ذكرى مجزرة دير ياسين

هناك من المدن لا تسقط ابدا وحالها المدن الفلسطينية من غزة الى حيفا ويافا ، وهناك من الأحداث ما لا تسقط من الذاكرة على ثقلها ، ولا يجوز دينيا ولا وطنيا ولا أخلاقيا إسقاطها بأي حال ،ومنها مجزرة دير ياسين ،والمجازر التي ارتكبها الصهاينة والتي فاضت عن عدد أيام الاحتلال ، ليس فقط لجراحها التي ما زالت نازفة ، وإنما لكونها الأساس لبناء وعي تام بهذا الكيان الغاصب ، والأساس لقيام استراتيجية فلسطينية وعربية لتتعامل مع هذا الاحتلال ، استراتيجية تأخذ في حسبانها طبيعة هذا الاحتلال والتي لم تتغير منذ أن سال لعاب الصهيوني للسيطرة على هذه الأرض المقدسة .

مجزرة دير ياسين والتي حدثت في 9/4/1948وطالت مئتين وخمسين فلسطينيا من الأطفال والنساء والشيوخ تمر ذكرى هذه المجزرة هذا العام والعالم المتحضر يطلب ويصر على اخوة الضحايا المشتتين في ارجاء الارض الاجتماع لغسل يدي الجلاد مما علق بها من دماء اخوتهم وبني عمومته ، فالمجازر طالت حتى المحيط من مجزرة بحر البقر الى مجزرة قانا الى المجزرة التي كشف عنها الفيلم (( روح شاكيد)) بحق الاسرى المصريين ، والذي لم يكتف المستوى الرسمي المصري بالصمت اتجاهه، بل كان مادة للاستهزاء بالوعي الشعبي العربي، فكانت كلمة فيلم سبيل هذا الاستهزاء ، المطلوب الاعتذار الجماعي عن تعب الجلاد في اجهازه على هذه الضحايا ، فحتى اجماعنا او اجتماعنا أو ظهورنا على المسرح السياسي غير مسموح به الا لخدمة الاحتلال !!

تأتي هذه الذكرى لتكون الفاضحة لوجه هذا الكيان ،الذي وظفت له الادارات الامريكية المتعاقبة كل الخبرات لطلائه بمختلف المساحيق التجميلية، وهو توظيف تربع معه بوش بما قدم لهذا الكيان من دعم غير مسبوق على قمة الظلم العالمي ،وبقدر ما في العرش العالمي من رحبة ،بقدر ما حشرت الافعال الصهيونية بوش الذي انحاز بالمطلق لهذا الكيان في أضيق الزوايا حتى غدا مدعاة لسخرية شعوب الارض قاطبة،وحشرت امريكا في اوحال حروب دفع معها الامريكي من المال والدماء ومن حريته وسمعته الدولية ما يكفي لأن تجعل من السياسة الامريكية رائدة وليست قائدة بالدماء والحمم الفولاذية .

بدأت نكبتنا ونكبة العالم أجمع بهذه الشرذمة منذ أن انحاز لهم ( إلههم ) وجعلهم أبناءه ، ومنذ أن تلاعبوا بهذه لتتراوح بين الالوهية وبين فرد ينمو ويترعرع بينهم ،كي لا يتمرد هذا الاله على الحلب الدائم تحت قانون المقايضة الربوية التي أصبحت فيما بعد استراتيجية حياة لما حققوه من فائدة ، جعلوه إلها لمنحهم صكوك غفران لكل ما سيقترفونه من آثام ، فجعل منهم جيش دفاع ، ومع الالوهية ألبسوه بزة عسكرية ،وخوذة حربية ،حشروه في الخنادق ينطلق لبناء دولة ، فأرضعوه دما ء،وفطموه على أشلاء الاغيار، الذين ما كان لهذا الله ان يخلقهم الا لخدمة أبنائه ،ومن شذ عن هذه المهمة فالسيف له بالمرصاد يباركه الإله ، معادلة يصعب على العقل السوي الاحاطة بها !!

لقد شكلت مذبحة دير ياسين بداية انطلاقة التطهير العرقي الذي كان سبيل الصهاينة في إقامة كيانهم الغاصب ، إبادة على كافة المستويات جسدية وثقافية تم معها محو ما يربو على الخمسمائة وثلاثين قرية فلسطينية عن بكرة أبيها ، ،تطهير أصبح بمشاركة دولية فعلية ،فعندما وقف المجتمع الدولي عاجزا بوجه العصابات و تبجح مناحيم بيغن الذي وصف المجزرة (السكين الذي تقطع الدهن) يكون مشاركا فيها ، وعندما يحاصر الفلسطيني من قبل المجتمع الدولي لانتزاع اعترافا منه بحق جلاده يصبح الحصار مشاركة في هذه السياسة ، وعندما تقف الدول التي تدعي انها متحضرة بوجه الفارين من هذه المذبحة وغيرها من المذابح الصهيونية لمنعهم حقهم بالعودة الى ديارهم التي هجروا منها عنوة تصبح مشاركة فعليا في التطهير ، وعندما تستخدم امريكا الفيتو لمنع إدانة الكيان الصهيوني على مذابحه المستمرة وفيتو مذبحة مخيم جنين رمزا فهي مشاركة فعليا في هذا التطهير .

غياب العدالة الدولية على يد الولايات المتحدة التي وقفت موقف العداء من كافة حقوقنا الوطنية جعل قادة جرائم الحرب ضد الإنسانية تتقلد ارفع المناصب السياسة وحظي بتمثيل في أروقة مؤسسات دولية .

مع ذكرى دير ياسين ،وما تمثل من ذكرى لكل المجازر التي اقترفها الصهاينة طوال وجودهم على ارض الفلسطينية، لا بد وان تكون دافعاً لتمسك القيادة الفلسطينية بحق العودة وما ترتب على تشريد الشعب الفلسطيني من حقوق ، ولا بد لمؤسسات حقوق الإنسان القيام بالواجب الملقاة على عاتقها تجاه قضية اللاجئين في كافة المنابر الدولية والإعلامية ، ولا بد من إبقاء جذوة الذكرى مشتعلة في الأوساط الرسمية والشعبية لحين أن تتحرر العدالة الدولية من قبضة الأمريكي وتقديم هذا الكيان للعدالة، فمثل الحقوق الفلسطينية لا تسقط بالتقادم .