإيذائه جسديا ونفسيا، إنكم ألقيتم سلاسلكم بكل استهتار حول الكلمة واللسان، وحول القيم والإنسان، فأشهرتم حقدكم لتتحور الجريمة إلى سوط يجلد به الشعب الفلسطيني.

إن اختطاف جونستون أساء إلى سمعة شعب عريق، حافظ على وحدته وأكرم ضيوفه، وجاهد في سبيل وطنه، أحبه العالم، وأحب العالم، لقد أساء هؤلاء الثلة إلى جهادنا وصبرنا وصمودنا، ولفتوا أنظار العالم عنا، حتى تغيرت نظرة البعض إلينا، فقد لوثت هذه الفئة صورتنا، وحطت من احترامنا، وصبغت سبيل جهادنا ونصاعة صفحتنا بالسواد.

إن كل حر شريف يرفض هذا الفعل المشين، ويرفع صوته عاليا بضرورة محاسبة كل من كان له ضلع في هذه القضية وشبيهاتها، فالحق لا بد أن يعلو، والكلمة لا بد أن تبقى رسالتها، والأفواه لن يسمح أن تكمم، ومن هنا نوجه النداء بأعلى صوتنا إلى المسئولين بضرورة التحرك الجدي والعاجل، دون مماطلات ودون مهاترات، لإطلاق سراح ( الكلمة ) وتحرير ( الرسالة ) وإيقاف العابثين بقضيتنا عند حدهم.

كفى، وألف كفى، فقد بلغ السيل الزبى…

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات