الأحد 02/يونيو/2024

قمة الرياض: مهمة إلغاء الاستباحة الخارجية للقرار السياسي العربي

قمة الرياض: مهمة إلغاء الاستباحة الخارجية للقرار السياسي العربي

صحيفة الشرق الأوسط

اعتدنا أن يكون انعقاد القمة العربية مناسبة لحل المشكلات. وانطلاقاً من هذه القاعدة، كان المواطن العربي يتابعها باهتمام وقلق. يرتاح قليلاً أو كثيراً عند سماع النتائج. أو يقلق قليلاً أو كثيراً عندما يرى أن الخلافات سيطرت على الأجواء. لكن القمة العربية الأخيرة في الرياض، كانت من نوع مختلف. تابعها المواطن العربي بقلق أشد من السابق، وزاد قلقه إلى حدّ كبير عند انعقادها، ولم تتبدد مخاوفه بعد ظهور نتائجها، ولهذا كله أسباب عديدة. أول هذه الأسباب وأبرزها، أن المواطن العربي يعرف المشاكل القائمة ويستطيع أن يعددها.

يعرف مشكلة فلسطين، ومشكلة لبنان، ومشكلة العراق، ومشكلة السودان، ومشكلة الصومال، ومشكلة إيران. يعرفها كلها كمشاكل منفردة. مشكلة هنا ومشكلة هناك. لكن القمة العربية جمعت هذه المشاكل في قائمة واحدة، واستطاع المواطن العربي أن يلقي على هذه المشاكل نظرة مكثفة، نظرة جامعة، وقاده ذلك إلى أن يستشعر فداحة ما نحن فيه أكثر من أية لحظة سابقة. وهنا منشأ السؤال المقلق: هل يمكن حل هذه المشاكل في لقاء واحد؟. وكان السؤال بطبيعته يحمل جواباً سلبياً، زاد من قلق المواطن وخوفه. وكان السؤال كبيراً بحيث أن المواطن العربي استشعر فداحة الخطر، ولم يعد منشغلاً كعادته بتوجيه اللوم إلى هذا الزعيم أو ذاك، إذ أدرك أن الزعماء أنفسهم كانوا غارقين معه في الدوامة نفسها. ولاحظ المواطن العربي، أن هذه القمة لم تكن قمة عربية صافية.

لقد شاركت فيها الولايات المتحدة الأميركية عبر جولة كوندوليزا رايس، وشاركت فيها “إسرائيل” عبر موقفها من المبادرة العربية. وشاركت فيها الأمم المتحدة عبر أمينها العام، وشارك فيها الاتحاد الأوروبي، كما شاركت فيها روسيا وتركيا. الكل جاء ليلقي نظرة على القمة العربية، مدركاً أن سياسات العالم تكاد تتجمع في هذه المنطقة التي تشهد حروباً متوالية تأتي من الخارج، في العراق وفي لبنان. وهي تعيش على وقع حرب جديدة محتملة في إيران. وضاعف هذا كله من أجواء القلق. فإذا كانت القمة تنعقد لمعالجة مشكلات قائمة، فهل ستكون مهيأة لمعالجة مشكلات يكاد يجزم الجميع بأنها قادمة؟ وسط هذا كله، كان المواطن العربي يلحظ رجلاً واحداً، يتحرك بعباءته بين الوفود، هو الملك عبد الله بن عبد العزيز. يستقبل هذا، ويختلي مع ذاك. وكان المواطن العربي يتساءل: كيف سيستطيع هذا الرجل أن يتعامل مع هذه المشكلات كلها؟ وحين ندقق في الكلام الكثير الذي قيل، نستطيع أن نلحظ كلمتين وحيدتين، شكلتا ما يمكن اعتباره مفتاح البحث والحل: الكلمة الأولى هي الوفاق. الوفاق الذي يضع القمة العربية في سياق الإسهام في إيجاد الحل، بينما يؤدي غياب الوفاق إلى أن يبقى العرب جزءاً أساسياً من المشكلة. الكلمة الثانية هي ضرورة الإقرار بأن القرار السياسي العربي مستباح من الخارج، وأن مهمة القمة الأساسية هي استعادة امتلاك هذا القرار.

ومن خلال هاتين الكلمتين، كان الملك عبد الله يتجول بعباءته بين الوفود. باحثاً عن صيغة تضع القمة العربية في قالب هاتين الكلمتين. وباحثاً عن رجال يساعدونه في نقل هاتين الكلمتين إلى حيّز التطبيق. لقد كانت المشكلات العربية الكثيرة مثل صندوق مغلق، وكان الملك عبد الله يبحث عن مفتاح لذلك الصندوق، عبر هاتين الكلمتين. أحياناً كان يرى المفتاح في أيدي ضيوفه من الزعماء العرب، ويحضهم على الإمساك به واستخدامه. وأحياناً كان يرى المفتاح وقد انتقل إلى أيدٍ غير عربية، فيحض ضيوفه وزملاءه على ضرورة استعادته، بينما يتفنن بعض هؤلاء الضيوف في إخفاء المفتاح عن جميع العيون. وقد أشار الملك عبد الله إلى هاتين الكلمتين بوضوح، ومن خلال كلمة الافتتاح التي ألقاها. أشار إلى كلمة الوفاق حين قال: إن التضامن العربي الآن هو أضعف بكثير مما كان الحال عليه عند إنشاء الجامعة العربية.

وأشار إلى استباحة الخارج للقرار السياسي العربي حين قال: إن احتلال العراق أمر غير شرعي. وبسبب هاتين الكلمتين اللتين سرتا في نسيج المؤتمر وأعماله، فإن هذه القمة لن تقيّم حسب نصوص قراراتها، إنما ستقيّم بالجهد الذي سيليها، ومن أجل بلورة تضامن عربي ينتزع القرار السياسي من القوى الخارجية ويعيده إلى أيد عربية، شرط أن تكون هذه الأيدي العربية جديرة به. وهذا الجهد الذي سيلي القمة سيكون عملها الأساسي، وهو عمل يتحمل مسؤوليته الجميع، بعد أن جمعهم الملك عبد الله، ووضعهم وجهاً لوجه أمام مرآة واقعهم. ولا بد أن نشير في هذا السياق، إلى أن القمة العربية تعرضت إلى تحدّيين أساسيين سعيا بدأب إلى تبهيت مضمونها. التحدي الأول مثلته السيدة كوندوليزا رايس، التي تعمل في إخراج مسرحية إلهاء ضخمة، تريد أن تنقل القضية الفلسطينية، من لقاء إلى لقاء، ومن اجتماع إلى اجتماع، ومن جلسة إلى جلسة، ثم تقول لنا بعد ذلك، إن هذه دبلوماسية أميركية نشطة، من أجل وضع شعار الدولتين موضع التطبيق.

لقد أصبحت لعبة رايس مكشوفة وممجوجة، وأصبحت طريقة انحيازها لوجهة النظر الإسرائيلية، دبلوماسية غبية لا تليق بدولة عظمى. ذلك أن أفكارها الكبيرة وشعاراتها التي تتحدث عن «أفق سياسي»، تتلاشى كلها في اللحظة التي يقول لها إيهود أولمرت إنه ضعيف إلى حدّ لا يستطيع فيه أن يعمل شيئاً، وهنا تقوم رايس باحتضانه والتربيت على كتفه، ثم تعده بترتيب لقاء عربي – دولي يضم عشر دول دفعة واحدة، من أجل إنقاذه من ورطته. التحدي الثاني مثلته “إسرائيل” نفسها عبر طريقة تعاملها مع مبادرة السلام العربية. فهي ترفضها حيناً، وتقبلها حيناً، وتطلب تغييرها حيناً آخر. وهي تطلب ببساطة، إلغاء البنود الثلاثة التي تتكون منها المبادرة العربية واستبدالها بثلاثة بنود إسرائيلية (الحدود والمستوطنات والقدس واللاجئين)، ولا أحد يدري إذا كانت هذه المطالب تعبّر عن الغباء أو عن الوقاحة. لكنها بالتأكيد تعبّر عن شيء واحد، هو رفض “إسرائيل” لتحقيق سلام مع العرب.

وفي عمق هذا الرفض، أن ل”إسرائيل” وظيفة أميركية أساسها أن تبقى “إسرائيل” عنصر تهديد للوضع العربي، ولا يمكن ممارسة التهديد في ظل اتفاق سلام مع العرب. والطريف في الأمر، أن “إسرائيل” ترفض القيام بأي مبادرة فعلية بحجة أنها حكومة ضعيفة، وهي تتهيأ انطلاقاً من ضغطها هذا لتلعب دوراً عسكرياً عدوانياً كبيراً. إن ضعف حكومة أولمرت يطرح على “إسرائيل” مهمة أساسية تستدعي تحقيق مصالحة بين الإسرائيليين أنفسهم. وعند الغوص في مشكلات هذه المصالحة الإسرائيلية، ستهون كثيراً مشكلات المصالحة العربية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات