الخميس 09/مايو/2024

لندافع عن مرمانا في قمة الرياض

لندافع عن مرمانا في قمة الرياض

صحيفة الشرق القطرية

لا توحي بالاطمئنان تلك التحركات التي سبقت انعقاد قمة الرياض، من الزيارات المتكررة للمنطقة التي قامت بها السيدة رايس، إلى الحفاوة المفاجئة في واشنطون وتل أبيب بمبادرة القمة العربية التي أطلقت قبل خمس سنوات.

(1)

خلال أسابيع قليلة انتقلت المنطقة من الساخن إلى البارد. جرى التسخين مع شيوع أنباء توجيه الضربة العسكرية لإيران، من خلال الإعلان عن توجيه حاملات الطائرات صوب الخليج، وتسريب أخبار عن خطط لتحريك القوات وقصف المنشآت بالقنابل الذكية. وتزامن ذلك مع تأجيج العلاقة بين السنة والشيعة، وتفجير العلاقة بين حركتي فتح وحماس وإشاعة الفوضى في قطاع غزه. لكن ذلك التسخين تراجع بصورة تدريجية، بعدما تعالت الأصوات داخل الكونجرس الأمريكي، وحتى داخل منظمة «ايباك» ذراع “إسرائيل” في واشنطون، داعية إلى تفضيل الضغط الاقتصادي على إيران على فكرة الحرب. وسبق ذلك عقد مؤتمر بغداد لمناقشة المصير العراقي، وفيه التقي الإيرانيون والسوريون لأول مرة مع الأمريكيين. في ذات الوقت نجح اتفاق مكة في فتح الطريق لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية في فلسطين. وجرى التسكين النسبي للوضع في لبنان، وسط تفاؤل بإمكانية إحداث تطور ايجابي يخرج الجميع من المأزق، خصوصاً مع تواصل الاجتماعات بين ممثلي الطرفين، نبيه بري وسعد الحريري. هذا التطور في الأجواء الذي خفف من حدة التوتر في المنطقة، تزامن مع إطلاق إشارات مثيرة للانتباه صدرت عن الولايات المتحدة و”إسرائيل”، كان محورها مبادرة السلام التي أطلقتها القمة العربية في بيروت عام 2002، إذ توالت تصريحات المسؤولين في البلدين التي تحدثت عن «إيجابيات» في تلك المبادرة، وإن فيها ما يستحق التشجيع، كما إن فيها ما يحتاج إلى تعديل. وإلى جانب ذلك التلويح بإمكانية الإفادة من إيجابيات المبادرة وتطويـر ما يعتبرونه «سلبيات» فيها، فإن الطرفين الأمريكي والإسرائيلي لم يعودا إلى ذكر «خريطة الطريق» التي صدعوا بها رؤوسنا حيناً من الدهر، وكأنها لم توجد أصلاً. وفي الوقت ذاته فإنهما عبرا عن أملهما في أن يقوم «المعتدلون العرب» – وذلك عنوان جديد أضيف إلى قاموس المرحلة – بدور في عملية التطوير التي ينشدونها. في إشارة لا تخطئها عيـن إلى تعويل البلدين على أولئك «المعتدلين» في القيـام بمهمة «تليين» الموقف وإزالة العقبات التي تحول دون المصالحة العربية الإسرائيلية.

لأن تلك الرياح هبت علينا من واشنطون وتل أبيب، فإنها تستدعى الانتباه والحذر. إذ يظل الأصل فيها هو عدم البراءة، وحتى إذا ما أدت إلى «ترطيب» الموقف في المنطقة فإن ذلك لا ينبغي أن يصنف باعتباره هدفاً، وإنما هو وسيلة لتحقيق هدف آخر أبعد، يهم الطرفين الأمريكي والإسرائيلي، الذين نعرف أنهما ليسا من فاعلي الخير الذين يوزعون الهبات والصدقات السياسية على الآخرين. ولكن كلا منهما دولة لها مصالحها وحساباتها، التي من الطبيعي أن تتحراها في كل خطوة تخطوها.

(2)

لم يعد هناك خلاف على أن الخروج من المستنقع العراقي أصبح الهدف الأول للسياسة الخارجية الأمريكية في الوقت الراهن. ذلك أنه بعد الفشل الذريع الذي منيت به الولايات المتحدة هناك، وإزاء التدهور الذي أصاب سمعة الرئيس بوش والحزب الجمهوري بسبب فضائح تلك الورطة، فإن الخلاص منها أصبح المحرك الأساسي للدبلوماسية الأمريكية في المنطقة. يزيد الأمر صعوبة أن المحافظين الأمريكيين الجدد، الذين وقفوا وراء الحرب وأوقعـوا الإدارة والجيش الأمريكي في الفــخ، هؤلاء لا يزالـون قابعين في السلطة ولهم تأثيرهم القوي على القرار السياسي في البيت الأبيض. وهم لا يريدون الإقــرار بالهزيمة، ولا يزالون يدافعون عن موقفهم. ويطالبون بإرسال مزيـد من الجنـود وضخ مزيـد من الأموال. وفي الوقت ذاته فإنهم يتطلعون إلى خروج مشرف يحفظ لهـم ماء وجوههـم، وذلك ليس متاحاً حتى الآن.

ليس معروفاً مصير السجال الراهن بين الكونجرس ذي الأغلبية الديمقراطية الذي صوت في نهاية الأسبوع الماضي لصالح الانسحاب التدريجي من العراق خلال العام القادم، وبين الرئيس بوش الذي هدد باستخدام «حق الفيتو» ضد ذلك القرار. لكن المؤكد أن استمرار الوضع الراهن في العراق من شأنه أن يوجه ضربة قاصمة للجمهوريين في الانتخابات الرئاسية في العام القادم. وأن يقضي على المستقبل السياسي للرئيس بوش وفريقه، من ديك تشيني إلى وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس، وصولاً إلى طاقم المساعدين الذين يعملون في الظل. ومن الطبيعي أن يمتد الأثر السلبي ليصيب مجموعة المحافظين الجدد، وربما أصاب أيضاً قوى الضغط الصهيونية في الولايات المتحدة، التي ما زالت تدعم سياسة الرئيس بوش، انطلاقاً من تحيزها الأساسي ل”إسرائيل” صاحبة المصلحة في احتلال العراق والمحرض الأول على ضرب إيران.

لقد رفض الرئيس بوش وفريقه توصيات لجنة بيكر – هاملتون، التي تحرت الأمر في العراق، واقترحت للخروج من المأزق أموراً عدة، من بينها الربط بين الحاصل هناك وبين المشكلة الفلسطينية، معتبرة أن تسوية هذه المشكلة من شأنه أن يوفر جواً مواتياً لمغادرة العراق. كما اقترحت فتح حوار حول الملف العراقي مع كل من إيران وسورية. ورغم ذلك الرفض المبكر، إلا أن الشواهد تدل على أن هنــاك عودة خجولة إلى العمل بتوصيات اللجنة، الأمر الذي يفسر العودة إلى الاهتمام بتحريك عملية السلام في فلسطين، والمشاركة الأمريكية في مؤتمر بغداد الذي سقت الإشارة إليه، والذي كان السوريون والإيرانيون من بين حضوره، ضمن 17 دولة ومنظمة أخرى.

العين على العراق في كل التحركات الأمريكية في المنطقة، من تعدد زيارات السيدة رايس، وحتى اختراع “الدول المعتدلة” التي أرادت الإدارة الأمريكية أن تستعين بها في تحقيق مرادها. ولأن الوقت قصير أمام إدارة الرئيس بوش، بسبب قــرب انتهاء ولايته فإنه يريد أن يحقق أي انجاز يحسب له قبل رحيله. وإذ لا يبدو أن ذلك الانجــاز متاح فيما يخص الملف العراقي، فإن مبعوثيه يحاولــون تحقيق شيء فيما يخص القضية الفلسطينية، وليكن العودة إلى إحياء المفاوضات بين الطرفين، أخذاً بتوصيات لجنة بيكر هاملتون. وهناك من يقول إن السيدة كوندوليزا رايس متحمسة لذلك الاتجاه لأسباب شخصية، لدرجة أنها تحدثت عن إمكانية العودة إلى المنطقة مرة كل شهر للإسهام في تحريك ملف المفاوضات. تدفعها إلى ذلك رغبتهـا في تسجيل نقطة لصالح مستقبلها السياسي، المهدد بالانتهاء بعد رحيل الرئيس بوش عن البيت الأبيض.

(3)

“إسرائيل” ليست سعيدة بالتحرك الأمريكي، وفي الوقت نفسه فإنها لا تريد أن تعارضه. ذلك إنها تخشى من أن تؤدي الرغبة الأمريكية في إحياء المفاوضات إلى توجيه ضغوط عليها لا تريدها. ثم إنها تريد أن تستثمر حكاية «المعتدلين العرب» أما لكي توسع من نطاق اختراقها للعالم العربي وتوسيع مجالات التطبيع معه، أو لكي تعمق الشرخ وتكريس فكرة قسمة العرب بين معتدلين ومتطرفين. لذلك فإنها تعاملت مع التوجه الأمريكي إلى إحياء المبادرة العربية بدرجة عالية من الخبث. فمن ناحية صرح مسؤولوها – رئيس الوزراء إيهود أولمرت ووزيرة الخارجية تسيفي ليفني – بأن المبادرة تتضمن بنوداً إيجابية توجب على “إسرائيل” دراستها بجدية. ولكنها تحتاج إلى بعض التعديلات. وهم يركزون الآن على إشارة المبادرة إلى تطبيق قرار الأمم المتحدة رقم 194، الخاص بحق اللاجئين في العودة. ورغم أن المبادرة تحدثت عن «حل عادل» لقضية اللاجئين، ولم تنص صراحة على حقهم في العودة، إلا أن المطلوب إسرائيلياً أحد أمرين، أما إسقاط العودة تماماً، أو النص على ضرورة عودة اللاجئين إلى مناطق الدولة الفلسطينية المفترض إقامتها في غزه والضفة. ذلك أن لم يتم توطينهم في الأقطار العربية التي يعيشون فيها. المهم من وجهة النظر الإسرائيلية أن يوجد اللاجؤون في أي بقعة من الأرض، باستثناء بيوتهم التي طردوا منها واغتصبتها “إسرائيل”.

ذلك هو التعديل الأول الذي تلح عليه “إسرائيل” الآن. لكنه ليس الأخير، لأنهم يفضلون انتزاع التنازلات بالتدريج، تيسيراً لمهمة «المعتدلين» وتجنبا لإثارة مشاعر الرأي العام. ذلك أن “إسرائيل” ممثلة في قادة أحزابها فضلاً عن حكومتها ترفض الانسحاب إلى حدود 67، إذ تعتبر مسألة القدس الشرقية غير قابلة للمناقشة، كما أنها متمسكة بالسيطرة على «غور الأردن» الذي يشكل 20% من مساحة الضفة. في نفس الوقت فإنها أوضحت لجميع الأطراف بأنها لن تقوم بتفكيك التجمعات الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية، التي تضم أكثر من 70% من المستوطنين. وهى المستوطنات التي قضت محكمة العدل الدولية ببطلانها، لأنها أقيمت فوق أرض محتلة، بالمخالفــة لما تقضي به نصوص القانون الدولي.

إذا جاز لنا أن نلخص الموقف الحقيقـي ل”إسرائيل” من المبادرة، فهو أنها تقبل منها الشق المتعلــق باعتراف الدول العربية بها وإقامة علاقات دبلوماسيــة معها، وترفض ما دون ذلك! – ومن ثم فإنها مستعدة للقبول بالمبادرة كإطار عام. يفتح الباب للحكي وتبادل الرأي، خارج نطاق الخطوط الحمراء التي وضعتها.

(4)

حقيقة الأمر أن الطرفين الأمريكي والإسرائيلي في موقف ضعيف. فأزمة الرئيس بوش وهشاشة موقفه في الداخل والخارج حولته إلى «بطة عرجاء»، وهو الوصف الذي بات يلاحقه في الصحف الأمريكية والبريطانية. وتعاسة رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت لا تقل عن تعاسة الرئيس الأمريكي وربما زادت، الأمر الذي حوله بدوره إلى «بطة كسيحة». فشعبيته في انهيار بعد هزيمة جيشه في لبنان، ومسلسل الفضائح يلاحقه حيناً بعد حين هو والطاقم المحيط به. وسقوطه متوقع إذا ما حملته «لجنة فينوجراد» المسؤولية عن فشل حرب لبنان. هذه الملابسات جردته من القدرة على الحركة، وجعلته بلا «أجندة» تبرر بقاءه. لذلك فإنه بحاجة إلى مبادرة تمنحه بعضاً من «الأوكسجين السياسي»، على حد تعبر الوف بن المعلق السياسي لصحيفة «ها آرتس». وورقة المبادرة العربيــة ستمثل هذا الأوكسجين إذا ما فتحت الباب لمفاوضات مع العرب، التي قد تستمـر إلى ما لا نهاية، ونتائجها معلومة سلفاً.

في هذا السياق يضيف الكاتب والمحلل الإسرائيلي عكيفا الدار ملاحظة مهمة، خلاصتها أن الأمل ضعيف للغاية في أن تغير الدول العربية من مبادرة السلام، لكن استدعاءها وتنشيط دور «محور المعتدلين» في الدفاع عنها، من شأنه أن يوفر أجواء تسمح لها بمحاصرة إيران.

إن السؤال الكبير والمهم الآن هو: إلى أي مدى يستطيع العرب توظيف هذه الظروف لصالح قضاياهم، وفي المقدمة منها قضية فلسطين. إن بيد العرب إذا اجتمعت إرادتهم أوراقاً كثيرة في الوقت الراهن، خصوصاً في ظل الضعف الظاهر في صفوف الآخرين. وعند الحد الأدنى فإنهم إذا لم يستطيعوا أن يتقدموا خطوة إلى الأمام. فبمقدورهم أن يثبتوا على مواقعهم ولا يتراجعوا إلى الوراء. بكلام آخر فإنهم إذا لم يستطيعوا أن يفعلوا شيئا، فبيدهم أن يرفضوا مبدأ أن يفعل بهم شيء. من ثم فمطلوب من القمة أن تعبر عن قدر من الممانعة، يدفعهـا إلى التمسك برفض أي تعديــل في مبــادرة قمة بيـروت، ورفض أي استدراج إلى لعبة المفاوضات التي تعرف سلفاً أنها لن تفضي إلى شيء، وإنما المطلوب منهـا فقط أن تدور عجلته

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات