الإثنين 06/مايو/2024

قوى التحرير في فلسطين والعراق ولبنان لا تخضع للمساومات

عمر نجيب

شكلت زيارة نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الامريكي يوم الاربعاء 4 ابريل ومحادثاتها مع الرئيس السوري بشار الاسد، نكسة سياسية جديدة للرئيس الأمريكي بوش وطاقمه من المحافظين الجدد الذين يرفضون مطالب الحزب الديمقراطي لإدخال تعديلات كثيرة على سياستهم الخارجية خاصة في منطقة الشرق الوسط لإنقاذ الولايات المتحدة من جزء من الأضرار المترتبة على انهيار مخططاتهم في العراق.

بوش حاول قبل اسابيع اقناع بيلوسي وهي ثالث شخص من حيث الترتيب والأهمية سياسيا في الولايات المتحدة بعد الرئيس ونائبه تشيني، بعدم زيارة دمشق ولما فشل روج ان عليها عندما تصل الى العاصمة السورية ان تنقل رسالة شديدة اللهجة تبلغ فيها السوريين ان عليهم ان يساعدوا واشنطن في دحر وحصار المقاومة العراقية وأن يتوقفوا عن دعم حركة حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني وان يفضوا تحالفهم مع طهران.

الخلاف بين الجمهوريين الذين يتحكم فيهم منذ سنوات تيار المحافظين الجدد والديمقراطيين الذين يقودهم الليبراليون ليس مواجهة كما قد يتصور البعض بين صقور وحمائم وإنما بين تيار يريد بناء الإمبراطورية الأمريكية العالمية حتى وإن كانت الضريبة التي يجب دفعها عالية اقتصاديا وبشريا، وتيار يتشوق الى الإمبراطورية العالمية ولكنه ليس مستعدا لتكبد خسائر كبيرة وركوب قطار مقامرة خطرة قد تجعل حلم الهيمنة الأمريكية ذكرى باهتة في كتب التاريخ، وتحول الولايات المتحدة الى دولة من الدرجة الثانية على الصعيد الدولي كما حصل للإمبراطورية البريطانية التي كانت تتفاخر بأن الشمس لا تغرب عن ربوعها. وفي هذا الإطار تمت مصادقة الكونغريس على مشروع سحب القوات الأمريكية من العراق.

هكذا فإن بيلوسي زارت دمشق وفي جعبتها اقتراح حلول وسط للخلاف مع دمشق حول إرساء الاستقرار بالعراق ووقف دعم خصوم واشنطن في الشرق الأوسط، مع العلم أن هؤلاء الخصوم هم كذلك أعداء إسرائيل.

وقد حرصت بيلوسي على تسجيل هذه النقطة لإرضاء اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة حين قالت بعد اجتماعها مع الرئيس الأسد “اجتماعنا مع الرئيس مكننا من نقل رسالة من رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت تفيد ان اسرائيل مستعدة لاجراء محادثات سلام.”

غضب بوش من الزيارة كان شديدا وقال انها تشكل “رسائل متناقضة” تنسف جهود عزل الرئيس السوري بشار الاسد، واضاف ان هذه الزيارات “توحي للمسؤولين الحكوميين السوريين بأنهم جزء من المجتمع الدولي في حين ان دولتهم تساند الارهاب”، واوضح “ذهب الكثيرون لرؤية الرئيس الاسد بعضهم امريكيون لكن الكثير منهم قادة اوروبيون ومسؤولون كبار. ومع ذلك لم نر اي شيء من حيث الافعال”. وبخصوص الملف العراقي حاول الرئيس الامريكي اللعب على وتر العواطف وإدانة مواقف الديمقراطيين في الكونغريس، فقال ان العسكريين وذويهم هم الذين سيدفعون ثمن استمرار وقف تمويل الحرب في العراق وافغانستان، ان “المسؤولية الاساسية للكونغرس هي اعطاء العسكريين ما يحتاجونه من عتاد وتدريب لمحاربة اعدائنا وحماية البلاد”. واضاف “لكنهم يتملصون من هذه المسؤولية واذا لم يغيروا سلوكهم هذا في الاسابيع القادمة فان ثمن هذا الفشل سيدفعه جنودنا واحباؤهم”.

وقد ردت بيلوسي وأكدت انها “لا تملك اوهاما ولكن امالا كبيرة” وأضافت لكنها فرصة جيدة لجمع الحقائق وبناء الثقة، في حين تكفلت صحف أمريكية برد أكثر عنفا وتعميما على هجمات بوش على خصوم الحرب. وهكذا كتبت صحيفة نيويورك تايمز في افتتاحيتها إن بوش ومستشاريه أطلقوا عدة اتهامات سخيفة ضد منتقدي الحرب في العراق تنطوي على أنهم غير وطنيين ويريدون أن ينتصر الإرهابيون ولا يدعمون الجنود وغيرها. ولكن هذه الاتهامات لا تبدو بسخافة التهمة الأخيرة التي تفيد بأن منتقدي الحرب الذين يخدم أبناؤهم في العراق لا يستطيعون تمييز الحقيقة بسبب عاطفتهم الجياشة. وأشارت الصحيفة إلى أن الهدف المباشر لهذه الاتهامات كان يستهدف ماثيو داود رئيس حملته الرئاسية عام 2004 الذي تحرر من معتقدات بوش حول الحرب، ولكن انتقادات الرئيس أيضا امتدت لتطال مئات الآلاف من الأمريكيين الذين يخدم أبناؤهم وبناتهم وأخواتهم في العراق. واختتمت بالقول إن داود أظهر انفتاحا واستعدادا للتكيف مع الواقع الذي يفتقد إليه الرئيس الأمريكي.

دمشق وجدت في الزيارة ضربة لحملة إدارة بوش لعزلها وتعميق قانون محاسبة سوريا الذي كان الكونغريس قد تبناه قبل أشهر طويلة.

كما قدرت السلطات السورية أن الزيارة تشكل اعادة لتسليط الأضواء على توصيات مجموعة دراسة العراق التي تشكلت من أعضاء بالحزبين الجمهوري والديمقراطي برئاسة بيكر وهاملتون وأوصت ادارة بوش بتكثيف جهود دبلوماسية تشمل سوريا وايران للمساعدة في تهدئة العنف في العراق، وهو الأمر الذي رفضه المحافظون الجدد.

وتعد هذه الزيارة الأولى على هذا المستوى من سياسي أمريكي رفيع إلى العاصمة السورية منذ زيارة وزير الخارجية السابق كولن باول عام 2003 الذي كان هدفه حينئذ تأمين الحدود السورية العراقية وضمان أفضل الفرص لنجاح غزو العراق الذي بدأ في 20 مارس من نفس السنة.

وقال مسؤولون سوريون ان دمشق تريد مساعدة واشنطن على القيام “بانسحاب مشرف” من العراق غير أنه يتعين على الولايات المتحدة في المقابل الضغط على اسرائيل للانسحاب من هضبة الجولان التي احتلتها اسرائيل في حرب عام 1967. وذكرت صحيفة تشرين الحكومية “بكل واقعية.. نعترف بأن زيارة بيلوسي على أهميتها لن تكون قادرة على ازالة جميع العقبات التي تعترض سبيل اعادة العلاقات السورية الامريكية الى طبيعتها… الا أننا نؤمن بأن الحوار الذي تجريه في دمشق على جانب كبير من الاهمية.” واضافت “واذا كانت تريد دورا سوريا في العراق فاننا كعرب أولا وسوريين ثانيا الاكثر حرصا على أمن واستقرار ووحدة العراق لاننا ببساطة أول متضررين من الفوضى والعنف والارهاب وعدم الاستقرار في هذا البلد.. والموقف السوري ينسجم مع موقف بيلوسي الرافض للحرب على العراقي.”

وكانت الصحيفة تشير الى مليون و 200 الف لاجيء عراقي فروا الى سوريا منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق قبل نحو أربع سنوات.

دمشق حرصت على ابراز دورها المؤثر في الساحة الشرق أوسطية تزامنا مع زيارة بيلوسي حيث اعلن وزير الخارجية السوري وليد المعلم لصحيفة “الانباء” الكويتية ان دمشق تقوم بوساطة بين ايران وبريطانيا من اجل التوصل الى حل سلمي لقضية جنود البحرية البريطانية الـ15 المعتقلين في الجمهورية الإيرانية. وقال المعلم للصحيفة في عددها ليوم الاربعاء “ما نأمله هو التوصل الى تسوية مرضية تؤدي الى حل ازمة الجنود البريطانيين الاسرى في ايران”. واضاف ان “هذا الحل يحتاج الى دبلوماسية هادئة وسوريا تبذل حاليا مثل هذه الدبلوماسية الهادئة بين الدولتين”. وفي نفس اليوم الذي تم فيه نشر تصريح المعلم أفرجت طهران عن الجنود البريطانيين.

بعيدا عن خطط وتطلعات المحافظين الجدد ومنافسيهم في الحزب الديمقراطي الأمريكي، ومساوماتهم سواء مع سوريا أو ايران وغيرهما، هناك معطيات وحقائق ومسلمات ثابتة لن يستطيع خصوم الأمة العربية تغييرها.

 التحالف الصهيوأمريكي خسر الحرب في العراق، خسر حربا خاضها أساسا ضد المقاومة العراقية التي لا تحصل تقريبا على أي دعم من الخارج ولا يلعب المتطوعون العرب حتى حسب التقارير العسكرية الأمريكية أكثر من نسبة 2 في المائة من عملياتها. خسر التحالف الصهيوأمريكي حرب مقاومة خطط لها مسبقا من طرف العراقيين قبل سقوط بغداد في 9 ابريل 2003 ولم ينفعه تهربه من الإعتراف بذلك في تبديل الواقع. القضية المطروحة الأن هي هل تتفاوض الولايات المتحدة مع المقاومة العراقية لتنظيم انسحاب قواتها وإعادة الحكم الشرعي الى بغداد، أم ستواصل واشنطن المناورة والتخبط في البحث عن حلول عسكرية والزج بالمزيد من الجنود في الحرب واللعب على أكاذيب تضخيم دور القاعدة وغيرها من التنظيمات الهامشية في حركة المقاومة العراقية أو الرهان على تقسيم المقاومة والعمل على جر بعض فصائلها الى فخ الحل السياسي الذي رسمه الإحتلال، وفي هذه الحالة ستطول الحرب أكثر ولكن ستكون الهزيمة مدوية وستفوق اسقاطاتها تلك التي تولدت عن هزيمتها في الفيتنام سنة 1975.

الواقع الآخر هو ان الشعب الفلسطيني مستمر في كفاحه وقد اختار حماس لقيادته وهذه الحركة ظلت وتظل ثابتة على مبادئها وخياراتها في الدفاع عن الثوابت الوطنية ولم يفلح العدو الصهيوني ولا كل حلفائه الغربيين في ثني حماس عن التمسك بحقوق الشعب الفلسطيني سواء بإتباع اساليب الإغتيالات والتقتيل أو التجويع والحصار وحجب الأموال. وكما اجبر الاحتلال على الانسحاب من غزة سيجبر من طرف المقاومة المسلحة على الانسحاب من مناطق أخرى تدريجيا وسيسير الشعب الفلسطيني خطوة خطوة على درب التحرير ونحو الأهداف الأسمى.

بلبنان اثبتت قوى القوى الوطنية بقيادة حزب الله، قدرتها على مواجهة كل التحديات فحررت الجنوب اللبناني في مايو 2000 بعد احتلال دام أكثر من 18 سنة وأجبرت الجيش الصهيوني على الانسحاب ذليلا تحت جنح الظلام. ولاحقا فرضت هذه المقاومة على الاحتلال وضع توازن الردع ثم كبدته في حرب ال 34 يوما صيف سنة 2006 هزيمة قاسية عندما حاول أن يبدل قواعد التوازن ويعيد لبنان الى صف القوى العاجزة عن مواجهته.

ساسة واشنطن أيا كانوا يجب أن يدركوا أن زمن فرض وصايتهم على المنطقة العربية قد ولى وإنهم إن نجحوا في أحد ساحات المواجهة فذلك حدث مؤقت سيزول لأن القوى الحية والمخلصة في الأمة مصممة على استعادة حقوقها وصيانة مقدساتها الوطنية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات