عاجل

الأحد 26/مايو/2024

خيارات حماس

جمال أبو عامر

مهما قدمت حماس من تنازلات على الصعيد السياسي ومهما أبدت من مرونة من خلال مواقفها إن كان في حكومة الوحدة الوطنية أو في حكومة حماسية اللون. فلن يقبل العالم الغربي وعلى رأسه أمريكا وإسرائيل وسيستمر الحصار وستستمر المضايقات للحكومة الفلسطينية، إذاً ما المخرج؟ وأقول إن المطلوب من حماس أكثر بكثير مما تعرضه وبالتالي ليس هناك من الخيارات أمام حماس لتستمر في الحكومة، فإما أن تنسلخ حماس من جلدها وتكفر بمبادئها وحتى اسمها وإما أن لا مكان لها في المجتمع الدولي في ظل الظروف الراهنة وفي ظل انقلاب الموازين لصالح معسكر الكفر الأمريكي.

وهذا يجعل حماس حريّة بإعادة النظر في الوضع القائم هل ستستمر في المشاركة الحالية في الحكومة وتستمر الحرب على الشعب الفلسطيني من قبل العالم بأسره أم تعيد النظر في هذه التجربة المؤلمة من تاريخيها. الحق يقال إن حماس عملت كل ما من شأنه أن يساهم في فك الحصار عن الشعب الفلسطيني رغم قساوة الظروف وتآمر المتآمرين وتجرعت ما هو بمنزلة السم من أجل إنجاح مسيرة الحكومة لكي لا تخيب آمال جمهورها من الناخبين الذين عقدوا الآمال على وجودها في السلطة للتخلص من كابوس الفساد المالي والأمني الذي كان يكتم أنفاسهم ورغم كل ذلك لم يقبل من حماس كل ما قدمته. وبالتالي ما هي خيارات حماس في المرحلة وما هي السيناريوهات المتوقعة:

1- الأول: أن تستمر في الوضع الحالي وهذا خيار سيضعها تحت الضغوطات الدولية والعربية لكي تقدم ما هو أشبه بالكفر حسب عقيدة حماس  ومن ثم سيؤدي إلى انفضاض الكثير من أبناء الحركة الغيورين عليها، وفي اعتقادي أن الحركة لن تسمح بحدوث أمر من هذا القبيل ولو كلفها ذلك الخروج تمامـًا من الحكومة أو حتى من البرلمان .

وأيضـًا هناك من سيكون فرحا في حال فشلت الحكومة الحالية “حكومة الوحدة الوطنية” ومن ثم يعيد تشكيل الساحة الفلسطينية بالطريقة التي تخدم (مصالحه الشخصية) بالدرجة الأولى وبدرجة أقل (الحزبية)، وهذا الأمر يتطلب العودة إلى معزوفة الانتخابات المبكرة والتي ستكون بمثابة انقلاب على اتفاق مكة وملحقاته، وسيعيد إلى الأذهان مسرحية التحكيم الذي جرى بين أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص في عهد الفتنة التاريخية المشهورة طبعـًا مع اختلاف الشخوص والمسميات في الحادثين فبعدما قبلت حماس مبدأ إقالة الحكومة الحماسية وتشكيل حكومة وحدة وطنية أصبح الآن بمقدور الطرف الآخر حسب اعتقاده و بعد بضعة شهور ريثما يتكرس فشل الحكومة الحالية بسبب استمرار الحصار الاقتصادي والسياسي وإن بدرجة أقل لينقض على الحكومة وحلها والدعوة للانتخابات والتي ستكون بمثابة مغامرة كبيرة غير محسوبة العواقب ولن يكون بمقدورهم تصور سيناريو تسلسل الأحداث، ومدى خطورته وإنهم بمثابة من يدخل في مقامرة على حساب أمنه وأمن المواطن الفلسطيني لا وبل سيفجر الأحداث بشكل يصعب لملمته وهذا هو الجنون بعينه.

ولكن البعض لا يهمه ذلك كثيرًا ما دام سيدير الأحداث من خارج أسوار غزة أو من داخل حصون محصنة أعدت سابقـًا لمهام من هذا القبيل ويكون الوقود هم الشباب المسكين الذي يقع ضحية أطماعهم وشهواتهم في السلطة والرئاسة.

2- الثاني: وهذا الخيار كان ينبغي أن تعمل به حماس قبل الشروع في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية ألا وهو تشكيل حكومة تكنوقراط “حكومة كفاءات” وكان يمكن أن يكون هو الخيار الأمثل فتترك حماس الحكومة والاكتفاء بمراقبة أداء الحكومة من خلال المجلس التشريعي وحيث أنها تملك الأغلبية فستحاول أي حكومة من هذا القبيل طلب ود حماس أو الانصياع لرغباتها وعدم الاصطدام معها وكان من الممكن أن تحافظ حماس على قوة تماسك قاعدتها وقيادتها بشكل قوي ومؤثر.

3- الثالث: هو خروج حماس من الحكومة ومن الحياة البرلمانية  وهذا الرأي له وعليه. ففي الوقت الذي يمكن أن يجنب الحركة التعاطي مع مبادرات السلام القائمة على الاعتراف بإسرائيل. ويعيدها إلى خندق المقاومة بكل تبعاته، وهذا الخيار يمكن أن يترتب عليه عدة أمور.

أ- أن تقوم إسرائيل بعمليات تصفية لقيادة الحركة العسكرية والسياسية.

ب- يخرج حماس من اللعبة السياسية على المستوى الإقليمي والدولي وهذا الأمر في الوقت الذي سيعتبره البعض أمرًا سلبيـًا. سيعتبره فريق آخر أمرًا إيجابيـًا وهذا الفريق هو ذاته المؤمن بالمقاومة المسلحة ولا يقبل بالحوار والمفاوضات طريقـًا للحل.

ج- على المدى القريب سيفقد حماس جزءًا من شعبيتها في الشارع الفلسطيني لكن هذا الأمر سرعان ما يعود إلى سابق عهده من التفاف جماهيري واسع.

ء- هذا الأمر سيدفع بالعديد من الأطراف الإقليمية والدولية لمحاولة استرضاء حماس وسيحاولون طلب ودها لما يعلمون من إمكانيات حماس الضخمة في مجال المقاومة وقدرتها على قلب الطاولة على رؤوس الجميع وهنا تستطيع حماس أن تضع شروطها الخاصة لشكل مشاركتها في العملية السياسية على الساحة الفلسطينية ويمكن ذلك بدون حتى تنازلات كالتي أعطتها في وثيقة الوفاق الوطني واتفاق مكة.

ه- وإن كنت أحبذ هذا الخيار لما له من دلالات تترك أثارًا إيجابية على مكانة حماس محليـًا ودوليـًا كإحدى الحركات الإسلامية الرائدة ، وليس بالضرورة في حال أخذت حماس بهذا الخيار أن تشتعل الساحة عسكريـًا فلا مانع في اعتقادي أن تلزم الحركة نفسها بتهدئة تمنح المواطن الفلسطيني الفرصة لالتقاط الأنفاس استعدادًا لجولة جديدة إن لم تكن جولات من القتال والمقاومة. والذي سيعيد الملف الفلسطيني إلى الساحة الدولية والإقليمية كأحد الملفات الأكثر سخونة.

4- رابعـًا: أن تبقى حماس في هذا الحكومة وأن تستجيب لكل الشروط المطلوبة منها على أن تقوم حماس بفصل مساري الحكومة والحركة وتكرس مبدأ أن تكون الحكومة تقع تحت ضغوط خارجية وداخلية تجعلها تنصاع لها بعد أن تخلى القريب والبعيد عنها وتركهم يلقون مصيرهم كمن يدع سفينة في البحر بلا وقود ولا طعام تتقاذفها الأمواج يمين وشمال ويطلب منهم أن يتدبروا أمرهم.

لعمرك إنه لمن المستحيل استمرار المسير في هكذا طريق، وعلى الحركة توضيح موقفها بشكل تام وأن تستمر في التمسك بموقفها ومبادئها مع ترك مساحة للعمل السياسي لا يتجاوز إعطاء هدنة أو تهدئة شرط التزام الطرف الآخر بها  “أعني إسرائيل” في الوقت الذي تستغل الحركة هذا الأمر لصالح زيادة الاهتمام بالبناء الداخلي و زيادة قوتها في مختلف المجالات .

ختامـًا أعرف أن هذه الخيارات الأربع ليست سهلة بالدرجة التي يسهل على حماس تقبلها دون إحداث جدل داخلي يكون نتاجه التوصل إلى مخرج مشرف للحركة تحافظ فيه على ثوابتها وانجازاتها في الحكومة والمقاومة .

وهو أمر هو أقرب إلى الجمع بين متناقضين لكن يمكننا القول إن للضرورة أحكامـًا. 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات