الجمعة 10/مايو/2024

حكومة اختبارية

حكومة اختبارية

صحيفة الخليج الإماراتية

أسماء عديدة تطلق على حكومات تتشكل في ذروة الأزمة، منها ما يسمى حكومة الإنقاذ، والحكومة الانتقالية وحكومة المنفى وحكومة الائتلاف أو الوئام الوطني، وقد تكون الحكومة الفلسطينية الوليدة بعد مخاض بالغ العُسر جديرة باسم آخر، هو أنها حكومة اختبارية، أي تختبر صدقية المواقف الإقليمية والدولية، وتضع كثيراً من الأطروحات – التي تحفّظ أصحابها على حكومة حماس- على المحك.

إنها تختبر أولاً الولايات المتحدة داعية الديمقراطية والزاعمة أنها راعيتها الوحيدة في الكون، وهي ثانياً تختبر نوايا حكومة أولمرت وفريقه الذي حاول بشتى السبل تصدير أزمته الداخلية.

الولايات المتحدة تدفع المراقب إلى درجة من الحيرة في أمرها، قد يضطر من خلالها إلى نبش الملف كله، بمجمل أوراقه الصفر والسود والبيض أيضاً، لأن واشنطن تتحدث عن الديمقراطيات في العالم بمنطق قيصري، والدولة العبرية تضيف منطق القرصنة إلى المنطق القيصري، لأن المطلوب فلسطينياً هو ولادة أنبوبية لحكومة تنفذ ولا تناقش، وتوقع على بياض إذا طلب منها ذلك.

وحقيقة الأمر أن هناك منطقاً ثالثاً يمكن وصفه بالتعجيزي، لأنه يطالب المشتغلين في حقل الرياضيات السياسية أن يربعوا الدوائر، بدلاً من العكس أو ما يسمى تدوير الزوايا كمحاولة لحل الأزمات، واستباق تفجرها.

وليست الحكومة الفلسطينية الجديدة هي الاختبار الأول أو الوحيد للنوايا الأمريكية، ولأجندة الدولة العبرية قدر تعلقها بالشعب الفلسطيني، فقد سبق لواشنطن وتل أبيب أن اتخذتا مواقف راديكالية مضادة للعديد من الصيغ السياسية التي لا تخضع جملة وتفصيلاً للمعجم العبري، أو للمعجم الأنجلوساكسوني الحديث الذي يريد مؤلفوه شطب ثلاثة أرباع التاريخ ومعظم الجغرافيا تلبية لمشروع التضاريس الجديدة والخرائط التي يعاد رسمها هذه المرة بجنازير الدبابات مثلما رسمت من قبل بروث أحصنة الغزاة والأباطرة.

وهناك اختبار ثالث قد تكون أهميته أكبر من ترتيبه الإجرائي في المرحلة الثالثة، هو اختبار الفلسطينيين أنفسهم، وقياس منسوب الحصانة الوطنية ضد كل ما يهدد شعباً محاصراً بالتشظي، والتآكل الوطني الذي هو في حقيقته اسم آخر لحرب أهلية تراوح بين البرودة والدفء والاشتعال. لقد خسر الفلسطينيون في الآونة الأخيرة دماً وطنياً عزيزاً، وأوشكت البديهيات أن تتعرض لتشكيك، بحيث يبدو قرن من النضال في مهب عواصف الفوضى المدمرة لا الخلاقة.

إن حكومة كهذه قد تشمل الإنقاذ والانتقال والوئام، إضافة إلى بعدها الاختباري، وقد يكون من حق الملدوغين أن يخافوا من مشاهدة الحبال، فما جرى في فلسطين خلال الأشهر الماضية لم يكن سهل الهضم على العقل والوجدان، وهو الآن مرشح للانتقال من طور كارثي إلى طور آخر إيجابي خصوصاً إذا حولت الإرادة الوطنية ذلك الدم المسفوح بالمجان إلى لقاحات لتعزيز المناعة ضد سطوة الغريزة على الوعي، والخاص الشخصي على العام الوطني.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات