السبت 04/مايو/2024

حماس في ذكرى رحيل الإمام !

لمى خاطر

حين كانت جماهير فلسطين تشيع ياسينها قبل ثلاث سنوات، ومعها نبض الأمة بأسرها كانت كل العيون والأذهان تتجه صوب المرحلة التالية لاستشهاد الإمام، تتكهن حول معالمها وأبعادها فلسطينياً وحماسياً.

هناك من راهن على أن عمر حماس رهن بعمر قادتها المؤسسين، وعلى أن ضربتين متتاليتين باغتيال الياسين ومن بعده الرنتيسي – رحمة الله عليهما –  كفيلتان بترك الحركة أمداً طويلاً تترنح من حجم الضربة وآثارها، أو تنكفئ متراجعة لتنكمش على نفسها وتتيه بوصلة مسيرها..!

انقضت ثلاثة أعوام مذ ودعت حماس إمامها، وها هي الحركة تستقبل اليوم ذكرى رحيله وقد تربعت في صدارة المشهد السياسي الفلسطيني بعد أن فشلت كل الرهانات على إمكانية إخضاعها أو القضاء عليها، وبعد أن خرجت الحركة منتصرة ثابتة من عام حصار قاهر لم يبق خلاله سلاح إلا وأشهر في وجهها ابتداء بحصار مالي غير مسبوق رافقته محاولات عصيان مدني وتخريب داخلي ونشر للفوضى على الطريقة الأمريكية، وانتهاء باللجوء إلى خيار حسم المعركة عسكرياً معها والذي كان آخر رهانات الأطراف كلها المتربصة بها داخلياً وخارجيا.

أدارت حماس المعركة بمهارة وخرجت منها بأقل الخسائر الممكنة، وثبتت أقدامها مجدداً ضمن المعادلة الفلسطينية كطرف لا مجال إلا للتعامل معه كجهة شرعية أصيلة تعبر عن قطاع غير قليل من أبناء شعبنا في الداخل والخارج، وتحمل برنامجاً ورؤية نابعان من إرادتها الحرة وليسا مفصلين على مقاس المزاج الصهيوني أو الدولي.

حماس اليوم قادت المجموع الفلسطيني نحو برنامج وحدوي يحمل صبغة جديدة، لا مكان فيه لأبجديات التفريط ولا مجال معه للتبرؤ من مقاومة الاحتلال أو التنازل عن حق فلسطيني، وقطع برنامج الحد الأدنى المجمع عليه فلسطينياً الطريق أمام كل محاولات الكيان الصهيوني للتفرد بطرف فلسطيني وإغرائه بالفتات مقابل تقديمه تنازلات مجانية لا تصب إلا في صالح إسرائيل، وتنفيذه التزامات أمنية لا تكفل إلا تحقيق أمن الكيان الصهيوني وجعل فئة من أبناء شعبنا تاستمرئ محاربة المقاومة وقمعها، والمضي في مهزلة المفاوضات إلى النهاية بلا مرجعية تسائلها وتلزمها بعدم تجاوز إطار المصلحة الفلسطينية الحقيقية وحقوق شعبنا المجمع عليها.

حماس اليوم دخلت النظام السياسي دون أن يفلح أحد بتجريدها من مبادئها أو مساومتها على سلاحها أو خيارها المقاوم، وهي تثبت لأعدائها وخصومها على حد سواء أنها جديرة بالصمود في ميدان كل معركة تعدّ لها، وأن المكر السيئ الذي يضمره أعداؤها لها لا بد أن يحيق لاحقاً بهم وينقلب عليهم حسرة وخسرانا..!

فهل كان في حساب إسرائيل حين اعتقدت أنها قد أصابت الحركة في مقتلها باغتيال الياسين أن حماس لن تلبث بعده طويلاً قبل أن تعود لتنتصب في وجه إسرائيل كقوة سياسية وعسكرية متسلحة بشرعية انتخابية خلطت كل أوراق من رام للحركة الهلاك والتهميش والإقصاء عن الواجهة، وإشغالها بتضميد جراحها النازفة !

هل كان في حساب كل من تكالب على حماس منذ فوزها وحتى توقيع اتفاق مكة أن في مقدور الحركة الثبات طوال هذه المدة وإرغام الجميع على إعادة حساباتهم بعد تيقنهم من مدى هشاشة الجبهات التي وقفوا عليها في مواجهة حركة ذات مخزون عقائدي وجهادي كفيل بمدها دائماً بإرادة الصمود وعزيمة البقاء !

ولكي تظل حماس صمام أمان الحقوق وحارسة الثوابت وورقة القوة الأثقل في كل المعادلات لا بد أن تظل مميزاتها (الحماسية) حاضرة على امتداد مسيرتها مهما علا شأنها أو تنوعت ضروب نشاطها!

لا بد أن تظل النكهة التي ميزتها عن غيرها قولاً وعملاً واضحة أصيلة، وأن تدرك أن منظومة الثوابت والمبادئ والمرجعية العقائدية وآليات المواجهة التي مكنت لها في كل مرحلة من مراحل مسيرتها هي التي ستمكن لها لاحقاً وفي كل حين بإذن الله وتأييده، فالله يدافع عن الذين آمنوا ويتعهد برعاية الثابتين على الحق ومدهم بأسباب الظفر والتمكين.

وهذا يتطلب ألا تتماهى الحركة مع غيرها خطاباً وسلوكاً، وأن تظل عوامل إبداعها سياسياً وإدارياً وإعلامياً وعسكرياً علامة تميز لها لا يجد المرء عناءً في تبيّنها.

وأن تظل كما كانت – حكومة وحركة – قابضة على جمرالثوابت راعية للمقاومة.. وحتى في حال التوصل إلى تهدئة خلال محطات معينة يجب أن تغيب عن الخطاب الفلسطيني – الرسمي والحزبي – أبجديات إدانة المقاومة إذا ما نفذ فصيل فلسطيني معين عملية تخرج عن إجماع فلسطيني بالتهدئة، فالمقاومة كانت على الدوام ورقة القوة التي لم يحسن المستوى السياسي السابق استثمارها والتعامل معها كما ينبغي أو توفير الحد الأدنى لها من الغطاء السياسي المناسب.

وفي المقابل لا بد للحركة أن تدفع باتجاه المضي نحو تنفيذ كل استحقاقات التوافق الفلسطيني وعلى رأسها ملف المنظمة، وألا تسمح بأن يتم حصر حراكها في إطار سلطة محدودة حتى وإن كانت هذه السلطة تتعامل مع حاجات المواطن اليومية الملحة والضرورية، إذ لا بد أن يكون للشعب الفلسطيني مرجعية سياسية جامعة أكبر من حدود سلطة داخلية مقيدة، لكي تكون قادرة على التعامل مع أي تحدٍ قادم بنفس جماعي قوي ومسؤول.

والمهم دائماً بطبيعة الحال أن تظل عيون الحركة مصوبة على ميدانها القادم وأن تحسن الإعداد للحظة مواجهة لا بد آتية، وأن تعد نفوس أبنائها وشعبها على حد سواء بغرس ثقافة الصمود في النفوس والعزائم وتغذيتها على الدوام بذخيرته لكي لا يركن أحد إلى مرحلة استقرار آني، فيسقط من حسابه ما هو آت ثم يفاجأ بأي تحدٍ قد يأتي في أية لحظة ودون سابق إنذار. 

رحم الله إمام حماس وتاج رأسها ودرة هامة كل حر، وسيد شهداء فلسطين وعنوان إرادة لم يقعدها شلل الأطراف ولا حال بينها وبين قيادة مقاومة أبية خاضت بها لجة من الحراب وتجاوزت بها أحلك الظروف وأقسى المنعطفات.

وحق لحماس اليوم أن تقف في ذكرى رحيل إمامها لتجدد له البيعة وتعلن للعالم أجمع أنها ما تزال ماضية في الدرب الذي خطه لها مهتدية بندائه والنور الذي أضاءه دمه، ودماء من سبقوه ومن لحقوا به ومن لا زالوا يعدون أنفسهم لهذا اليوم، ويقينهم أنهم كلهم مشاريع شهادة لا تتحول غايتهم عن إحدى الحسنيين.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات