السبت 04/مايو/2024

منطق العولمة في اغتيال الشيخ ياسين !!

خليل محمود الصمادي

تمر الذكرى الثالثة على استشهاد الإمام أحمد ياسين تقبله الله وصحبه في عليين، في مقعد صدق عند مليك مقتدر. لقد ظن منفذو الجريمة أنهم باغتيال الشيخ وبعدها اغتيال الدكتور عبد العزيز الرنتيسي أنه قصموا ظهر حماس أو كادوا ، ولم يبق إلا أيام لنعي الحركة!!

سارعت إسرائيل بالابتهاج بقصف موكب الشيخ العائد إلى قواعده بعد جريمة صلاة الفجر جماعةً في المسجد واختفى منطق الإدانة منذ اللحظات الأولى من قبل العالم المتمدن أو الحضاري أو الإنساني أوالراقي ـ قل ما شئت فليس كل ما يلمع ذهباـ لا بل سارعت كثير من هذه الدول إلى إدانة الشيخ ـ يرحمه الله ـ بعد استشهاده بساعات أدانت واشنطن خروجه لصلاة الفجر في المسجد!! فهي لا تمانع الصلاة ولكن تريد من الفلسطينيين أن يطبقوا السنة بما ورد في الحديث الشريف ” صلوا في رحالكم ” لأن في خروج الشيخ في ساعات مبكرة من الليل يؤدي إلى التهلكة وهذا ما نهى عنه الشرع الحكيم!!

وأضافت : إنَّ من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها ضد الشيخ وأمثاله، وعلى الفلسطينيين أن يراعوا ضبط النفس!! أما الموقف الأوروبي ـ ولا سيما بعد هذه الجريمة النكراء التي لا يختلف اثنان في إدانتها فقد آثر الصمت ، لا بل وصل الحد إلى أنَّ السفير اليوناني في دولة خليجية سحب تعزية سفارته باستشهاد الشيخ أحمد ياسين التي قُدمت للسفارة الفلسطينية ـ ربما على عجالة فاليونانيون عاطفيون شرقيون أمثالنا نحن العرب ـ فقد وصلته تعليمات من بلاده بهذا الخصوص”لأن الموقف الأوروبي يعتبر حركة حماس منظمة إرهابية وأن الشيخ ياسين لم يكن منتخبا من الشعب الفلسطيني.”

وانتظر الناس قرارات مجلس الأمن التي توقع الطيبون أنها ستكون هذه المرة عادلة فالقضية لا يحتاج اثنان للجدال فيها، ولكن جاءت القرارات مخيبة للآمال ، إذ استخدمت دولة الحرية والديمقراطية حقها في استخدام الفيتو!!

ماذا نقول بعد كل هذه الإدانات في حق الشيخ الإرهابي، من منظور العولمة، الذي يبدو كأنه قصفَ طائراتِ شارون من كرسيه المتحرك!!

هل الشيخ ياسين ـ رحمه الله ـ كان منتخبا من الشعب الفلسطيني أم لا؟ وما هي آلية الانتخاب في منطق العولمة؟ وكيف يصبح الزعيم منتخبا ومحبوبا من شعبه في نظرهم؟

أيظنون أن المقعد المتحرك الذي لازم الشيخ ياسين منذ مطلع شبابه هو دبابة أمريكية أو روسية الصنع ومن خلالها احتل قطاع غزة وفرض الأحكام العرفية ثم أشرف على انتخابات هزلية جاءت به على السلطة بنسبة 99،99%!!

ربما اختلطت الأمور أو على الأمريكيين والأوروبيين وعلى السفير اليوناني و بلاده، فالديمقراطية الأوربية والأمريكية لم تفرق بين الدبابة وكرسي الشلل أو بين عصا المقعد وطائرات الأباتشي!!

هل تعاموا عن الشعبية التي حظي بها الشيخ قبل استشهاده وبعده؟!! أم أن وسائل الإعلام عندهم تديرها أيادٍ لا تنقل إلا رأيا واحدا، كما في البلدان الديكتاتورية.

لقد عرف الناس الشيخ في قطاع غزة منذ عقود طويلة ، عرفه الصغير والكبير، والصديق والعدو، لقد استولى على قلوب الناس بأسلحة الحبِّ القوية، لقد فرض احترامه على الجميع بقوانين العدل والهمة العالية، لم يترك أهله في محنهم الشديدة، ساعد الجميع بكل ما استطاع من قوة، أسس البنية التحتية لأهل قطاع غزة، ساهم في إنشاء الجمعيات الخيرية التي كانت تواسي آلاف العائلات المشردة، فتح المشافي والمدارس والصيدليات ومشاغل الخياطة وافتتح دورا لحضانة الأطفال ومدارس عديدة وحتى الجامعة الإسلامية كان من مؤسسيها، ، ورعى الأرامل والأيتام، لقد انتخبه الشعب الفلسطيني بقلبه وعقله ووجدانه، وكيف لا ينتخب من لا يضمد جراحه في مآسيه الكثيرة.

وهل الذي يحظى بهذا الحب بحاجة لصناديق اقتراع مزيفة وإذاعة مأجورة وصحافة صفراء ليبرهن للعالم أن الشعب يهتف باسمه صباح مساء وليل نهار؟!!

عاش الشيخ في غزة معلما ومرشدا ومصلحا وقاضيا بعيدًا عن الأضواء يفض النزاع بين الناس بالحق والعدل كانت أحكامه في أغلب الأحيان مبرمة غير قابلة للطعن أو الاستئناف لأن المتخاصمين رضوا بحكمه وذلك قبل قدوم السلطة وبعدها.

احترمه الجميع بل أحبوه ، كان رحمه الله صمام أمان للوحدة الوطنية، حرَّم الاقتتال بين الناس تحت أي ظرف من الظروف كان حليما تحمل كثيرا من التصرفات الحمقاء والقرارات الجائرة التي اتخذت بحقه من قبل ذوي القربى ، تحمل ذلك وصرح أكثر من مرة بأنه لا يريد أن يفرِّح أعداءنا بإراقة دمائنا، وكثيرا ما كان يردد الآية الكريمة { ولئن بسطت إليَّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك} المائدة 28

بهذه الأخلاق الرفيعة والأفعال الحميدة وصل الشيخ إلى الناس فانتخبته قلوبهم وعقولهم.

يبدو أن الإعلام الأوروبي والأمريكي ومن يدور في قطبهم لم يكن على اطلاع بما يحظى به الشيخ من محبة وشعبية قلما تحدث لزعيم في العصر الحديث !!

 ألم يشاهدوا الملايين التي خرجت في غزة وغيرها من دول العالم الإسلامي منددة باغتيال الشيخ ؟

 هل سيقت هذه الشعوب بالعصا والتهديد من الطرد من الوظيفة إن لم يشاركوا في تأبين الشيخ أم أن مخابرات الشيخ كانت ترصد من لا يخرج في الجنازة؟

 وها هم اليوم يشاهدون بأم أعينهم ما زرعه الشيخ بين شعبه ، فالبذور الصغيرة التي زرعها في غزة والضفة تحولت إلى أشجار باسقة ولم تجتث من الأرض، برغم قوة الرياح والأعاصير لأنها من أصل طيب ومن بذرة طاهرة ، أتت أكلها بعد استشهاد الشيخ وها هي صناديق الانتخابات التي راهن عليها كثيرون أثبت طيب هذا الثمر وبرهنت على مكانة الشيخ في قلوب الناس حتى بعد استشهاده.

في ديمقراطية العولمة تحول كرسي الشيخ إلى دبابة، استولى بها على البلاد والعباد،وأذاقهم الذل والهوان، وتحولت عصاه الخشبية إلى بندقية حربية من العيار الثقيل، وتحولت دبابات شارون إلى كراس متحركة تحمل منطق العولمة المشلول!!

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين ، وينطق فيها الرويبضة ، قيل وما الرويبضة يا رسول الله؟ قال : الرجل التافه الحقير ينطق في أمر العامة” ابن ماجه/ أشراط الساعة24 

 

* خليل محمود الصمادي – عضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات